تنجيم سياسي وزلزالي

بعد حفلات التنجيم التي حرصت قنوات تلفزيونية لبنانية على بثها طوال سنوات الحرب السورية، بتوصية من جهات نافذة جداً في النظام اللبناني الحاكم، ظهرت إثر زلزال السادس من شباط في تركيا وسوريا موضة التنبؤات الزلزالية وبطلها المطلق المتنبئ الهولندي فرانك هوغربيتس.

ما يجمع حفلات التنجيم وموضة التنبؤات الزلزالية أنها تُلهي الناس وتستغل خوفهم وقلقهم، محققة بذلك نسب متابعة عالية لمحطات التلفزة ومواقع الإنترنت، فظهور عشرات المنجمين والمنجمات وعالمات وعلماء الأبراج العرب يصب في مصلحة أنظمة الحكم التافهة الفاسدة التي تجد في هؤلاء الدجالين والدجالات كنزاً حقيقياً يساعد الأنظمة على تنويم شعوبها وتضليلها عن حقيقة اللعبة الجهنمية التي تجري منذ سنوات في كل من سوريا ولبنان ومصر وغير بلد عربي على التوازي، إذ يتم عبر برامج وحفلات التنجيم والأبراج المتلفزة بث رسائل واردة من دوائر أمنية وسياسية ومالية موجهة للجمهور، أغلبها رسائل كاذبة بل جلّها، والغاية من تلك الرسائل إما بث الذعر والتشويش أو على العكس طمأنة الجمهور وتخديره، وفي كل الحالات تضليله، أو لجسّ نبض الشارع أو تهيئته لمصيبة يحضّر لها النظام الحاكم.

ولا يُعقل أن شعوباً بكاملها في الألف الثالثة للميلاد تؤمن بأقوال المنجمين، ولا يُعقل أن ملايين الجماهير العربية تنتظر ما يقوله المنجمون المتلفزون على أحر من الجمر، لكنها الحقيقة المرّة أن المنجمين والمنجمات هم أكثر شهرة من كل علماء العرب المعاصرين والقدماء، وأكثر شهرة من كل المناضلين العرب الأحياء والشهداء، وأكثر شهرة من الكتاب والرسامين والمفكرين والمخترعين حتى ممن نالوا جوائز نوبل كنجيب محفوظ وأحمد زويل.

وقد انضم إلى طابور المنجمين مؤخراً المنجم الزلزالي الهولندي -سابق الذكر- بدرجة سوبر ستار على مقياس ريختر، أطبقت شهرته الآفاق خلال زمن قياسي لا يتعدى الشهر.

وغيرةً مني وضيقة عين قررت أن أصبح منجماً سياسياً زلزالياً كوكبياً لعلّي أحظى بعُشر أعشار شهرة المنجم الهولندي والمنجمة اللبنانية والمتنبئة السورية، فأنا بعد ثلاثة عقود من الكتابة وبعد عقدين من النشر في المواقع والصحف لا أحد يعرفني سوى بعض الكتاب والصحفيين الزملاء وبعض القراء والقارئات الصبورين والصبورات، لذا فقد قررت وأنا بكامل قواي العقلية أن أترك الصحافة والسياسة لأمارس مهنة التنجيم بكافة أنواعه السياسي والزلزلي والكوكبي، وها أنذا أعلن أولى تنبؤاتي السياسية من على موقع "أورينت نت" وربي يسر:

حرب عالمية ثالثة في النصف الأول من هذا العام، احتمال شهر حزيران أو تموز.

دولة خليجية تهندس عودة بشار الأسد إلى الأحضان العربية الدافئة.

مرشح قوي للانتخابات التركية يخسر أمام مرشح هو الرئيس الحالي.

ارتفاع دراماتيكي لأسعار البصل في سوريا، سيتجاوز أسعار الموز والفريز والأناناس والقرصعنة.

عودة ترامب إلى حكم أمريكا بعد أحداث دراماتكية، وعودته توقف حرب أوكرانيا.

زلزال يضرب دولة عربية إفريقية على إثره يسقط نظام الحكم فيها.

سقوط طائرة تابعة لخطوط بيت مخلوف محملة بصفائح الجبصين المحشو بالكبتاغون في المحيط الأطلسي، ما يؤدي إلى موجة من الضحك بين عشائر الأسماك وقبائل الجمبري في قعر المحيط.

تظاهرة لمزارعي منطقة سورية بالشاحنات المحملة بالبرتقال تنتهي إلى رمي محتويات الشاحنات في الشوارع كما جرى أكثر من مرة خلال السنوات السابقة.

ممثلة سورية ترشح إلى أوسكار أفضل أداء وأجمل شفايف منفوخة.

هزة غير أرضية تصيب فنانة عربية مشاركة في حفل توزيع جوائز مهرجان سينمائي في عاصمة عربية.

اغتيال شخصية عربية ليست محبوبة بطريقة ليست غريبة.

توقع هطول الثلوج في فصل الصيف في بلد إفريقي.

إطلاق سراح معتقلين من سجن معروف، بطريقة غريبة في بلد عربي مجاور.

دولة عربية تحبط عملية تهريب ضخمة للكبتاغون داخل رؤوس البصل.

نيزك يمر على مسافة قريبة جداً من الأرض في النصف الثاني من هذا العام، تتصدى له وكالة ناسا بسلاح فتاك من نوع جديد.

زلزال يصيب هولندا، لا ضحايا باستثناء شخص اسمه فرانك هوغربيتس يعمل منجماً ومتنبىء زلازل.

نهاية حرب مشتعلة الآن في أوروبا باتفاقية سلام وتبويس شوارب.

عودة مليون سوري لاجىء في تركيا إلى مناطق الشمال السوري وشمال شرق سوريا.

رغم نهاية الحرب والانفراج السياسي النسبي، استمرار ارتفاع أسعار البصل في سوريا ودخول مشتقات جديدة إلى السوق، مثل بودرة البصل، كريمة البصل، ومعجون البصل، قادمةً من الصين .

الصين تعلن عن عملة جديدة للتداولات الدولية إلى جانب الدولار.

الدولار يتراجع أمام اليورو.

اليورو عملة رسمية لدولة إفريقية.

دولة إفريقية تصبح شرقية وغربية إثر زلزال فتاك يقصها بالنص.

وكما قرأتم أصدقائى فكتابة التنبؤات والتنجيم السياسي والفلكي والزلزالي هو أمر سهل جداً ولا يكلف أي شيء سوى ورقة وقلم ومنبر إعلامي، والنجاح مضمون بوجود جمهور يتلهف لسماع كل جديد ويصدق كل ما يسمعه، جمهور غسلت تفاهات وسائل التواصل دماغه تماماً، فيا لفرحة الأنظمة العربية ويا لفرحة أجهزة الأمن العربية التي بعد إتقانها لعبة التخدير والتخويف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لن يقلقها لسنوات احتجاجات جديّة على الجوع والفساد وتخريب الاقتصاد وتهريب الأموال، كأنما هي الآن في إجازة استجمام طويلة.