من الثورة الفرنسية إلى الثورة السورية: تشابه النضالات وتباين السياقات

من الثورة الفرنسية إلى الثورة السورية: تشابه النضالات وتباين السياقات

جاء في كتاب كيف تعمل الديكتاتوريات ما نصه: الأنظمة الاستبدادية هي أنظمة لا تحدد فيها الانتخابات من الذي يقود، أو هي تلك الأنظمة التي لا يغير فيها القادة المنتخبون ديمقراطياً قواعد اللعبة بينما يقضون على كل فرص الآخرين لمنافستهم. ويرى الكتاب الذي اعتمد على قاعدة بيانات ضخمة شملت 280 نظاماً استبدادياً أن نحو ثلث هذه الأنظمة تسقط عبر انقلابٍ عسكري أو انتفاضة شعبية، فيما ينتهي ربعها عن طريق الانتخابات الحرة، في الوقت الذي تلعب فيه الأزمات الاقتصادية، غالبًا، دورًا رئيسيًا في تسريع عملية إسقاطها، بالإضافة إلى غياب الدعم الخارجي، والدعم الخارجي المضاد.

لست هنا بصدد تشريح للدكتاتورية الأسدية، ولكن الأحداث الأخيرة في عدة محافظات سورية، تبين مدى الشبه بين الثورة السورية والثورة الفرنسية. ولست بصدد إجراء مقارنة شاملة بين الثورتين، لكن سأذكر نقاط تشابه مهمة بين الثورتين، وأبين كيف أن النظام السوري أجهز على نفسه، وأصيب من حيث أراد الوقاية. 


نحن لا نعلم إلا القليل عن نظام أسد، وليس لدينا إلمام كافٍ بماهية عمل هذا النظام، فهذه الديكتاتورية عصيّة على الفهم. السبب الأهم هو أن الدكتاتورية الأسدية "تقيد المعلومات عن نفسها". وبالتالي، فإن ما نعرفه عن عملية صنع القرار في الدكتاتورية الأسدية أقل وأصعب كثيراً مما نعرفه عن نظام ديموقراطي غربي مثلاً. وما يعقّد الأمر أكثر أن النظام السوري لا يختلف فقط عن نظام ديمقراطي ما، بل يختلف عن غيره من الديكتاتوريات اختلافاً شديداً، ويسود عدم التجانس بينه وبين غيره من الأنظمة الديكتاتورية في طرائق صنع القرار، ومن يستفيد من هذا القرار. إلا أن ما نعرفه هو أن كل شيء في هذا النظام يُدبّر بلَيل. 

دوافع مشتركة ومراحل متشابهة


 أسباب الثورة الفرنسية كما الثورة السورية، كانت معقدة ومتعددة، منها ما هو اقتصادي، واجتماعي، وسياسي. ولكن، الأمر الذي لا يمكن تجاهله هو أن كلتا الثورتين فيهما شيء من تأثرت بموجات تنويرية كأفكار جان جاك روسو مثلاً في فرنسا، والوعي الذاتي الذي رافق ثورات الربيع العربي. وكلتاهما مرتا بمراحل. الثورة الفرنسية مرت بثلاث مراحل رئيسية: الملكية الدستورية (1789-1792)، والجمهورية الراديكالية (1792-1794)، والجمهورية المعتدلة (1794-1799)، ومرت الثورة السورية بمراحل أكثر تعقيداً أيضاً، الاحتجاجات السلمية، ثم التصاعد والتصعيد والقمع، ثم التأزم والانقسام، ثم توسع الصراع والتدخل الدولي، ثم التحولات والصراعات المعقدة، وحالياً تعاد سيرتها الأولى. 


مواقف الدول كانت متشابهة أيضاً، حيث تعرضت فرنسا للهجوم من قبل دول أوروبية أخرى خلال الثورة، حيث شكلت بريطانيا وبروسيا والنمسا وروسيا تحالفات ضدها. وحاولت الملكيات الأوروبية وأد الثورة الفرنسية بإرسال جيوشها لإعادة الملك لويس السادس عشر إلى عرشه، ودعم حركات الملكيين في فرنسا، وإثارة التخوف من انتشار أفكار الثورة في بقية أوروبا.

إلا أن الملكيات الأوروبية فشلت  بإحباط الثورة الفرنسية، بل على العكس تمكنت فرنسا من صد هجماتها وغزو بعض المناطق في أوروبا، كما نشأت حركات ثورية في دول أخرى مستوحاة من نموذجها. وفي نهاية المطاف تم إعدام الملك وزوجته بالمقصلة.

ما المشترك بينهما؟

نضال ضد الاستبداد والظلم الدور المحوري للشعب وسعي للحرية والعدالة. حيث كانت أهداف الثورتين تتمثل في تحقيق الحرية والعدالة. في الثورة الفرنسية، كان الهدف تحطيم هيمنة الطبقات النبيلة وتحقيق حقوق الإنسان والمساواة. في الثورة السورية، كانت المطالب تشمل الديمقراطية، وإنهاء القمع، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكلتا الثورتين شهدتا تحولات وتطورات معقدة ومتنوعة على مر الزمن. وقد رأينا أن تبدلات في التحالفات والأهداف والتكتيكات قد حصلت خلال مسار كل ثورة.

وفي كلتا الثورتين، حدث تدخّل دولي ودعم للجماعات والجماهير المناهضة للنظام. في الثورة الفرنسية، تدخلت الدول الأخرى في محاولة للتأثير على التطورات. في الثورة السورية، طالب البعض بتدخل دولي لدعم الثوار، في حين دعمت دول أخرى النظام السوري. تبع ذلك نقاش حول الشرعية والتدخل، تركز حول ما إذا كان من الواجب التدخل في شؤون الدول الثائرة. وزاد من تعقيد ذلك النقاش التحالفات الدولية المعقدة التي ملكت الأطراف المتنازعة. 

نظام يظن نفسه بُهمة!

يقال: رجل بُهم، رجلٌ لا يُدرى من أين يُؤتى لشدّة بأسه. وهذا النظام لشدة جبروته وعنفه وخبثه، ظن أنه لن يُغلب ولن يعرف أحد أين نقطة ضعفه. النظام السوري لعقود طويلة وهو يعول على خوفنا ورهابنا من جبروته الأمني، ولو كان غير ذلك لغيّر في سياسته في المناطق التي سيطر عليها بعد المعارك الأخيرة، فأبقى سياسته كما هي قبل الثورة وأثنائها، ولم يقدم أي تنازل يذكر ولو بكلمة. نظام من نوع النظام السوري ليس لديه حساسية تجاه آلام الناس ومعاناتهم، فأيقظ هذا حساسية السوريين بذلّ النظام لهم أولاً وببعضهم ثانياً، وأدرك السوريون بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا النظام هو العقبة الوحيدة والرئيسية أمام نيل مطالب الحرية والكرامة.

أخيراً، إن عدم تغيير النظام السوري لنهجه في التعامل مع السوريين، أدى إلى "استيراد الثورة" من حيث أراد النظام الوقاية منها. فقد ظن النظام أن شيوخ العقل في السويداء قد حصلوا على ما لا يدفعهم للمطالبة بما يطالبون به الآن، وادعائه حماية طائفته من الآخرين لن يدفع طائفته للتذمر والشكوى. إلا أن سيف التاريخ مضى، ولا راد له، وقد علم الناس أن هذا النظام الجائر لا تقتله إلا كلمة الحق. 

التعليقات (3)

    ساخط سوري

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    ثورة انجبت داعش والنصرة وارتكبت الاف التفجيرات الانتحارية وقصفت حلب ب جرار الغاز ودمشق بالهاون والغراد وبالاخير يطلعوا علينا بمقالة انهم مناضلون من اجل الحرية ومع الشعب. كلنا شفنا فيدوهات مشفى الاطفال بحلب . كلهم مؤيدين للدولة تم خطفهم وتعذيبهم من داعش في حلب التي كانت تحت سيطرة تركيا والنصرة

    منتصر

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    أحسنت يا علا… مقال جيد وتحليل واضح تماما…

    أحسنت

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    يا ريت يا علا تتابعي بسلسلة مقالات عن هذا الموضوع الهام وسرد مقاربات بين الثورتين يعيطك العافية وبانتظار المزيد
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات