التعافي الاقتصادي المبكر والتنمية

التعافي الاقتصادي المبكر والتنمية

أحدث النزاع الدائر في سوريا منذ2011، جملة من التحديات التي ترتسم ملامحها مع استمرار فشل الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، وهي التحديات والصعوبات المرتبطة بعملية التعافي الاقتصادي المبكر والتنمية والتي ظهرت بوادرها في مناطق النفوذ المنتشرة في البلاد، من حيث القوة والاحتياجات والموارد والإمكانيات التي تحوزها. خاصة أن المشهد السياسي الحالي يشرح تأرجح مناطق النفوذ؛ نتيجة التهديدات المستمرة سواء من قبل تركيا على شمال شرق سوريا، أو روسيا على شماله الغربي، أو المصير المجهول لباقي المناطق في سوريا، خاصة أن تعثر العملية السياسية يقود لتفاوت حجم سيطرة سياسات الفواعل الاقليميين والدوليين والمحليين بها، وغالباً ما تصل الحوارات والمفاوضات السياسية حول مستقبل سوريا إلى طريق مسدود؛ نتيجة وضع اللاجئين والاقتصاديات الجديدة والمعيشة في سوريا، وكلها حلقات مرتبطة ببعضها البعض. ومع غياب مشاريع التعافي المبكر في تلك المناطق، وصعود الاقتصاديات الناشئة الخارجة عن سلطة الأمر الواقع بدمشق والميزانية العامة، والتي دخلت أسواق الإنتاج وحركة المعابر وتجارة النفط الخام، وحركة الاستيراد والتصدير وغيرها، لكنها لم تأت بالنفع المالي والاقتصادي لا على الاقتصاد السوري، ولا الاقتصاديات المحلية، ولم تساهم في تخفيض نسبة البطالة والفقر، إنما دخلت بأغلبيتها في خدمة هياكل السلطة والفصائل المسلحة، والمتحكمين بها، لكن دون نتيجة مأمولة للقواعد الاجتماعية. خاصة مع استمرار التدهور السريع والمريب للعملة السورية أمام العملات الأجنبية.

 ولأن البنية العامة ما تزال قلقة سياسياً وعسكرياً، وعادة ما تتطلب المشاريع العديد من الإجابات عن أسئلة قدرات هؤلاء الفواعل والواقع الذي تعيشه هذه المناطق، والسياق المرتبط بعملية التعافي الاقتصادي داخلها على ضبط إيقاع العملية السياسية، لذلك لابد من فهم ديناميكية هذه المشاريع وبوصلتها ومرجعيتها السياسية ومتطلباتها وتحدياتها لتصبح المشاريع دافعة باتجاه تكوين بنية مستقرة، ومع تعريف النمو الاقتصادي الذي يقول بأنه ارتفاع في نسبة إنتاج السلع والخدمات الاقتصادية خلال فترة زمنية معينة، بالمقارنة مع فترات زمنية أخرى، ودور عوامل أخرى في تعزيز النمو الاقتصادي مثل السلع الرأسمالية، والأيادي العاملة، والتكنولوجيا، فإن قضية التعافي المبكر تحمل أهمية قصوى لمرحلة ما بعد النزاع في سوريا، وحتّى في راهن الايام؛ كونها الممهد لأي عملية اقتصادية مقبلة، وهي من القضايا القديمة والمتجددة في دول ما بعد النزاع، والتي تمس صُلب وجوهر حياة المجتمعات المحلية في سوريا راهناً ومستقبلاً، ومشاريع الإصلاح ودور البعد السياسي والاجتماعي في تسييرها صوب المرحلة المطلوبة.

كما تأتي أهمية التعافي المبكر كونها المرحلة التي يفترض بها أنها تنقل البلاد من النزاع إلى السلم والاستقرار وتهيئة الارضية اللازمة لعملية إعادة الإعمار اللاحقة، ولهذه المرحلة بعد سياسي وشق اجتماعي يماثل من حيث الأهمية الشق الاقتصادي، حيث يعمل البعد السياسي العمل على وقف العنف في كافة أنحاء البلاد وإقامة مؤسسات الحكم الجديد، والتركيز على أنجاز الحل السياسي وهو مولد الاستقرار. ويشمل الشق الاجتماعي أعمال الإغاثة واستيعاب اللاجئين وتوفير السكن لهم وإجراء المصالحات الوطنية بعد تهيئة البينة الأمنة المناسبة، ويشمل الشق الاقتصادي ترميم المرافق العامة الاساسية وتحريك عجلة الاقتصاد، وإعادة التوازن للإطار الاقتصادي الكلي، وتفكيك مؤسسات اقتصاديات النزاع في المناطق التي كانت خارج سيطرة  سلطة الأمر الواقع كما ضمن سيطرتها، وتتداخل الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير وتعتمد النجاحات في أي منها على النجاح في النشاطات الأخرى[1]. 

ويشكل التعافي الاقتصادي المبكر أساس أي مجتمع صحي، ولكننا نسأل هل ينفصل هذا التعافي من إرادات السياق السياسي-العسكري الراهن، وتلمس تموضع التعافي المبكر فيه، حيث الربط بين منهجية التعافي مع مولدات الاستقرار والتماسك الاجتماعي وفقاً لثلاث مستويات، أولها: التعافي الاقتصادي سيتطور ويكون ممكناً مع انتهاء موجات الفعل العسكري في ظل تعقيد المقاربات الأمنية واحتمالية تطورها، إما لحالة مستقرة مزمنة تتحول فيها الحدود الأمنية لحدود سياسية، وما يستلزم من تغيرات في هيكلية النظام السياسي، أو لحالة اشتباك نوعي جراء الصدامات المتوقعة بفعل هذه المقاربة المتضاربة. ثانيها: مرتبط بالبوصلة السياسية لحركة التعافي المبكر، وتلمس مؤشرات التطبيع والتكيف مع المعادلة العسكرية-السياسية السائدة، وتالياً اعتبار هذا التعافي خطوة باتجاه حلحلة تحديات الحكومة السورية، أو حصول الكثير من الإجراءات المتعلقة بالبيئة الآمنة والهياكل الإدارية القادرة على توليد وتقديم الخدمات وفق أطر حوكمية رشيدة. وثالثها: ماهي معوقات التعافي وشروطه السياسية التي ترتبط ارتباطاً عضوياً بثلاثية الأمن، الاستجابة المحلية، الأطر الحوكمية الرشيدة. وربط سياسات الدعم بالحل السياسي وبجملة تغييرات في هيكلية في الدولة.

لا شك تحتاج سوريا إلى مقاربة مبتكرة جديدة وخاصة للتعافي الاقتصادي المبكر، يأخذ بحسابه التعقيد السياسي ودرجة الإلحاح لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خاصة أن التعافي الاقتصادي المستدام والاستقرار في سوريا يعتمدان على الوصول إلى حل سياسي عادل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات