تدمير مطار حلب.. الخلفيات والحيثيات والرسائل

تدمير مطار حلب.. الخلفيات والحيثيات والرسائل

شنت إسرائيل صباح الثلاثاء الماضي غارة مكثفة استهدفت المدرج الرئيسي لمطار حلب ومستودعات ومباني في محيطه، ما أدى إلى تدميره وإخراجه من الخدمة لأيام، وحدوث انفجارات ضخمة تشي ليس فقط بعنف الغارة ولكن أيضاً بطبيعة محتويات المستودعات والمباني التي تم استهدافها.

ثمة سياقات عامة للغارة الأخيرة وأخرى خاصة تتعلق بطبيعتها وخلفياتها وحيثياتها وتداعياتها والرسائل التي تضمنتها.

بداية، هذه الغارة هي السادسة – المعلنة - منذ بداية العام الجاري 2023، علماً أن الغارات التي سبقتها تنوعت ما بين استهداف قوافل التهريب ومعسكرات ومستودعات لإيران وميليشياتها في منطقة الحدود السورية العراقية، كما مطار دمشق ومحيطه وإخراجه من الخدمة لساعات أوائل العام، ثم قصف شقق ومكاتب للحرس في الحي السكني بمشروع كفرسوسة، ثم الغارة الأخيرة ضد مطار حلب.

يبدو جلياً أن إسرائيل تتصرف كما يحلو لها في سوريا، حيث حرية العمل والحركة العسكرية والأجواء المفتوحة أمامها دون أي عراقيل أو موانع جدية رغم وجود الاحتلال الروسي ومنظوماته الدفاعية التي لا تستخدم ضد الطائرات والصواريخ الإسرائيلية بقرار سياسي من الاحتلال الروسي الداعم ضمنياً وحتى صراحة للغارات بعيداً عن استهداف النظام والقواعد الروسية بشكل مباشر، وآخر عسكري مع الخشية من انكشاف وانفضاح المنظومات الروسية وتخلّفها وضعفها أمام التكنولوجية الإسرائيلية الغربية، كما هو حاصل الآن في أوكرانيا، وكما حصل قبل ذلك بمواجهة التكنولوجية التركية في عمليات متعددة بالشمال السوري تحديداً عملية "درع الربيع" العام 2020، حيث وقفت التكنولوجيا الروسية عاجزة – كما في أذربيجان وليبيا- أمام الجيش التركي الذي أباد ثلث قوات النظام بالمنطقة، 2200 جندي و8 مروحيات وطائرة مسيّرة و103 دبابات و72 مدفعية وراجمة صواريخ و3 أنظمة دفاع جوي خلال أيام، بل ساعات قليلة فقط.

واضح كذلك أن ثمة دعم سياسي للغارات من القوى الكبرى القائمة بالاحتلال في سوريا، ولا يقتصر الأمر على روسيا بعدما تراجعت حدة بيانات إداناتها الخجولة أصلاً مع استنزافها وغرقها بالوحل الأوكراني، وإنما يشمل أمريكا أيضاً، حيث لم تعد إدارة جو بايدن تتحفظ على الغارات بحجة جرّها إلى حرب مع إيران، أو تكترث بسعي هذه الأخيرة الفاشل والساذج لوضع معادلة تستهدف فيها القواعد الأمريكية بالمنطقة ليس مباشرة وإنما عبر ميليشياتها وأذرعها الطائفية، ردّاً على الغارات الإسرائيلية التي لا تكاد تتوقف ضد معسكرات ومواقع التموضع الإيراني والميليشيات الطائفية بسوريا وعلى الحدود المستباحة مع العراق.

في السياق لا بدّ من التذكير، أن إسرائيل كانت قد أخرجت مطار حلب نفسه من الخدمة لأسابيع قبل ذلك، وهو ما حصل مع مطار دمشق، حيث أخرجت هذا الأخير من الخدمة لساعات الشهر الماضي، والآن مطار حلب مرة أخرى لأيام فيما يمكن وصفها بحرب المطارات بعدما عسكرتها إيران تماماً لخدمة سياستها التوسعية في سوريا والمنطقة، تحت شعارات المواجهة مع إسرائيل، بينما تبدو الحرب أو "المعركة" من جانب واحد وإلى أجل غير مسمى بانتظار أوان الردّ المستحيل في المكان والزمان المناسبين.

في قصة أو معركة المطارات كانت تل أبيب أوصلت رسائل للنظام وداعميه أو للدقة مشغّليه ومن يهمهم أمره لعدم السماح لإيران باستخدام المطارات والمنافذ المدنية الأخرى البرية والبحرية أيضاً في الأغراض العسكرية أو تحويل أجزاء منها إلى مستودعات لتخزين الأسلحة ومستلزماتها، وهو ما يحدث فقط في الأنظمة الاستبدادية ضمن توغّل تام على المجتمع والحياة بشكل عام.

إذن، وبالعموم روسيا متواطئة مع الغارات الإسرائيلية كما يقول شبيحة النظام علناً أو هي غير مبالية بالحد الأدنى، بينما النظام نفسه فاقد السيادة والسيطرة لا يريد ولا يستطيع الضغط على إيران لوقف تموضعها وانتشارها واستغلالها للثروات والمقدرات السورية، وكان بشار الأسد توسّل إليها لعدم الردّ على إسرائيل حتى لا يدفع هو الثمن، هذا على افتراض أنها تريد أو تستطيع الرد مباشرة بعد مئات الغارات خلال السنوات الماضية.

وبالطبع، لا يفعل بشار شيئاً لمواجهتها كونه يعرف الثمن، مع قناعته التامة أن إسرائيل لا تمانع بقاءه إذا تنحّى جانباً عن المعركة أو للدقة ضرباتها وهجماتها ضد إيران.

واضح بالطبع، امتلاك إسرائيل معلومات استخباراتية نوعية ومحدثة دائمة، وهذا ما يمكنها من استهداف شحنات الأسلحة براً وبحراً وجواً عبر مراقبة طائرات شركة مهاباد التابعة للحرس التي تُستخدم للنقل والتهريب العسكري وحتى الاجتماعات ذات الصلة كما حصل في كفرسوسة الشهر الماضي.

مع ذلك كله أو إضافة إليه، للدقة ثمة سياقات خاصة بغارة حلب الأخيرة التي جاءت بعد التحذير الإسرائيلي من استغلال الزلزال وفرية المساعدات الإنسانية لنظام مفلس أصلاً ينكّل بشعبه ويسمم طالباته لتهريب الأسلحة ومستلزمات التموضع الإستراتيجي في سوريا.

في الغارة الأخيرة رأينا مثلث أو تقاطع إسرائيل وروسيا وإيران الذي يظهر النظام كلاعب هامشي مفعول به لا يأخذه أحد على محمل الجد، حيث استغلت إيران غطاء المساعدات الإنسانية والإغاثية للتهريب البري لا الجوي، وقامت بتخزين ما هربته من صواريخ وأجزاء الطائرات المسيّرة أولاً في مطار الجراح قرب حلب، الذي تم تجهيزه أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي ويخضع أساساً لسيطرة روسيا التي خشيت أن تطاله الغارات الإسرائيلية، ولذلك أجبرت إيران وميليشياتها على الرحيل ونقل تلك المواد إلى مطار حلب ومحيطه والاستعداد لنقل المزيد منها جواً بعد ذلك، وهذا يفسر حجم الانفجارات الضخمة جداً بعد الغارة الإسرائيلية الثلاثاء الماضي التي تعمدت تدمير المستودعات الأسلحة والمدرج الرئيسي للمطار، لكن ليس بشكل نهائي مع تحذير بإخراجه من الخدمة لأسابيع وحتى شهور.

هنا نلمس التعاون والتواطؤ الروسي الإسرائيلي في إخراج إيران من "الجراح" للاستفراد بها وضربها في حلب، بينما تبدو هي مضطرة بإرادتها أو رغماً عنها للعب وفق القواعد المرسومة روسياً وإسرائيلياً. 

بدا الأسد وكما العادة غير ذي صلة، بينما جاءت مضادات اللاذقية التي كانت ضخمة وشديدة جداً رداً على غارة حلب شبيهة باللوحة الهزلية الساخرة المعبرة في مسلسل "بقعة ضوء" لحث المواطنين على التبليغ عن مرور الطائرات المعادية بأجواء بلدتهم في طريقها لتنفيذ الغارات بمناطق أخرى.

في رسائل غارة حلب الأخيرة ثمة تحذير من عدم نشر مضادات منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، علماً أنها دعائية ولإحكام السيطرة، على مناطق واسعة في سوريا – الأسد الطائفية المتجانسة وبالضرورة ما فشلت فيه المنظومة الروسية الأكثر تقدماً أو للدقة الأقل تخلّفاً لن تنجح فيه نظيرتها الإيرانية الأقل تقدماً والأكثر تخلفاً.

في الأخير وباختصار وتركيز، كشفت غارة حلب بسياقاتها العامة والخاصة بل رسمت معالم المشهد في سوريا بمناطق سيطرة النظام الوهمية الخاضعة لهيمنة روسيا وإسرائيل بينما تحاول إيران وآلتها الدعائية التصرف كقوة عظمى إقليمية رغم إفلاسها وأزماتها ومأزقها الداخلي والخارجي ووصول النظام فيها إلى طريق مسدود وتحوّل الدولة كلها إلى سفينة "تايتنيك" كما تنبأ الفيلسوف والمفكر محمد رضا طاجيك منذ سنوات، والمفارقة أنها تستغل الضربات والغارات الإسرائيلية التي تكشف عريّها وتفضح ضعفها وعجزها للإيحاء أو قول العكس في انفصام موصوف وهروب جنوني إلى الأمام تماماً كما الأسد غير المكترث إلا للبقاء في السلطة، والأمر برمته لا يعنيه حتى رغم الآلة الدعائية له ولداعميه العرب والعجم.

التعليقات (1)

    إنسان

    ·منذ سنة شهر
    هذا المقال (او للدقة المنشور) تكرار للرواية الصهيونية، من دون اي اثارة المشاعر الوطنية أن الذي يقصف هو مقدرات الدولة العربية السورية. بالرغم من ان النظام هو المتحكم بالمطار لا يمكن لأي سوري إلا ان يحزن لمشاهدة بلده تقصف و يتم تدميرها لأهداف دول لا يهمها سوى مصالحها.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات