من 50 إلى 5 ورش.. مدينة الفخار بإدلب تكافح للحفاظ على مهنة الأجداد (صور)

من 50 إلى 5 ورش.. مدينة الفخار بإدلب تكافح للحفاظ على مهنة الأجداد (صور)

"أينما يممت شطر نظرك في السابق، كنت ترى ورشات الفخار في مدينة أرمناز، ما يزيد عن خمسين ورشة كانت تعمل في هذه المدينة على إنتاج الأواني الفخارية والخزفية، ولكن العدد الآن تراجع إلى بضع ورشات فقط".

بهذه الكلمات استقبلنا أبو زكور الصافي( 50 عاماً) وهو يجلس على كرسيه داخل ورشة الفخار في مدينة أرمناز السورية التي تقع شمال غرب إدلب، والذي يقترب عدد سكانها من ثلاثين ألف نسمة، كان جلّهم يعمل في مجال الفخار.

 أما أبو الوليد فقد أخبرنا "أن هذه المهنة قديمة من زمن الرومان، جدّي كان يعمل بالفخار وعلّم الصنعة لأبي وأنا تعلمتها من أبي".

وأضاف" قبل الثورة كنّا نصدّر منتجاتنا إلى كل دول الجوار من تركيا إلى العراق ولبنان إضافة إلى دول الخليج وأوربا ليعتاش على هذه الصناعات مئات العوائل، ولكن الآن تقطعت كل هذه الطرق أمامنا واقتصر التصريف على السوق المحلية، ولينخفض إنتاج المدينة إلى أقل من 10% من الإنتاج فقط. 

أنواع المنتجات 

يعدّ "حوض الزريعة، وحوض الكبّة، وأباريق الماء، وخوابي الماء، وشلالات الزينة، من أهم أنواع الفخاريات التي ينتجها حرفيو المهنة في أرمناز، وهي كلها منتجات صحية تعمل على تبريد الماء وتحافظ على نقائه، كما إنك إذا وضعت اللبن في وعاء فخاري فإنك تحصل على لَبَن طازج ولذيذ بعد ساعتين فقط".

وتتميز مهنة تصنيع الفخار العريقة في أرمناز باتساع مجالها وتعدد منتجاتها، إضافة إلى بساطة معداتها، وتعتمد في جلّ أعمالها على الأعمال اليدوية ولمسات الفن والإبداع التي ترافق كل خطوات العمل.

ومن العمّال القدامى في الورشة التي زرناها الحاج عثمان البالغ من العمر ٦٧ سنة والذي ما زال يعمل في هذا المجال، يقول عن ارتباطه في الورشة:

" يقال إن الصنعة للإنسان قلعة، وينبغي لمن يعمل بمجال الفخار أن يحسّ بالطينة حتى تبادله الإحساس ويستطيع الإبداع و لتنعكس مشاعر الحزن أو الفرح على ما يُصنع".

وأضاف الحاج عثمان إن هذه المهنة أضحت جزءاً هاماً من حياته وكأنها قطعة من روحه، بهذه الأواني الفخارية يرسم أحاسيسه ومشاعره، وينحت مجسمات مميزة من بداية تشكيلها حتى خروجها من الفرن.

مراحل تصنيع الفخار

وشرح لنا أحمد السلوم العامل في تصنيع الفخار مراحل التصنيع فقال: "تمر صناعة الفخار بعدة مراحل، في البداية نقوم بتنقية وغربلة الأتربة، ثم ننشره أمام أشعة الشمس حتى ينشف، وبعد ذلك نقوم بتجفيفه ودقّه على الماكينة، ثم يوضع في ماكينة عجين خاصة وهي نفس العجانة المستخدمة في الأفران، ويتم تحويله إلى مادة الصلصال القابلة للتشكيل.

ويضيف في المرحبة الثانية يبدأ عملنا اليدوي عن طريق الدولاب، الذي هو أساس عمل الفخار، وعلى الدولاب لنحصل على الشكل الأولي، وبعد ذلك نقوم بعملية الزخرفة والنحت، بعد ذلك يتم تجفيف القطعة بالشمس حتى تتخلص من الرطوبة، ثم توضع في الفرن الذي يجففها ويحرق ما علق بها مثل بقايا أوراق الزيتون والأعواد اليابسة.

مصاعب وتحديات

واجهت صناعة الفخار مصاعب عديدة، بسبب الحرب وتداعياتها، ومن يعمل بها حالياً فإنه يعمل فقط من أجل المحافظة على التراث، فالعمل في هذه الحرفة متعة حقيقية رغم أنها ليست ذات مردود مالي كبير بسبب الأوضاع الاقتصادية وانخفاض سعر صرف الليرة التركية ونقص الوقود والمواد الأولية، وفق ما ذكره ماجد الشقروق لموقع أورينت نت.

وقال:" أما أكبر التحديات التي تواجه المهنة، فهي عدم وجود طرق للتصدير، كما في السابق فطرق التصدير مقفلة، ما دفع الكثير من المعامل إلى الإغلاق، حيث كان لدينا 25 ورشة لصناعة الفخار في أرمناز، بينما اليوم هناك 4 أو 5 ورشات صغيرة، والسبب عدم وجود سوق للتصريف ناهيك عن نقص المواد الأولية". 

لعل أجمل ما في الأواني الفخارية هو الزخرفة والزينة، والتي تحتاج إلى يد إبداعية، قادرة على نقش الأشكال الهندسية بالدقة والحرفية العالية، حتى أن هناك نقوش عاشت على مدى آلاف السنين كما يقول المهتمون بالتراث، منها النقوش الرومانية وما تبعها من عصور إسلامية متلاحقة وما زالت شاهدة على الحضارة الإسلامية في العصور الأموية والعباسية، حتى أن بعض الأواني سُميت بحسب نوع النقش، فمنها معروفة باسم الأواني الرومانية والأموية والعباسية.

والجدير بالذكر أن أنواع الفخار التي كانت سائدة قديماً كثيرة، منها الجِرار على أنواعها والأباريق والشربات الفخارية، حيث كان ًمن غير المعقول ألّا توجد آنية فخارية واحدة على الأقل في كل بيت، ولكن الثلاجات الكهربائية، ووصول المياه لكل بيت، قلل من الاعتماد على الأواني الفخارية بشكل كبير، وأصبحت من الفنون التراثية الشعبية، والتي تشدّ النفوس عبرها لماضٍ مليء بالدفء والذكريات.

إلى جانب التصنيع الفخاري تشتهر أرمناز بتصنيع الزجاج والأواني الخزفية التي تتميز بجمال تصميماتها واللمسة الجمالية في إخراجها، وتتركز تلك الورشات جوار ورشات الفخار، وقد عانت تلك الورشات أيضاً من ذات الصعوبات وأقفل معظمها أبوابها رغم ثبات البعض منها في مواجهة ظروف قاسية.

على ناصية الشوارع الرئيسية في الشمال السوري وعلى أطراف الساحات الرئيسية تتركز عروض الأواني الفخارية، ينزل بعض ركاب السيارات العابرة ليختاروا ما يحتاجونه.

ويتركز الطلب بحسب علي الحمود الذي يعرض المنتجات الفخارية على دوار سرمدا على جِرار الفخار وخاصة في هذه الأيام الحارة، وزبائننا أكثرهم من أهل المخيمات التي تغيب عنها الثلاجات وعزّ فيها توفر ألواح الثلج، حيث يغلفون جرة الفخار بشوال ويرطبونها بالماء وبذلك يحصلون على ماء بارد يخفف عنهم لهيب الشمس.

لم تسلم ورشات الفخار في أرمناز من قصف مليشيا الأسد كما باقي المدن السورية، وتعرّض معظمها للتدمير، ناهيك عما عانت خلال نقلها من إتاوات حواجز عصابات الأسد وتقطع الطرق في وجهها، إلا أن أهل أرمناز ما زالوا مصرّين على الحفاظ على تراث أجدادهم رغم كل الظروف.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات