ثروات سورية الهائلة.. هل هي نعمة أم نقمة؟

ثروات سورية الهائلة.. هل هي نعمة أم نقمة؟


لعله ليس من الغريب أن يعرف الشعب السوري بكل فئاته معلومات متناثرة هنا وهناك عن ثروات بلده الكثيرة، والتي عمل نظام الأسد على نهبها وتجييرها لصالح بقائه على سدّة الحكم إلى الأبد لو استطاع، وكما حلم بذلك وسعى إليه.

لقد كان جيلنا جيل السبعين يسمع دائماً ممن هم أكبر منّا سنّاً أن حافظ الأسد كان عندما يوجّه له سؤال عن النفط، يجيب بأنه في أيدٍ أمينة، ذلك أن النفط السوري لم يدخل ميزانية الدولة منذ اعتلى حافظ الأسد كرسيّ الرئاسة بعد انقلابه سنة سبعين، والذي سماه الحركة التصحيحية، التي لم يعرف أحدٌ حتى الآن ماذا صححت.

عندما مات الأسد عام ألفين وورّث الحكم لابنه بشار، كان الشارع السوري متفائلاً بهذا الابن الشاب ربيب أوروبا وخريج جامعاتها، فتجاوز بسبب تفاؤله هذا كون بشار ابناً لحافظ الأسد، مدّعياً أنه رئيس جديد ولن يسير على خطا من سبقه حتى لو كان والده، وهذا التفاؤل دفع هذا الشارع ليرسم أحلاماً وردية عن المستقبل الذي سينتهج فيه الرئيس الجديد سياسة انفتاحية جديدة ذات شقين، الأول محاربة الفساد والقضاء عليه والذي سيؤدي بالضرورة إلى إدخال كل موارد البلاد وعلى رأسها النفط إلى ميزانية الدولة، والشق الثاني سياسي، حيث سيصدر قوانين تخص تشكيل أحزاب لتبث الدماء في الجسد السوري المحنّط على حزب واحد قائد، وأخرى تدور في فلكه منذ ثلاثين عاماً. حتى إن التلفزيون الرسمي راح يبث بعض البرامج الحوارية مع بعض مختصّي الاقتصاد الذين كانوا يتحدثون بشكل صريح وعلني حول إدخال النفط إلى ميزانية الدولة، وأنه إن حصل هذا ستتغيّر حياة المواطن السوري إلى الأفضل مئة وثمانين درجة.

كل هذا التفاؤل الذي رافق مسرحية التوريث تبخّر بعد فترة ليست بالطويلة، فقد تبيّن للشارع السوري أن الحرس القديم يمسكون بزمام الأمور بيد من حديد، وأن بشار الأسد لم يكن سوى زعيم جديد لهذا الحرس بعد والده، ومصيره مرتبط بمصير هذه العصابة، فأصبح حلم التغيير سراباً ووهماً، وبدأت جذوة الثورة تشتعل في نفوس السوريين شيئاً فشيئاً حتى تم نضوجها في الربيع العربي في آذار عام 2011م.

ولعل الثورة السورية كانت قد فتحت أعين السوريين على حقائق خيالية حول ثروات بلادهم، ليكتشفوا أن بلدهم ليس غنياً فقط، بل هو غنيّ بشكل فاحش جداً، الأمر الذي كان سبباً مباشراً لتآمر كل القوى الدولية الفاعلة للسيطرة على البلد واحتلاله ونهب خيراته، وترك شعبه يواجه مصيره في مواجهة الأسد وآلته العسكرية.

ولعله من باب الطرافة التي يتصف هذا الشعب المكافح المناضل في سبيل حريته وكرامته، أن يحوّر بعض الجمل والعبارات المعروفة لرأس النظام الأب ثم الابن، من مثل قول حافظ الأسد عن النفط بأنه بأيدٍ أمينة، ليخرج الشارع السوري بمقولة طريفة أشبه بالنكتة (كنا مفكرين النفط بأيدي أمينة طلع بأيدي أنيسة)، وأنيسة هي زوجة حافظ الأسد.

فهل هو قدر الشعب السوري أن يكون ابن هذه الأرض المليئة بالثروات التي حرمه منها نظام الأسد، ثم لتأتي كل ضباع العالم لتسيطر عليها بعد أن ثار عليه وعلى فساده وإجرامه؟

تقول بعض الدراسات التي قام بها بعض الباحثين بأن سورية تمتلك ثروات عظيمة يستطيع أن يعيش بها ثمانون مليون نسمة بدخل هولندا وإسكتلندا، فما بالك بثلاثة وعشرين مليوناً؟!

لقد فتحنا أعيننا نحن جيل السبعين لنجد أن آباءنا وإخواننا من أبناء هذا الوطن المنهوب يهاجرون إلى دول الجوار ومنها دول الخليج ليعملوا ويحسنوا من وضعهم المعيشي، بينما وطنهم يعوم على بحر من الثروات، وآخرها ما يتم الحديث عنه مادة السليكون في صحراء التنف.

فهل هذه الثروات نعمة أم نقمة؟

قال لي سوري من بلدي كنت أحدثه عن هذه الثروات، يا ليتها لم تكن عندنا، فماذا استفدنا منها خلال خمسين سنة من حكم آل الأسد؟ لقد بنى أبناؤنا أو ساهموا في بناء كل دول الجوار العربي حتى تعدّوه ووصلوا إلى اليونان، وهذه الثروات منهوبة لصالح عصابة الفساد المسيطرة على البلد؟ 

ومنذ انطلاق الثورة قبل أكثر من عقد، لولاها لما تآمر علينا القاصي والداني والقريب والبعيد لينهبها، فهل بعد كل هذا نقول إنها نعمة؟

 

التعليقات (1)

    Majed

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    الـــــــــــثروة الوطنيـــــــــــة في الأصل نعمـــــــــــــــــة .. وتكون نقمة في ثلاثة حالات فقط - لم تستغل لمصلحة الشعب عموما من جميع الملل والطوائف في سوريا وعددهم (27) ملــــــــة .. ثانياً في حال استغلت ولم يكن التوزيع عـــــــــــادلا .. ثالثاً : في حال صــــــــــرفت مبالغها في غير مكانها . . . في هذه الحالة نعم نقمة . . . ولكن عــــــــاجلا أو آجـــــــــــلا سترد الحقوق إلى أصحابها وتكون نعمة على الشعب السوري ..
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات