أبرزها غياب الحواضن.. كارثة تهدد حياة الأطفال حديثي الولادة في إدلب

أبرزها غياب الحواضن.. كارثة تهدد حياة الأطفال حديثي الولادة في إدلب

تترقب السيدة "أسماء الكامل" (34 عاماً) بفارغ الصبر وهي من مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، وجود شاغر لطفلها البالغ من العمر شهرين فقط، في غرفة الحواضن في أحد المشافي المجانية المدعومة من قبل المنظمات الإنسانية، بعد إصابته بمرض ذات الرئة الحاد.

وقالت أسماء لـ"أورينت نت" إن المشافي المجانية المخصّصة للتوليد والأطفال في المنطقة مزدحمة جداً ولا يوجد شاغر لأي حاضنة لولدي "محمد" منذ قرابة 5 أيام، بينما يزداد وضعه الصحي سوءاً ولا أعرف ما الذي سأفعله"، وتسترسل قائلة إنها فشلت في إيجاد حاضنة بعد رحلة بحث طويلة في المشافي شمال إدلب، وإن حلّها الوحيد يكمن في انتظار تخريج أحد الأطفال من إحدى الحواضن.

أمّا "ياسمين سليم" (25 عاماً) التي تعرضت لولادة مبكرة في الشهر السابع، في أحد المشافي المدعومة شمال إدلب، تقول لـ"أورينت نت" إنها اضطرت إلى تحويل طفلها إلى أحد المشافي الخاصة لمدة سبعة أيام، بعد غياب أي شاغر في معظم المشافي المدعومة في العثور على حاضنة لأهمية القضية التي قد تجعل جنينها يصارع الموت في حال إهماله لساعات بسبب عدم اكتمال رئتيه.

وأشارت إلى أن وضعها الاقتصادي غير مؤهل بالمطلق أمام أجور المشافي الخاصة، مضيفة: "أصعب ما يمكن أن يمر به الإنسان وقوفه عاجزاً عن مساعدة طفله الذي يتألم من شدة الوجع دون أن يتمكن من أن يحرك ساكناً".

وتؤكد "سليم" أن زوجها اضطر لبيع سيارته الخاصة البالغ سعرها 2000 دولار أمريكي لدفع أجور المشفى الخاص والأدوية اللازمة لطفلها.

وتستخدم حواضن الأطفال في تأمين ظروف مستقرة للرضع والأطفال المرضى وحديثي الولادة الذين يكون وزنهم أقل من الحد الطبيعي، وتبقيهم في دفء وتساعدهم على التنفس، وتتيح مراقبتهم باستمرار.

وتعاني منطقة إدلب من قلّة عدد الحواضن داخل المشافي العامة، ما انعكس سلباً على سكان المنطقة التي تحوي الملايين معظمهم من النازحين والمهجرين، الذين في غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، ما يُهدد حياة آلاف الأطفال المرضى.

وبحسب تقرير صادر عن فريق "منسقو استجابة سوريا"، نُشر في حزيران/ يونيو الماضي، فإن حدّ الفقر في إدلب ازداد إلى مستويات جديدة بنسبة بلغت 0.57 بالمئة، ما رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 89.81 بالمئة، كما شهد مؤشر حد الجوع وفقاً للتقرير، زيادة إلى مستوى جديد بنسبة 0.66 بالمئة، ما رفع أيضاً نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع إلى 40.3 بالمئة.

منتهية الصلاحية

وفي حديث لموقع "أورينت نت" قال نائب مدير صحة إدلب، الدكتور "حسام قره محمد"، إن عدد الحواضن في مستشفيات منطقة إدلب هي 181 حاضنة عاملة، مؤكداً أن هذه الحواضن غير كافية مقارنةً مع الضغط السكاني الهائل في شمال سوريا وموجات النزوح الأخيرة إلى إدلب.

وأشار إلى أن جميع الحواضن العاملة في المنطقة قد انتهى عمرها الافتراضي، وأن الكثير منها في الخدمة، لكن ليست ضمن الصلاحية والجودة الحقيقية، وإنما استخدامها بسبب الحاجة الماسة وعدم القدرة على تأمين حواضن جديدة، مشيراً إلى وجود 28 حاضنة أطفال في المشافي قيد الصيانة.

وأكّد "قره محمد" أن قسم حواضن الأطفال يعتبر أحد أركان أي مشفى في إدلب، إذ يعتبر قسماً أساسياً لتقديم خدمات الصحة الإنجابية، بهدف ارتباطه الوثيق بين عدد الولادات وعدد الأطفال الذين يحتاجون عناية متقدمة في قسم الحواضن.

وأوضح أن المنطقة تشهد نسبة إشغال مرتفعة جداً وأنها تتفاوت بحسب موسمية الأمراض، لافتاً أن المديرية تعمل بشكل حثيث في التنسيق مع الشركاء من المنظمات الطبية والمانحين، لزيادة عدد الحواضن وزيادة السعة الاستيعابية، مشيراً أن المديرية تمكنت من إعادة مستشفيات إلى العمل مؤخراً بعد توقف الدعم عنها سابقاً.

غياب الدعم

بدوره، قال طبيب الأطفال "عبد الكريم الياسين"، والذي كان يشغل مدير صحة حلب الحرة سابقاً، لـ"أورينت نت"، إن أعداد الحواضن في مشافي المنطقة "مقبول إلى حدٍ ما"، لافتاً أن المشكلة سببها أساساً ليس الحواضن ذاتها؛ بل في توقف الدعم عن بعض مشافي الأطفال في الشمال السوري، وخاصةً مشفى "شام" للأطفال في سرمدا شمال إدلب، إذ توقف دعمه منذ مطلع شهر تموز/يوليو الحالي، حيث كان يحوي على 30 حاضنة أطفال.

وأوضح أن مشفى "الإخاء" للأطفال في بلدة أطمة شمال إدلب الذي يحوي على 13 حاضنة أطفال سيتوقف دعمه أيضاً مطلع الشهر آب/أغسطس المقبل، مشيراً إلى أن هذا التوقف سينعكس سلباً على الاستيعاب، وبالتالي سيؤدي إلى نقص كبير في الخدمة.

وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي لدى العوائل في الشمال السوري لا يسمح لهم أساساً في تحمل تكاليف علاج أطفالهم في المشافي الخاصة، بسبب غلاء سعرها إذ تبلغ أجرة الليلة الواحدة إذ كان الطفل بحاجة لحاضنة عادية فقط 50 دولاراً أمريكياً، وإذا كان بحاجة لجهاز "سيباب" (جهاز ضغط إيجابي مستمر في المجرى التنفسي) ستكلفه الليلة 150 دولاراً، وأمّا إذا كان الطفل بحاجة إلى أوكسجين (منفسة) فالليلة الواحدة بـ 200 دولار، مبيناً أن هذه الأرقام يعجز عنها أكثر من 99 بالمئة من سكان الشمال السوري.

من جانبه، يرى طبيب الأطفال "حسام اليسار" العامل في مشافي إدلب أن الشمال السوري بحاجة للمزيد من الحواضن لتغطية المنطقة، إذ إن الأعداد الموجودة لا تغطي المنطقة بشكل كافٍ، وخاصة أقسام العناية بالخدّج وحديثي الولادة، وفي حال عدم توفر حاضنة لحديث ولادة هو بحاجتها سيضطر الكادر الطبي للتنسيق مع الجانب التركي للإحالة إلى تركيا، والتي في غالب الأحيان لا تستقبل تلك الحالات، وبالتالي للأسف قد نخسر الطفل لعدم توفر شاغر حاضنة أو عناية حديث ولادة في المنطقة.

وأوضح اليسار خلال حديثه لـ"أورينت نت": "هناك العديد من الحالات التي تحتاج لحواضن من أهم هذه الحالات، هي الولادات المبكرة (الخدّج) والأطفال الذين يعانون من الأمراض التنفسية"، مشيراً إلى أن فصل الشتاء تكثر فيه الإصابة بالإنتانات الفيروسية التنفسية، التي تتطلب قبول حديث الولادة بالحاضنة، بالإضافة لأذيات البرد التي تصيب المواليد في المخيمات، بسبب قلة التدفئة.

وطالب اليسار من جميع الجهات المانحة والمعنية بضرورة زيادة عدد مراكز العناية بالخدّج وحديثي الولادة في المنطقة، بالإضافة إلى تأمين كافة المستلزمات لتشغيل هذه المراكز من كوادر بشرية ومستلزمات طبية.

مأساة حقيقية

ويؤكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن منطقة إدلب تعيش مأساة إنسانية حقيقية، لا سيما في المخيمات التي يقطن فيها أكثر من 1.5 مليون إنسان ما بين تجمعات منظمة وأخرى عشوائية.

وتعرضت المنطقة منذ سنوات لعدة كوارث بدأت بتفشي فيروس كورونا، وبعده مرض الكوليرا، وآخرها الزلزال، ما أدّى إلى إعلان الكوادر الطبية عجزهم عن استقبال المزيد من المرضى.

ويصف خبراء الوضع في إدلب بأنّه صعب لجهة توفير المستلزمات الطبية المنقذة للحياة، فيما يؤكدون أن الفرق الصحية والطبية تعمل في معظمها تطوعياً، وتبذل أقصى طاقة لها.

ويسكن في مناطق شمال غرب سوريا قرابة 4 ملايين نسمة، ويوجد بداخلها عدة مستشفيات، بالإضافة إلى نقاط طبية ومراكز إسعافية، يعمل معظمها عن طريق الدعم المقدم من منظمات أوروبية وعربية، فيما توقف العديد منها منذ مطلع العام الجاري لأسباب غير معلومة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات