حظيت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي نقاشاً فكرياً حاداً بين العلمانيين والقوميين والمتدينين في جميع أنحاء المنطقة، من مصر وسوريا والعراق وصولاً إلى باكستان وأفغانستان.
كانت المنطقة مُنفتحة للغاية في السبعينات والستينات على عكس ما أصبح عليه الوضع حالياً، تروي النساء في تلك الفترة عن طفل ورد بعد عدة بنات، طلب من أمه حليباً ثم طلب زيتاً نباتياً ثم ماءً وعسلاً، وطلب منها أن تخلط هذه المواد بصحن واحد ثم طلب منها أن تعيد هذه المواد إلى صحونها مثلما كانت فعجزت الأم عن ذلك والطفل صرخ وعربد.
كبر الطفل وصار شاباً ثم رجلاً وما زال الصحن الذي طلب من أمه أن تعدّه له هاجساً يريده أن يتحقق ...وقد ساقه القدر لأن يكون قريباً من أحد الحكام يجلس معه كل يوم، ويشرح له ما يدور فى العالم من أحداث، ولأن الحاكم وثق به، فقد جعله مستشاراً سياسياً له ومسؤولاً عن إبداء الرأي وتوجيه قرارات الحاكم السياسية .
ولأن حلمه منذ أن كان طفلاً لم يزل يراوده فأراد شيئاً مشابهاً أن يتحقق حين طلب من المتدينيين والقوميين والعلمانيين أن يختلطوا بصحن واحد ليصبحوا طعاماً شهياً للحاكم والآن المتدينون والقوميون والعلمانيون يدرسون مسألة الاختلاط.
المتدينون قتلوا العلمانيين في كابل ففي يناير/كانون الثاني لعام 2011 قُتل حاكم البنجاب "سلمان تيسير" علي يد حارسه الشخصي بسبب دفاعه عن امرأة مسيحية شابة اتُهمت بالكُفر.
حُكم على قاتل "تيسير" بالإعدام ولكن تم الاحتفاء به كبطل من قبل عشرات الآلاف الذين حضروا جنازته، فضلاً عن بناء مسجد باسمه في "إسلام أباد".
والعلمانيون قتلوا المتدينين في الشيشان في الحرب الشيشانية الأولى، والمعروفة أيضاً باسم الحرب في الشيشان، هي حرب دارت رحاها بين روسيا والشيشان بين ديسمبر 1994 وأغسطس 1996 منذ بداية الصراع، قامت القوات الروسية بقصف الأهداف المدنية بصورة مفرطة وعشوائية، ما أسفر عن وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين.
فقد ارتكبت القوات الروسية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم الحرب، في خضم حملتها العسكرية على الشيشان.. ورغم ما تقوله روسيا من أنها تشنّ حرباً ضد الإرهاب في الشيشان، فإن المدنيين الشيشان هم الذين عانوا أشد المعاناة من ويلات الهجمات الروسية في هذه الحرب.
والقوميون قتلوا العلمانيين في سوريا ومصر والسودان، فرج الله الحلو(1906-1959)، قائد شيوعي عربي بارز قام أحد المخبرين والخائنين بتبليغ السلطات عنه فتم القبض عليه ووُضع تحت التعذيب لكي يعترف بأسماء القيادات الموجودة واستشهد تحت التعذيب قبل أن يحصلوا منه على أي من المعلومات ومن ثم ذُوّب جسده بالأسيد.
عبد الخالق محجوب(1927 - 1971) وهاشم عطا( 1936 - 1971) قياديان بارزان في الحركة الشيوعية العربية والسودانية أعدمهما النميري.
فرج فوده ( 1945- 1992) كاتب مصري مهم ومفكر وصحفي ناشط فى حقوق الإنسان يطالب بالدولة المدنيّة والوحدة الوطنية للمصريين بغض النظر عن دينهم، قُتل بالرصاص بعد تحريض جبهة علماءالأزهر عليه واتهامه بالردّة وصدور فتوى بقتله فى التحقيق مع القاتل سأله المحقق: لماذا قتلت فرج فودة؟ فردّ المتهم:لأنه كافر، فسأله المحقق: أي كتاب قرأته من كتبه عرفت إنه كافر؟ فردّ القاتل: أنا لم أقرأ كتبه. فسأله: كيف؟
فرد: أنا لا أعرف القراءة والكتابة.
كيف يتحكم المثقف السياسي في إدارة ورأي الشعوب المتخلّفة التي يتحكم العالم في مقدراتها
يقول ألبرت أينشتاين
"الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفه.”
أين الدروس المستفادة من الماضي عندما تريدون حل المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجدتها، فالجنون وربما الخيانة أن تفعلوا نفس الشيء مرة أخرى وتتوقعون نتائج مختلفة، أما إذا استطعنا أن نشاهد هذا الدرس السيئ أو هذه التجربة الفاشلة أكثر من مرة، فنحن نستحق أن يحكمنا الأغبياء.
إن أسباب الفشل المتكرر للمبادرات السياسية المتعلقة بسوريا لم تزل قائمة:
١- صعوبة الصراع وتعقيده في سوريا
٢- كثرة اللاعبين الخارجيين المؤثرين فيه
٣- ارتهان القوى المعارِضة المتصدّرة للمشهد السياسي للقوى الإقليمية والدولية، وخضوعها لأجنداتها،
هذه الأسباب وغيرها، اتضح أنها لا يمكن تغييرها ولا يمكن إحداث فرق بالنتائج مهما زاد التنوع في خلفيات المشاركين فستأتي بلون محددٍ سلفاً لتصطدم ثانياً وثالثاً وعاشراً برؤية الآخرين وأسباب الفشل ذاتها.
يا شرفاء سوريا اتحدوا
المطلوب من السوريين اليوم …قبل أي أفكار عن المستقبل؛ التفكير كيف يمكن أن نخرج من الكارثه السورية كيف يمكن أن نكون مع السوريين الآن..وعندما ننجح يمكن مناقشة سوريا الغد مع كل السوريين
السوريون الآن هم بلا فراش وبلا غطاء وبلا غذاء، كيف يمكن أن نكون مع حرمانهم، حرمانهم من لقمة الخبز ومن إسطوانة الغاز ومن سطل الماء العذب ومن الكهرباء والتدفئة والوقود، والمياه والصرف الصحي مع السوريين في اكتظاظهم في السجون وفي الوقوف بالدور مع شتائمهم وصراخهم.
يجب أن تكون مع سوريا الآن وليس مع سوريا الأمس وليس مع سوريا الغد، مع سوريا اليوم سواء كنت فينيقياً أو كردياً أو سومرياً أو آرامياً أو كلدانياً أو سريانياً أو عربياً، مع السوريين اليوم ولكن مع الشرفاء منهم فقط الذين لم يلوَّث طعامهم بالمال السياسي وليس لهم درب إلى المصارف لتخزين الإتاوات وتخزين الرواتب والحوالات.
عندما يبتسم الجنرال للمعارضة التي تضحك على الجماهير
نجح نظام الأسد مع المجتمع العربي والدولي في إيصال رسالة هامة للسوريين في الداخل وفي الخارج ...شاهدوا وضاعة معارضتكم التي قادت مسار ثورتكم إلى طلب الدول العربية كل على حدة مع تركيا، لعودة العلاقات مع نظام الأسد كما كانت في 2011 وأحسن, لكن النظام رفض الطلب وقال لهم ساعدوني سياسياً وعمرانياً وإعلامياً وادفعوا لي التعويضات على الخسائر في الأبنية والأرواح خلال السنوات الماضية وإرجاع سوريا لما كانت عليه قبل 2011 وأنا أقبل بعرضكم، كما اشترط النظام من تلك الدول أيضاً أن تتكفل بإدماج اللاجئين السوريين العائدين بدورات تأهيلية من أجل تمكينهم من العودة لحضن الوطن.
اجتمعت المعارضة السورية التي لا تحتاج إلى أدوات تأهيل للعودة للوطن لتدرس هذا الحدث وقررت إصدار وثيقة تتضمن شكل الحكم في سوريا المستقبل.
الطريق إلى سوريا الغد
لإنشاء الطريق يلزم جرف الأتربة أولاً بأيادي السوريين لا بواسطة آلات حفر مستأجرة، ثم غربلتها من الحجارة الكبيرة ثم رصّ الحجارة جيداً لزيادة قوة التماسك، ليكون الطريق قادراً على استيعاب وتحمّل المركبات الكبيرة والصغيرة التي تمر عليه.
وقبل البدء بإنشاء الطرق يجب استملاك الأرض التي ستمرّ منها أولاً، وهذه مصيبتنا في النخب السياسية والثقافية.
وكما قال الراحل ميشيل كيلو: " زملائي في المعارضة قطفوا ثمار الثورة قبل أن تنضج"… وراحوا يلقوا بها على رؤوس المارة وهم ويقفزون ضاحكين مصفقين من غصن إلى غصن.
التعليقات (36)