الفتوحات الثقافية السبعة للثورة السورية

الفتوحات الثقافية السبعة للثورة السورية

يأبى معين الثورة السورية أن ينضب، فرغم كل الكوارث التي مُنِيت بها هذه الثورة اليتيمة، ومُنِي بها مفجّرها ومشعل شعلتها الشعب السوري العظيم، إلا أنها ما زالت تعطي الدروس للأجيال ليستلهموا معانيها العظيمة، وكأن قدر هذه الثورة أن تبقى شعلتها متقدة لا تنطفئ، وإن خبا نورها في جانب، شعّ في جانبٍ آخر.

ولعله لا يغيب عن ذهن القارئ الكريم المطبّات التي تم وضعها في طريق هذه الثورة، حتى خُيّل للبعض المتشائم كثيراً أنها فشلت وانتهت، وللبعض الآخر الأقل تشاؤماً والذي مازال هناك في قلبه قبسة أمل، أنها رغم كل ما حصل لم تمت وستنهض من تعثّرها وستنتصر بإذن الله.

فعلى المستويين السياسي والعسكري ولأسباب داخلية ( متمثلة بمن تصدروا المشهد سياسيين وعسكريين فاشلين رهنوا قرارهم للداعم يأتمرون بأمره دون وضع مصلحة الوطن السوري والشعب السوري والثورة السورية في الحسبان)، وخارجية ( متمثلة بصراع القوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية التي جعلوا منها ساحة لتصفيات حساباتهم وتنفيذ مصالحهم دون النظر إلى مصلحة من يدفع ثمن غرورهم وجبروتهم)، ونتيجة لذلك يمكن القول بأن الثورة متعثرة، وقد وصلت في تعثّرها إلى مرحلة صعبةٍ، حكم عليها البعض من خلال ذلك أنها انتهت، وعلى الدنيا السلام.

لكن رغم كل هذا البؤس وهذا الظلام المحيط بهذه الثورة، نجد أنها في الجانب الثقافي قد أحرزت فتوحات عظيمة لا ينكرها إلا جاحد أو لئيم متحامل.

فالثورة السورية – في سياق ثورات الربيع العربي – جسدت مفصلاً حاسماً في حياة السوريين، فصحيح أن الثورة فشلت في جوانب سياسية وعسكرية كثيرة حتى الآن، وكما سبق بيانه، أي إنها لم تنجز ما كان يريده جمهورها، فما زال الأسد متسلطاً رغم فداحة التضحيات السورية، بل وهناك من يعمل من المنظومة العربية على إعادة تأهيله ومسح ماضيه وغسل يديه الملطختين بمئات الآلاف من الضحايا من الشعب السوري.

  لكن هذه الإخفاقات السياسية والعسكرية يقابلها كما ذكرنا آنفاً منجز ثقافي كبير، بل يمكن التأكيد على أن الثورة السورية قد جسدت كشفاً ثقافياً بالغ الأثر في وعي السوريين، وذلك من خلال المحاور التالية:

1 – الوعي

فما مرَّ به الشعب السوري في سنيّ محنته وثورته يمثّل دروساً بالغة الأهمية، وستكون هذه الدروس البوصلة التي من خلالها يستطيع السوري الحر في المستقبل أن يحدد الطريق التي يجب أن يمشي عليها للوصول إلى مبتغاه، فلقد أوجدت الثورة وعياً جديداً لدى السوريين، وبفضل هذا الوعي أصبح السوري مدركاً لحقوقه ومتمسكاً بها، بل ربما من تجليات هذا الوعي هو إدراك السوري لحقوق الإنسان، كحرية الاعتقاد والتعبير والتنقل وحق الملكية والتعليم والاختيار وكثير من الحريات والحقوق الشخصية التي كانت غائبة أو مغيبة.

2 – رفض الاستبداد وسياسة القمع:

إن الدروس المستقاة من تجربة الثورة السورية عبر أكثر من عقد من الزمن، جعلت السوري قويّاً شجاعاً كسر جدار الخوف، وتذوّق طعم الحرية والكرامة، فلم يعد يتخيّل ولو تخيّلاً العودة إلى سلطة الاستبداد والقمع، ويظهر ذلك جليّاً من خلال إصرار السوريين على عدم العودة إلى ما قبل 2011 ما يعني رفضهم لسلطة القمع والاستبداد والحكم الفردي وتوريث السلطة.

3 – مفهوم الدولة الحديثة:

لم يكن غائباً عن فكر السوريين الأحرار عندما خرجوا في ثورتهم ضد نظام الأسد، أنهم خرجوا وثاروا من أجل الحرية والكرامة والعدالة التي حُرِموا منها على مدى عقود من حكم آل الأسد، وأن هذا الخروج لا بد أن يؤدي في النهاية إلى بناء دولة حديثة يحكمها القانون، مثلها مثل كل دول العالم المتحضر، ولقد كانت هجرة السوريين إلى دول اللجوء واطلاعهم على تجارب تلك الدول، معززاً كبيراً لهذا الهدف الذي سعوا إليه ودفعوا في سبيله الغالي والنفيس، وما حديث السوريين عن مفهوم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد هذه التجربة المريرة من سنيّ الثورة، إلا تجسيد لاستيعابهم لمفهوم الدولة الحديثة وتطلعهم نحو التغيير.

4 – تمسّك السوري بإنسانيّته:

ولعلّ إحساس السوريين بعمق مأساتهم، قد جاء في غالبه نتيجة لاطلاعهم على تجارب الدول الأخرى بعد هجرتهم إليها نتيجة حرب الأسد عليهم، ولعل هذا الإحساس قد ولّد لديهم الشعور بإنسانيّتهم، فهم بشر مثل كل البشر، فلماذا لا يتمتعون بالحقوق الإنسانية نفسها التي يتمتع بها كل سكان العالم الحر، فكان تمسك الإنسان السوري بحقوقه وإصراره على التغيير، هو تمسك بإنسانيته وإدراكه بأن السوريين ليسوا في غابة منعزلة عن العالم هي دولة الأسد، بل هم جزء من المجتمع الإنساني العام ولهم الحقوق ذاتها التي يتمتع بها غيرهم في الدول المتحضرة.

5 – زيف الخطاب الأيديولوجي:

لقد استطاع نظام الأسد عبر عقود من الزمن تخدير غالبية السوريين بخطابه الإيديولوجي  حول المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين وكل الأراضي المحتلة، مستخدماً كل أساليب النصب والاحتيال على عقول ومشاعر الناس، ليوهمهم أنهم في مواجهة عدو غاشم إن غفلوا عنه لحظة، فسوف يلتهمهم، فجيّر كل مقدرات البلد لخدمة البندقية وحاملها، فجاءت الثورة السورية لتكشف زيف هذا الخطاب وتعرّيه بعد أن ظهر للعيان أن هذا السلاح لم يكن لتحرير فلسطين، بل لقمع الشعب وقتله وتهجيره في حال فكر بالخروج على السلطة وتحديها، وقد أثبتت الثورة أن العائق الحقيقي لتحرر الإنسان هو العبودية التي تمارسها سلطات التوحّش قبل الحديث عن الصهيونية ومخططاتها.

6 – السقوط الأخلاقي لسلطة الأسد:

لقد أدرك السوريون بعد تجربتهم المريرة التي خاضوها في مواجهة نظام الأسد، أنهم أمام نظام لا يمت للأخلاق الإنسانية بصلة، فقد رأوا بأمّ أعينهم كيف أن هذا النظام ارتكب كل موبقات الدنيا، وتفنن في ذلك تفنناً، ضارباً عرض الحائط كل المشاعر الإنسانية التي يتمتع بها البشر، مجسّداً بهذا حالة التوحّش المفرط التي اتصف بها، فسقط شرعياً أخلاقياّ في وعي السوريين، وإن لم يسقط عسكرياً.

7- كشف المحتوى الظلامي لقوى التطرف الإرهاب: 

المجتمع السوري مجتمع مسلم بسيط، تأخذه العاطفة الدينية بعيداً، مثله مثل المجتمعات الإسلامية الأخرى، وقد كان لخطاب القاعدة الديني حول مفهوم الجهاد ضد قوى الظلام العالمية، تأثير بالغ على المسلمين عموماً، فتعاطف المسلمون مع هذا الخطاب وحامليه في مشارق الأرض ومغاربها في أول ظهوره في أفغانستان في مقاومة الاحتلال السوفيتي لهذا البلد، ثم في مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق، لكن لم يلبث هذا الخطاب كثيراً حتى سقط في تجربة الثورة السورية، فقد كان لثورة السوريين الريادة في كشف المحتوى الظلامي لهذه القوى، عندما تحوّلت من قوة لنصرة المظلومين في مواجهة الظالمين كما كانت تروّج إلى خنجر في خاصرة المستضعفين، فأظهرت هذه الثورة أن هؤلاء بعلمهم أو بجهلهم، لم يكونوا سوى أدوات تحركها المخابرات العالمية حسب مصالح دولها.

ولعلنا أخيراً نستطيع القول بأن هذه الفتوحات الثقافية للثورة السورية، ربما ستكون بوابة أمل في مستقبل مشرق للشعب والدولة السورية، بعد الخيبة التي مُنِيت بها الثورة على المستوى السياسي والعسكري، وأن هذه الفتوحات ستقود دفة التغيير يوماً، للوصول إلى ما طمح به السوريون في ثورتهم، وإن بعد حين.

التعليقات (2)

    Namroud

    ·منذ 9 أشهر 3 أسابيع
    لا ولووووو شو عم تلخبص مبين عميت عن عمايل رفاقك المرتزقه في الجيش الكر في السلب والنهب والقتل والاختطاف والارهاب...؟؟؟ لك الناس صاروا يتمنوا ان يحكمهم بشار اسد الخنزير لالف سنه منشان عمايلكم جاي تحكيلنا قصص وحكايات؟؟؟ لك روح انت والدواعش والاخونجيه تكاتفتم مع المجرم بشارون لتصفيه الثوره وجاي تجعر بكلمات مخربطه... قال سقوط اخلاقي ... لك انتم سقطتم اخلاقيا اكثر من المجرم البغثي, لانكم اسوء منه

    نمرو د الشبيح

    ·منذ 9 أشهر 3 أسابيع
    انت اكيد جماعة قسد جماعة الاخير العرقي وطرد العرب من الجزيرة السورية وخطف الاطفال وتجنيدهم لحمل السلاح .. خافوا الله يا نمرود .. يمكن مفكرين اذا امريكا تدعمكم رح تفلتو من عقاب الله
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات