ابتزاز وسجن لأشهر.. تحقيق يكشف تفاصيل رحلة الموت من سوريا إلى أوروبا عبر ليبيا

ابتزاز وسجن لأشهر.. تحقيق يكشف تفاصيل رحلة الموت من سوريا إلى أوروبا عبر ليبيا

كشف تحقيق استقصائي مشترك عن المصاعب التي تعترض طريق اللاجئين السوريين الراغبين بالعبور إلى أوروبا عبر ليبيا، حيث يتعرض بعضهم للابتزاز والسجن وسوء المعاملة.

وسلط التحقيق الذي عملت عليه الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” مع “لايتهاوس ريبورتس” وريبورترز يونايتد ودير شبيغل وإل باييس ضمن فريق صحفي عابر للحدود، الضوء على شبكات التهريب الإقليمية، كما أجرى مقابلات مع مهاجرين مروا على مراكز الاحتجاز الليبية وآخرين لا يزالون يقبعون داخلها ينتظرون ركوب البحر.

وتطرق التحقيق إلى قصة وجد أحمد (32 عاماً) حيث وصل إلى مدينة طبرق في شرق ليبيا، وتم نقله إلى مستودع يُستخدم كمركز لتجميع المهاجرين واللاجئين في المدينة.

ووصل الشاب إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي شرق ليبيا بمساعدة وسيط سوري من محافظة درعا جنوب سوريا، يدعى "أبو يوسف"، حيث وصل مع 62 شخصاً إلى ليبيا في نهاية 2022.

وتم ترتيب نقل أحمد ومن معه إلى ليبيا بعد الحصول على الموافقات الأمنية اللازمة من السلطات الليبية، وحجز تذاكر الطيران جواً انطلاقاً من مطار بيروت ودمشق، مقابل 1700 دولار أمريكي (15.5 مليون ليرة سورية) للشخص.

ويصف أحمد الوضع بـ"المروّع"، ويقول: “لقد تحوّل المخزن، الذي كان يُستخدم لتخزين البضائع وكان سكناً للحيوانات، إلى سجن للمهاجرين واللاجئين”.

طرق السوريين إلى ليبيا

وكفرد من مجموعة تضم المئات، معظمهم من مصر وسوريا وباكستان، بقي أحمد سبعة أشهر محتجَزاً في المخزن ينتظر دوره. 

ويقول الشاب: “كان المبلغ المتفق عليه 4500 دولار على الشخص الواحد (يدفع للمهرب) ويدفع المبلغ بعد وصولنا إلى إيطاليا خلال أسبوع، ولكن عندما وصلنا إلى ليبيا تفاجأنا بسوء الوضع، وبدأت عملية الاحتجاز والاستغلال المادي”.

ويضيف: “لقد احتجزوني سبعة أشهر في مخازن عبارة عن سجن، يسيطر على هذه المخازن حراس يحملون أسلحة ويتعاطون المخدرات، يمنعون إصدار أي صوت، و يهينون الناس بشتى الطرق، شتم بأبشع الألفاظ، وأذى جسدي وتعذيب في بعض الأحيان للمهاجرين من الجنسيات المصرية والسودانية والباكستانية”.

وبحسب أحمد، “كان الطعام غاية في السوء، وكانوا (الحراس) يأخذون أضعاف ثمنه”.

ووفق معلومات ووثائق حصل عليها فريق التحقيق من مهاجرين سلكوا طريق ليبيا، يدخل السوريون الأراضي الليبية بموافقة أمنية، وتشير الشهادات التي قدّمها المهاجرون إلى حقائق متشابهة حول عمليات العنف “الشديد” الذي يتعرضون له. 

ووفق التحقيق، يبدأ هذا العنف عادةً عند دخولهم إلى ليبيا، حيث يشارك المهرّبون في تلك العمليات، ويتم نقلهم إلى مراكز احتجاز ”مخازن”، دون تمكينهم من حق المراجعة القضائية.

وتوثّق عدة منظمات حقوقية ليبية من بينها منظمة التضامن لحقوق الإنسان حقيقة تهريب المهاجرين، واستعبادهم، وتعرّضهم للعمل القسري، واحتجازهم في سجون سرية، وابتزازهم. 

وتشير تلك المنظمات إلى أن هذه الأنشطة تولّد عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ما يشجع على استمرار ارتكاب انتهاكات لحقوق المهاجرين.

ويجد معظم الشباب السوريين القادمين من لبنان صعوبات بالعودة إليها أو إلى مناطق النظام ما يجبرهم على الرضوخ للأمر الواقع ريثما يتمكنون من مغادرة ليبيا بأقرب فرصة متاحة.

من رحلة اللجوء إلى الاعتقال!

وحسب التحقيق، فإن رحلة اللجوء تتحول إلى رحلة محفوفة بالمخاطر تنتهي بالاعتقال. حيث تنتشر معظم المخازن التي تحدث عنها المهاجرون في أطراف مدينتي طبرق وبنغازي، فيما يعاني المعتقلون من ظروف سيئة في السجن وسوء التغذية وعدم توفر مياه الشرب، بالإضافة لانتشار أمراض جلدية مُعدية مثل مرض الجرب.

يقول الطبيب الألماني كريستوف هي، الذي أمضى في عمله أربعة أشهر كمنسق فريق من ستة أشخاص يقوم بمشروع طبي لمنظمة “أطباء بلا حدود”، إنه بين أيلول/سبتمبر وأيار/مايو الماضيين، قضى 22 طالب لجوء نحبهم، على الأرجح نتيجة إصابتهم بالسل.

ووفق شهادات فإن الحياة داخل المخازن مليئة بالعنف، حيث يتعرض المحتجزون بانتظام للتعذيب والسجن الانفرادي ويُمنعون من الاتصال بالعالم الخارجي، ويحُرمون من المياه، والطعام، والمراحيض، والمرافق الصحية، والانارة، والتمرين، والرعاية الطبية، والاستشارة القانونية، والتواصل مع أفراد الأسرة.

رحلة الموت 

وذكر التحقيق أن مجموعات مسلحة في شرق ليبيا تتورط في تهريب المهاجرين وعمليات صد وإرجاع للمهاجرين في مياه الاتحاد الأوروبي. وقد تم تنفيذ عمليتي سحب وإرجاع على الأقل عبر مبليشيا تُدعى طارق بن زياد، التي يسيطر عليها نجل حفتر، في المياه المالطية.

وتم تنفيذ حادثتي اعتراض، واحدة في أيار/ مايو والأخرى في تموز/ يوليو من هذا العام. إذ فقد أربعة أشخاص حياتهم في حادث غرق القارب بالقرب من جزيرة بيلوس اليونانية، وكانوا على متن القارب في رحلة سابقة تم اعتراضها في 25 أيار/ مايو الماضي، وفقاً لأفراد الأسرة.

وقال والد أحد الضحايا السوريين الذين فقدوا حياتهم على متن القارب، إن ابنه كان في رحلة سابقة بالقارب تم اعتراضها في المياه الدولية وعاد إلى مالطا في 25 أيار/ مايو. وأكد أن غالبية من كانوا على متن السفينة خلال تلك الرحلة، والذين أُجبروا على العودة من مالطا، قرروا القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر مرة أخرى واستقلوا القارب من طبرق صباح الجمعة.

ويبرز في عملية التهريب اسم شخص حددته ثلاثة مصادر متنوعة، أحد الناجين، ومهرب من المستوى الأدنى في هرم شبكة التهريب، وشخص ليبي من داخل البلاد، وهو محمد أ،  ويعمل في وحدة بحرية تابعة للقوات الخاصة المعروفة باسم الضفادع (frogmen). 

وأوضح أحد الناجين أن محمد أ، استغل منصبه لإصدار الرخصة التي سمحت للقارب المهاجر بالإبحار في المياه الليبية، وضمان أن خفر السواحل الليبيين حصلوا على أموال مقابل إغلاق أجهزة الرادار البحرية للسماح للسفن بالمغادرة.

ويوجد في ليبيا أكثر من 670 ألف مهاجر في ليبيا، ينحدرون من أكثر من 41 جنسية مختلفة بينهم سوريون. 

ومنذ عام 2021، يشهد عدد المهاجرين في ليبيا ارتفاعاً مستمراً. فيما توثّق الأمم المتحدة العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والاختفاء القسري في ليبيا، بما في ذلك حالات القتل خارج نطاق القضاء.

في حين وصل عدد الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى البر الأوروبي “اليونان وإيطاليا” منذ بداية 2023 إلى 94,138 شخصاً حتى تاريخ 11 حزيران/ يونيو. 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات