ألقت صحيفة إيكونوميست الضوء على تنازلات دينية يقدّمها بشار الأسد لاسترضاء الهندوس واليهود والمسيحيين من أجل مساعدته في فك عزلته الدولية.
وفيما يلي نص التقرير الذي ترجمته أورينت نت:
في الغابات والملاعب وفي جميع أنحاء سوريا، يمارس الأطفال والبالغون تمارين اليوغا الروتينية، يفتحون راحاتهم ويرفعون أذرعهم ويهتفون "سوريا ناماسكار".
تبدو العبارة باللغة العربية كتعويذة من أجل سوريا، لكنها في الواقع تعني "تحية الشمس" باللغة السنسكريتية، بينما يلقي المدربون الذين يرتدون ملابس الرهبان الهندوس خطباً عن تعاليم شيفا، وهو إله هندي قيل إنه أسس هذه الممارسة.
تعمل الآن عشرات من مراكز التأمل مجاناً في جميع أنحاء البلاد، مفتاح نجاحهم هو أن الرئيس بشار الأسد يدعمهم، "نحن نقدم الراحة من ضغوط الحروب الحقيقية والاقتصادية"، يقول مازن عيسى الذي ذهب قبل عقدين من الزمان، إلى ريشيكيش، في سفوح جبال الهيمالايا وعاد لفتح مدرسة لممارسة اليوغا في سوريا.
لأكثر من نصف قرن، تحالفت سلالة الأسد وطائفتها العلوية التابعة للمذهب الشيعي، مع الأقليات الدينية التي لا تُعد ولا تحصى في سوريا من أجل تعزيز هيمنة النظام على الأغلبية السنّية في البلاد.
لكنه في الآونة الأخيرة مكّن طوائف أخرى من نشر جذورها، بالإضافة إلى تشجيع اليوغا، فقد سمح للمسيحيين الإنجيليين بفتح الكنائس في المنازل لتمكين الذين تحوّلوا عن الإسلام من أن يتعبدوا، بل إنه شجّع اليهود من أصل سوري على زيارة العاصمة دمشق، ويأمل أن يؤدي هذا التدفق الديني إلى توسيع قاعدة الأقلية في النظام وإنهاء وضعه كمنبوذ في جميع أنحاء العالم.
أيمن عبد النور، صحفي سوري مسيحي وصديق سابق لبشار الأسد يعلّق على ذلك بالقول إنه "برنامجه للتطبيع"، في إشارة لمساعي بشار الأسد في فك العزلة الدولية المفروضة عليه.
بالنسبة للعديد من السوريين، تقدّم الأديان الجديدة إغاثة مجتمعية في بلد دمّرته حرب يُعتقد أنها أسفرت عن مقتل أكثر من 350.000 شخص ونزوح ولجوء ما يقرب من نصف السكان الذين يزيد عددهم عن 22 مليون نسمة في عام 2012 فيما يعاني 90٪ ممن لا يزالون في البلاد من الفقر، ولا يزال المجتمع المدني والتجمعات السياسية مكبوتة.
يقول المركز السوري لليوغا والتأمل، ومقره مدينة اللاذقية الساحلية، إن مراكز اليوغا تضاعفت أكثر من أربع مرات منذ بدء الحرب في عام 2011، إذ توفر وزارة الرياضة لهم ملاعب كرة قدم لممارسة اليوغا.
وفيما انخفض عدد المسيحيين المنتمين إلى طوائف عريقة في سوريا من نحو 2.5 مليون قبل الحرب إلى نحو 500 ألف اليوم، وفقاً لوفد مسيحي زار دمشق مؤخراً، لكن يقال إن كنائس منزلية إنجيلية جديدة تفتح كل شهر، ولا سيما في الشمال الشرقي الذي يحكمه الأكراد.
ويُلاحَظ وجود توجّه مماثل بين اللاجئين السوريين، إذ تَعقد الجمعية الدولية للقيم الإنسانية، وهي مؤسسة خيرية مقرها المملكة المتحدة، دروساً في اليوغا في الزعتري، وهو مخيم للسوريين في الأردن، وتنتشر الكنائس الإنجيلية في لبنان. وفيما اعتاد القادة المسلمون السوريون على انتقاد الاختلافات الأصغر باعتبارها ارتداداً، لكنهم يعتقدون الآن أنه من الحكمة لجم ألسنتهم.
على الرغم من أن الأجهزة الأمنية لا تزال تسيطر بشدة على الدولة، إلا أن بشار الأسد يبارك هذه التعددية الدينية، ويرسل مسؤوليه للاحتفال باليوم العالمي لليوغا، كما افتتح كلية كاثوليكية في دمشق عام 2021، وفي بعض الأحيان يذهب هو وزوجته إلى الكنيسة.
يقول الأسقف دانيال، وهو مطران أسترالي التقى مؤخراً بشار الأسد في دمشق: "لقد أظهر لنا روح المحبة لجميع الأديان وقال إنه يريد إعادة بناء الكنيسة في الشرق الأوسط".
حتى إن الرئيس أرسل مسؤوليه للقاء يهود من أصل سوري في أمريكا طالباً مساعدتهم في إعادة بناء المعابد اليهودية في حلب، وهي مدينة في شمال سوريا. أرسل تعازيه في عام 2021 بعد وفاة أبراهام حمرا، الحاخام الأكبر السابق لسوريا في إسرائيل، يقول مبعوث بين أسد واليهود السوريين: "العلاقات اليهودية هي أولوية بالنسبة له".
وبينما يتم الترحيب به تدريجياً في العالم العربي، يأمل بشار الأسد أن تساعده سياسته المتعددة الأديان على إنهاء عزلته في أماكن أخرى. ساعدته اليوغا في تقوية العلاقات مع الهند، ويعتقد أن التواصل مع اليهود قد يحسّن العلاقات مع أمريكا وإسرائيل، وصرّح الأسقف الأسترالي عقب زيارته: "نصلّي من أجل زعماء العالم أن يرفعوا العقوبات عن سوريا حتى يتمكنوا من إعادة بناء الأمة من جديد".
كما إن العديد من الجماعات المسيحية في الخارج تعارض العقوبات الاقتصادية ضد سوريا على أساس أنها تُضر بالسوريين العاديين أكثر من النظام، وأن بشار الأسد رغم كل تدميره هو حصن ضد التطرف الإسلامي.
التعليقات (2)