نسرين طفلة تعيش المأساة مع مرض "قاتل" يهدد حياة 1500 مصاب شمال سوريا

نسرين طفلة تعيش المأساة مع مرض "قاتل" يهدد حياة 1500 مصاب شمال سوريا

ورثت "نسرين العلي" ذات الربيع السادس، بشرتها البيضاء واللون الأزرق لعينيها من أبيها "سليم"، ولكن ليس هذا الشيء الوحيد الذي ورثته عن أبيها العامل في شركة الكهرباء التركية "Green Energy" في مدينة الأتارب غرب حلب (30 كم)، فهي ورثت عنه مرض "التلاسيميا" وهو مرض في الدم يُسبب انخفاض عدد كريات الدم الحمراء المسؤولة عن حمل الأكسجين في الجسم عن المعدل الطبيعي لها.

يُكابر سليم عن معاناته مع ابنته التي ورّث لها المرض منذ نعومة أظفارها في الشهور الأولى من عمرها، عندما أُغمي عليها وأصبحت كـ"قطعة قماش" لاحول لها ولا قوّة، في مطلع حزيران من عام 2017، عندما كان يبلغ عمرها ستة أشهر، لينقلها في ذاك الوقت إلى مشفى "سامز" في الأتارب، ليؤكدوا أن خضابها قد انخفض إلى مستوى حاد وأنها بحاجة إلى غذاء فوري.

يُكمل سليم (38 عاماً) حديثه لـ"أورينت نت" أن طفلته أغمي عليها مرةً أخرى بعد مضي شهر، ليُعاد الكلام ذاته من قبل الأطباء، وبدورهم طلبوا مني إجراء بعض التحاليل لتكون النتيجة أنها مصابة بـ"التلاسيميا" - وهو مرض أسمعه لأول مرة (وفق قوله)، كما طلبوا مني إجراء تحاليل لعائلتي بشكل كامل (زوجتي – وابني محمد 5 سنوات)، لتكون نتيجتي إيجابية وأكون الناقل الأساسي لمرض ابنتي "نسرين".

يُطرق سليم رأسه ويقول: "في تلك الأثناء أكّد لي الطبيب أن ابنتك بحاجة إلى جرعة شهرياً بالدم، لتعويض مسببات هذا المرض على الكريات الحمراء".

ويقتصر علاج "التلاسيميا" في شمال سوريا، بنقل الدم للجسم كل 15 يوماً إلى 30 يوماً، ويستغرق الأمر ساعات عدّة، ويشعر المريض في ذلك الإجراء بألمٍ شديد، وفي بعض الحالات وأكثرها خطورةً، يلجأ الطبيب إلى عملية زراعة خلايا الدم الجذعية.

مرض مكلف جداً

واسترسل والد "نسرين" قائلاً: "كان الموقف صعباً للغاية، عندما حاول الممرضون البحث عن وريد في يد نسرين الصغيرة لينقلوا لها الدم، كاد أن يغمى علي، لقد شعرت بكامل الذنب بأني المُسبب الأول باعتباري الناقل لهذا المرض"، ولكن قدّر الله وما شاء فعل، وإلى اليوم أقوم بنقلها شهرياً إلى "بنك الدم" في المدينة لتزويدها بالجرعة الشهرية، مضيفاً: "هذا المرض ليس له علاج إلا عن طريق عملية زرع خلايا الدم الجذعية، وهذا الإجراء مكلف جداً ويحتاج إلى منظمة ترعى هذا الشأن".

وتتوزع في شمال سوريا خمسة بنوك للدم وهي "الأتارب – عفرين – جرابلس – إعزاز – مدينة إدلب"، وتعمل جميعها على تغطية احتياجات المنشآت الطبية المحلية وعلى سد النقص عند الطوارئ في المناطق المجاورة، لاستكمال خدمات لا تلبيها المشافي.

ويؤكد مدير بنك الدم في الأتارب "مأمون الشون" لـ"أورينت نت" أن المركز يستقبل شهرياً قرابة 100 مريض من "التلاسيميا، وأنهم يقدّمون للمرضى حبوب فيروبروكس والديس فرال (فيال)، بالإضافة إلى عملية نقل الدم، إذ يحتاج كل حامل لهذا المرض ما يقارب 1200 وحدة دم شهرياً.

ويشير إلى أنه منذ قرابة الشهرين فقدَ المركز هذه الأدوية، بسبب توقف الدعم عن البنك، ما سبب عائقاً أمام حاملي هذا المرض لغلاء ثمن الدواء- إن توفر في الصيدليات- والذي قد يبلغ سعره قرابة 50 دولارا أمريكياً، حيث يحتاج المريض شهرياً إلى علبة كاملة من كل نوع، بحسب الشون.

وأتم قائلاً: "لا يمكن لأي مريض الاستغناء عن هذه الأدوية، فانقطاعها أو عدم تناولها بانتظام يُسبب تراكم كميات كبيرة من الحديد، والذي سينعكس مباشرةً على أعضاء الجسم كـ"الدماغ والكلى والقلب والكبد..".

ومع غياب الدعم المقدم لبنك الدم في الأتارب وحرمان المرضى من الأدوية، أصبح يواجه المصابين بـ"التلاسيميا" خطر الموت لعدم توفير الأدوية وارتفاع ثمنها في الصيدليات، في وقت يُعاني الشمال السوري من تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة وغلاء الأسعار".

1500 مصاب

ولا توجد إحصائية دقيقة لمرضى التلاسيميا في الشمال السوري المحرر، لكن يُقدّر العدد بـ1500 مصاب وفقاً لـ"الشون"، كما تنتشر عيادات مخصّصة للمرضى وتتوزع في خمسة مراكز وهي "جرابلس، جنديرس، مدينة إدلب، كللي، ودركوش"، وتكون مدعومة من منظمات طبية عدّة أبرزها "وقف الإغاثة الإسلامية، وUSSOMA"، وجميعها تزوّد المرضى بالأدوية وبوحدات الدم.

يقول الطبيب "نوار السباعي" وهو طبيب يعمل مع مؤسسة "شام" الإنسانية في إدلب: "إن الأدوية المخصّصة لمرضى 'التلاسيميا" عادةً لا تتوفر في الصيدليات لغلاء سعرها، كحال اللقاحات التي ترعى مهمتها منظمات عالمية، لغلاء سعرها، وأن العلاج المؤكد لهذا المرض هو زرع "نقي العظم" في إحدى الدول المجاورة والتي قد تصل تكلفة العملية قرابة 9 آلاف دولار أو ما يزيد عن ذلك".

وأضاف: "إن مريض التلاسيميا يأخذ هذا الدواء بعد مضي عام أو عامين من نقل الدم الشهري له، حيث يصبح جسمه أكثر عرضةً لترسب الحديد بشكل عام، وهنا نبدأ بصرف الأدوية لسحب الحديد".

ويخوض ذوي بعض المصابين شهرياً رحلة مليئة بالمصاعب في التوجه إلى المراكز المدعومة بالأدوية ومنهم لا تسمح لهم الفرصة بالتوجه إلى أقرب مركز لهم بسبب سوء حالتهم المعيشية.

تؤكد "فاطمة العلي" وهي نازحة من مدينة "طيبة الإمام" بريف حماة الشمالي، وتسكن في خيمة قماشية في مخيمات "أطمة" قرب الحدود السورية – التركية، أنها لم تستطيع تأمين الدواء لابنتها طريحة الفراش "أحلام" (4 سنوات) ذات الوجه الشاحب منذ قرابة الشهرين، بسبب المسافة البعيدة لبلدة "جنديرس" التي تبعد عنها قرابة "30 كم"، وتدفع 150 ليرة تركية "ذهاباً وإياباً".

وتناشد السيدة "فاطمة" (44 عاماً) والتي فقدت زوجها في مطلع عام 2021، إثر حادث سير على طريق إدلب - باب الهوى، من سوء حالة ابنتها الصحية، التي بدت تعاني من ألم في كافة جسمها وتلوّن بشرتها وجفافها، وتطالب بإيجاد حلٍ أو تدخل سريع.

يرى الطبيب "عبد الكريم الياسين" العامل في مشفى دارة عزة غرب حلب، أن غياب التنظيم الدوائي لمرض التلاسيميا يسفر عن تلوّن جلد المريض باللون البرونزي المائل للسواد وتمدد في عظام الوجه وتغيرات في العمود الفقري، بسبب تراكم الحديد في جسد المريض، ما يعطي سحنة خاصة لهؤلاء المرضى".

ومع تفاقم حاﻻت الفقر والتدهور المعيشي، الذي تزامن مع غياب إحصائيات ﻷعداد المصابين بمرض "التلاسيميا"، فإن ناقوس الخطر يدق أجراسه في المناطق المحررة، وسط مطالبات ملحة على ضرورة "الوقاية" قبل كل شيء خاصةً بالنسبة للمقبلين على الزواج، وعلى عاتق الجهات الرسمية التي تدير المنطقة، مسؤولية كبيرة في معالجة الموضوع.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات