اللاجئ السوري في لبنان بين خيارين أحلاهما مرّ

اللاجئ السوري في لبنان بين خيارين أحلاهما مرّ

لعله ليس من المستغرب ما نراه اليوم في الساحة اللبنانية من تعامل عنصري تجاه اللاجئين السوريين، فما نراه اليوم هو عمل طبيعي جداً ينسجم تماماً مع أخلاق العصابة الحاكمة في لبنان.

ولعل المتابع للشأن السوري منذ اندلاع الثورة السورية يدرك حجم المتاجرة باللاجئين السوريين في دول الجوار وعلى رأسها لبنان، فقد كان هؤلاء اللاجئون بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً لهذه العصابة المتمثلة بحزب الله وحلفائه من تيار الرئيس السابق عون وصهره جبران باسيل، فما دامت الأمم المتحدة والغرب عموماً يغدق على هذه العصابة الدولة الأموال لرعاية اللاجئين، فلا مشكلة لديهم بوجودهم واستثمار مأساتهم، باعتبار أن ما يصل إلى اللاجئين السوريين من مساعدات لا يساوي أكثر من أذن البعير أو ذيله، والباقي يذهب إلى جيب العصابة.

ثم جاءت الحرب الروسية الظالمة على أوكرانيا لتغيّر المعادلة وتقلب الموازين في الساحة، فالأمم المتحدة والغرب عموماً انشغلوا بالحرب الروسية على أوكرانيا، فانصب اهتمامهم هناك وأهملوا المأساة السورية وصار دعمهم لللاجئين السوريين شبه معدوم، وبالتالي وجدت العصابة في لبنان نفسها فجأة أمام دجاجة عاقر لم تعد تبيض لا ذهباً ولا فضة، وعليه فإن حل هذه المشكلة يكمن في تحريك المياه الراكدة وإعادة الاهتمام بها من جديد عبر تحريك العنصرية الكامنة في نفوس بعض المرضى من الشعب اللبناني تجاه هؤلاء اللاجئين من جهة، ومن جهة أخرى تحرك حكومي مدعوم بقرار من القضاء اللبناني يقوم بتنفيذه الجيش اللبناني باقتحام مخيمات اللاجئين السوريين واعتقال من تقع أيديهم عليه خاصة الشباب وترحيلهم قسرياً وتسليمهم لنظام الأسد.

ولا أعتقد أنه يغيب عن ذهن القارئ للأحداث والمتابع لها أنّ الهدف من هذه الحركة العنصرية سيجلب أحد أمرين، فإما أن يعود الدعم كما كان من قبل، وعندها لا مشكلة لدى العصابة في لبنان من بقاء اللاجئين حتى لو استمر سنوات، ما دامت الدجاجة تبيض ذهباً، وإما الترحيل والخلاص منهم، وبالتالي القيام بخطوة من شأنها أن تعزز موقف حليفهم في دمشق نظام الأسد أمام المجتمع الدولي والعربي خاصة الذي يهرول باتجاه تطبيع علاقاته معه.

ولعلّه لا يغيب عن ذهن المتابع للشأن اللبناني أنّ السبب الحقيقي وراء الانهيار الاقتصادي في لبنان إنما سببه الرئيسي حكوماته الفاسدة التي تلقي بتبعات فسادها وفشلها على اللاجئين السوريين، فأصبح هؤلاء اللاجئون الشمّاعة التي تعلّق عليها هذه الحكومات تباعاً أسباب فشلها وعدم قدرتها على معالجة المشاكل التي تواجهها في إدارتها لشؤون الدولة اللبنانية، ولو افترضنا جدلاً أن القضية السورية تم حلّها بقدرة قادر، وعاد كل اللاجئين السوريين إلى ديارهم، لظهرت سوءة هذه الحكومة عياناً؛ ذلك أن الانهيار الاقتصادي سيستمر وستتفاقم المعضلات أمام هذه الحكومة، وسيظهر كذبها ودجلها واضحاً في تعليق أسباب فشلها على اللاجئين.

ولا شك أن المجرم الذي تحركه غرائزه وتدفعه إلى افتراس فريسته لا يضع في حساباته الجانب الأخلاقي مطلقاً، والأمر بالنسبة إليه لا يعدو كونه صفقة ستدر عليه ربحاً ما سواء كان مادياً أو معنوياً، ومن هنا يمكن تفسير عدم اللامبالاة لمصير من يتم تسليمه لنظام الأسد من اللاجئين، فلسان حال العصابة المجرمة في لبنان يقول فليذهبوا إلى الجحيم، المهم مصلحتنا وما يمكن أن نكسبه من الصفقة.

هنا وفي هذا السياق يقف اللاجئ السوري المسكين المطلوب لنظام الأسد أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما الترحيل والاعتقال في غياهب السجون والموت يومياً مئات المرات جراء ما يمكن أن يلاقيه من تعذيب وانتهاك لإنسانيته، وإما الموت انتحاراً بقرار شخصي.

ولعلنا من هنا يمكن أن نفسر ما أقدم عليه أمس الشاب أنس العلي اللاجئ السوري المنبجي الأصل من قرية أم جلال بالقرب من مدينة منبج السورية، فقد أقدم هذا الشاب على شنق نفسه مفضّلاً الموت على ترحيله وتسليمه لنظام الأسد، وبالتالي إلى مصير مجهول ومرعب لا يمكن تصوره وتخيّله.

إن مأساة أنس العلي وغيره مئات الآلاف من اللاجئين السوريين تكمن في عدم اللامبالاة التي يبديها المجتمع الدولي عموماً والعربي خصوصاً تجاه محنتهم منذ أكثر من عقد من الزمن، فهل عجز هذا العالم بقضّه وقضيضه عن فرض حل عادل للقضية السورية، وبالتالي إنهاء هذه المأساة بحيث يعود هؤلاء اللاجئون إلى ديارهم دون الخوف من المساءلة والتغييب القسري.

فإلى متى يمكن لهذا السوري المسكين أن ينتظر حتى يصحو ضمير العالم؟!

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات