بين "قيصر" والتطبيع.. 9 أسباب وراء رفع نظام أسد لسعر صرف الدولار

بين "قيصر" والتطبيع.. 9 أسباب وراء رفع نظام أسد لسعر صرف الدولار

تزامن قرار "المصرف المركزي" في حكومة ميليشيا أسد برفع سعر صرف الدولار الأمريكي في نشرة المصارف، من 4522 ليرة إلى 6532 ليرة، مع تحولات في المشهد السياسي، وقبيل انعقاد قمة رباعية في موسكو تجمع النظام مع تركيا، ووسط أنباء عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق ليسلم خلالها دعوة رسمية لرأس النظام بشار الأسد من أجل حضور القمة العربية المقبلة في الرياض.

وفي خضم هذه التحركات المعاكسة لمجرى الأحداث، على مدار 12 سنة من عمر الثورة ضد النظام، يمكن تفسير خطوة البنك المركزي تلك بنوعين من الأسباب، الأول منها تقني ومهني، بينما ينبع النوع الثاني من الأسباب من خلفية سياسية تتماشى مع المشهد الحالي، وتخدم النظام في تغيير القوانين والأنظمة في مؤسسات الدولة.

الأسباب المهنية

تتعدد الأسباب المهنية التي دفعت البنك المركزي إلى رفع سعر صرف نشرة المصارف، وهو بهذا يستهدف أولاً الحوالات، على اعتبار أن نشرة المصارف تخص الشخصيات الاعتبارية والمنظمات والشركات التجارية والمدنية، إذ يتوقع النظام أن المساعدات الأممية والتعويم العربي الذي حدث، سيجر شركات كثيرة لمحاولة العودة إلى سوريا، ما يفرض توفير بنية تحتية متقدمة، تسهل عمل تلك الشركات، وبالتالي هذا يحتاج لوجود المصارف القادرة على توفير تلك البيئة على اعتبار البنية التحية أساس أي نجاح في الاستثمار، كما إن المنظمات الأممية بدأت تشتكي من فارق السعر بين سعر الصرف في السوق السوداء وبين سعر المصارف، الذي تستلم وفقاً له المبالغ المحولة لها من الخارج، فبدأت تحجم عن الدخول في السوق عبر قنوات الحوالات المصرفية.

النقطة الثانية، أن المركزي يسعى لتلافي طباعة المزيد من فئات العملة السورية، حيث إنه يتوقع زيادة الحوالات المالية للأفراد أو التي تستخدمها الشركات لتهرب من سعر نشرة المصارف القديمة، ما يضطره لتأمين مزيد من السيولة العملة السورية تلبية لها، وهذا الأمر صعب التحقق، نتيجة التضخم الكبير، إضافة إلى لجوء الناس لاستخدام كميات كبيرة من العملة السورية في عملياتهم اليومية، لذلك أراد المركزي استخدام الأموال المجمدة في المصارف، والتي تقدر بـ 2.5 تريليون ليرة، حتى إن بعض المصادر تقول إنها 3 تريليون ليرة.

أما السبب الثالث الذي دفع لرفع سعر صرف نشرة المصارف، هو آلية تمويل المستوردات المتبعة، حيث إن سعر الصرف المنخفض يحمّل المركزي عبئاً كبيراً لتوفير القطع الأجنبي اللازم لتمويل المستوردات، فالقرار رقم 292 / ل . أ لعام 10/03/2019 الذي رفع معدل تمويل المستوردات من 0.05% بالألف إلى 1%، وبالتالي لا بد للمركزي من تأمين القطع الأجنبي للبنوك للقيام بمهامها، دون أن يضطر لتأمين القطع الأجنبي من مصادر أخرى، وهو أمر مكلف كثيراً عليه. كذلك يأتي كمحاولة لتوحيد نشرات سعر الصرف، ومنع الفجوات بين السوق السوداء ونشرات سعر الدولار الرسمية، فتلك الفجوة تدفع السوق السوداء إلى الاستمرار بالارتفاع، مع زيادة الطلب على الدولار في تلك السوق، نتيجة ارتفاع سعر الصرف فيها.

والسبب الرابع، يتماشى التوجه إلى رفع سعر صرف الدولار مع قرارات أخرى تصب في خدمة طرح مؤسسات الدولة وتفعيل مبدأ التشاركية رقم 5 لعام 2016، فالسعر المرتفع يدل أمام المجتمع الدولي أن البلاد تسير نحو التعويم، لكن التعويم الموجه، أي إنه يتم تحت إدارة المركزي الذي يبقى له قدرة على التدخل في السوق وحماية الليرة.

وخامساً، يهدف المركزي إلى تحسين ميزانية البنوك الخاصة كبنية تحتية لإعادة الإعمار، من خلال تأمين قطع أجنبي، فالقرار 13 تاريخ 1/4 / 2019 الذي يسمح للسياح الخليجيين والعرب الذين سيدخلون السوق السورية بوضع أموالهم كنوع من الائتمان، وهذا هو الهدف من القرار رقم 13 الذي ينص على وضع الأموال بالبنوك لاستعمالها في سوريا، وإمكانية استعادتها ( أو ما تبقى منها) عند الخروج بنفس العملة التي وضعت فيها، أي إن هذا سيُشجّع الخليجيين للقدوم للسياحة، وهذا يبرر ما تحدّث عنه وزير السياحة في حكومة النظام محمد رامي مرتيني، من حيث السماح لشركات السياحة بالتعامل بالقطع الأجنبي عند الحجز وقطع التذاكر.

أما سادساً، فيأتي قرار المركزي، تماشياً مع عودة العلاقات مع الخليج العربي، الذي يعيش فيه كثير من الشباب السوري ممن هم بسن الخدمة الإلزامية، حيث سيطلب النظام من الحكومات الخليجية دفع أولئك الشباب لتصحيح أوضاعهم، ما سيدفعهم إلى دفع بدل الخدمة العسكرية، ولتشجيعهم على دفع البدل وفق قانون ينص على "أنه يتم بموجب حوالات مصرفية واردة باسم المكلف أو وليه أو وكيله القانوني، على أن تقيد هذه الحوالات لحساب مصرف سورية المركزي لصالح البدل النقدي للمكلف لدى مراسلي المصرف في الخارج، " وهو ما يردم الهوة ويدفعهم إلى دفع البدل. 

الأسباب الخفية

تتعلق الأسباب الخفية التي تقف خلف رفع سعر صرف الدولار في نشرة المصارف بداية، بمحاولة تغيير شكل الدولة، من خلال رفع أسعار خدماتها، الأمر الذي يغير شكل النظام الاقتصادي الذي كان يقول إن الدولة راعية للمواطنين، فهذا الرفع سيجعل أسعار الخدمات مرتفعة حتى إنه سينعكس بالموازنة العامة ويقلل العجز فيها، وبالتالي يشجع ويجذب الاستثمار على اعتبار أن الأسعار تصبح تُقيّم بشكل منطقي أكثر، كما سيشجع الاستثمار في مؤسسات الدولة عبر مبدأ التشاركية، والتي يجد النظام أنها المنطقة الوحيدة الخالية للاعب الخليجي في الجغرافية السورية.

 وعلى التوازي، يمكن اعتبار هذه الخطوة، محاولة من النظام للتهرب من قانون "قيصر" والالتفاف عليه، من خلال جعل تشجيع التعامل مع المصارف الخاصة باعتبارها تعمل بشكل مستقل إلى حد ما عن البنك المركزي بآلية الحوالات، من مبدأ أن "قانون قيصر" يستثني الحوالات للمواطنين والتجار، وبما يدفع العرب إلى دخول السوق السورية، ووضع أموالهم بهذه البنوك كبديل عن بنوك لبنان.

وثالثاً يحاول النظام من خلال تفعيل الحوالات المصرفية إدخال أموال المخدرات وثمن شحناته السابقة من جهة، ومن جهة أخرى تسديد حوالات الخدمات وتمرير المخدرات مع حوالات التجار لدفع ثمن المواد والسلع الأساسية التي يستوردونها. 

ومع بقاء قطاع البنوك، القطاع الوحيد تقريباً المحمي من التدخل الإيراني الروسي، يسعى المركزي إلى جذب المزيد من المستثمرين للمساهمة والدخول بشراء المصارف، وتحديداً المستثمر الخليجي في حال أراد الدخول في السوق السورية.

ومما لا شك فيه أن رفع سعر الصرف في نشرة المصارف، لن يكون الخطوة الوحيدة والأخيرة، حيث يرجح اقتصاديون أن يليه رفع سعر نشرة الجمارك والطيران قريباً، الأمر الذي سينعكس على أسعار المستوردات بمختلف أنواعها، ويرفع الأسعار لمستويات جديدة، ما يعمّق الفجوة بين دخل المواطن السوري والأسعار ويزيد من أعبائه لعدم كفاية الدخل المتدني من أساسه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات