ماذا بعد العقوبات الأمريكية على فصائل المعارضة السورية

ماذا بعد العقوبات الأمريكية على فصائل المعارضة السورية

وزارة الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على فصيلي سليمان شاه والحمزة وقائديهما محمد حسين الجاسم الملقب بـ(أبو عمشة)، ووليد حسين الجاسم وهو الأخ الأصغر لأبو عمشة، الذي يشغل أيضاً دوراً قيادياً في لواء سليمان شاه، وسيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة، وفصيل أحرار الشرقية، "إضافة إلى شركة السفير أوتو لتجارة السيارات، التي أكدت تقارير إعلامية مشاركة أبو عمشة ملكيتها"؛ كل ذلك على خلفية الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في الشمال السوري عامة وفي عفرين خاصة، من تعذيب وخطف المدنيين واحتجازهم وابتزازهم لدفع فدية مالية كبيرة.

هنا ينتهي الخبر، ليبدأ معها الواقع الجديد، فالقضية تختلف عن العقوبات التي عادة ما تُفرض على الأنظمة أو شخصيات نافذة وذات حركية فاعلة فيها، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية-أمنية والتي تكون ذات سيادة وقرار وتعود تبعات العقوبات على الشعب أولاً وعلى الأصول المالية للمعاقبين ثانياً، لكن في هذا الاستهداف من العقوبات على فصائل عسكرية سورية، وبعضها الأقرب إلى تركيا في الشمال السوري كحالة "أحرار الشرقية" وعلاقاتها القوية مع الجانب التركي، رُبما تكون رسائل تحذيرية من واشنطن لأنقرة، مع تمتع قسم من العناصر والقيادات المعاقبة بالجنسية التركية، ومع تصنيف "الجولاني والنصرة" كفصيل إرهابي، فإن الشمال السوري تحوّل لواقع جديد ما بين الإرهاب والمعاقَب اقتصادياً على خلفية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتالياً فإن القواعد الاجتماعية أمام تحوّل سياسي اقتصادي سيدفعون هم أيضاً جزءاً كبيراً منه، وستجد المعارضة السورية نفسها أمام مأزق جديد، لن تفيد بيانات الإدانة من هذا الطرف أو ذاك، فالقرار صدر، والأفضل البحث عن مخارج وليس رفع الصوت، والهروب من الواقع، خاصة وأن أغلب الفصائل المعاقبة هي جزء من "الجيش الوطني" الفاقد للفاعلية، والأخيرة تابعة لوزارة الدفاع السورية المعارضة، كإحدى وزارات الحكومة السورية المؤقتة، والتي هي تتبع الائتلاف السوري المعارض، كل هؤلاء معنيون بهذا القرار، وتلك العقوبات تشمل الفصيل المستهدف وليس شخص قائده فقط، وإلا كان يُمكن الاستغناء عنه بسهولة، فعادة ما تكون تلك الشخصيات قرابين وكبوش فداء، وليس مستبعداً أن يصل ارتداد القرار إلى هيئة التفاوض، وتالياً تكون المعارضة السورية أمام تأثيرات مديدة سياسياً واقتصادياً، لتتوسع الرسائل وتشمل المعارضة وحليفها التركي، فالأخيرة تدعم كامل الجسم العسكري في مناطق "درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام"، لذا فمن المتوقع أن يتوزع العبء والحمل على الائتلاف الذي يُعتبر المظلة الأساسية، ولو شكلياً، لتلك الفصائل، وتركيا التي تسيطر على تلك المناطق. 

لا فكاك من شرح الواقع والحقيقة فــــ "مجموعة الحكومات" التي تدير الشمال الغربي من سوريا وتضارب قراراتها، وسوء الإدارة من سري كانيه/رأس العين حتى آخر نقطة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة، تشهد يومياً انفلاتاً أمنياً وسوء إدارة وتزايد حجم الانتهاكات، وبؤس الواقع المعيشي والخدمي والمالي والتعليمي، ومع فرض هذه العقوبات، سيكون الموقف التركي أيضاً حرجاً، فإلى أين سيعود "العائدون طوعاً" من السوريين في تركيا؟، مع من سيعيشون وفي ظلال من سيعملون؟، بالمحصلة فإن صورة كامل المنظومة السياسية-الإدارية -الأمنية العسكرية للمعارضة السورية، مع حليفها التركي تعرضت لنكسة وضربة كبيرة، خاصة وأن هذه العقوبات هي الأولى في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الجمهوريين، ورُبما تكون من بين رسائل الترضية للجانب الروسي حول الملف السوري، "كردّ جميل" للموقف الروسي الموافق على تمديد تفويض آلية إدخال المساعدات الإنسانية للسوريين عبر معبر باب الهوى، و رُبما تخشى الإدارة الذاتية أيضاً على نفسها من فرض عقوبات عليها، كتتمة للموقف الأمريكي-الروسي.

الغريب في الأمر، إن موقف المعارضة السورية يذهب باتجاه إعادة إنتاج الذهنية نفسها التي تدرّجت عليها الأنظمة المعاقبة، فعوض البحث عن مخارج وإيجاد ترتيبات للحد من تلك الانتهاكات، واعتبار ذلك القرار فرصة حقيقية لتحسين صورة السوريين في إدارة بلادهم، وإمكانية إنتاج هيكل حكم محلي يتمتع فيه المواطنون بحقوقهم وصون حرياتهم، وضمان أمنهم وسلامتهم ومشاريعهم، وأبعاد مقرات تلك الفصائل عن المناطق المأهولة بالسكان، كتوفير فرصة ومناخ آمن لعودة السكان الأصليين من المهجّرين والمهاجرين إلى بيوتهم، فإنها هي الأخرى دخلت في ردة الفعل وإصدار البيانات والرفض، وماذا ستجني من مواقفها غير انخراطها لجانب الفئات المعاقبة أمريكياً، هل تدرك الحكومة المؤقتة ووزارة دفاعها، حجم المشاكل التي تصنعها لنفسها بهذا الشكل؟

بالعموم المتوقع أن تزداد المحِن المعيشية أكثر في الشمال السوري، وأن تكبر معها دوائر العنف والانتهاكات؛ فتلك الفصائل لن تفهم أن العودة عن تلك الممارسات سيعني انتصاراً للحق والمساواة ومبادئ العيش المشترك، بل ستعتبرها انتقاصاً من قيمتها وقوتها، وعادة ما تكون الجهات العسكرية المتعوّدة على ممارسة العنف، ذات تفكير مغلق غير قابل للتجديد والتغيير، ومع حجم الاستفادة المالية الضخم من نتائج تلك الممارسات، وفرض العقوبات، فإنه من الصعب توقّع تغيير سياسات وممارسات تلك الجهات، ما لم تتغير كامل هيكلياتها ومنظومتها الفكرية والإدارية، وعلى الأغلب أن تركيا ستدخل على خط الأزمة، وتسعى لإجراء تبديلات وتغييرات من شأنها إيجاد مساحات جديدة للاستقرار والعمل والعيش هناك، خاصة إن تحولت تلك الفصائل إلى حمل ثقيل على تركيا والمعارضة معاً.

التعليقات (1)

    مراقب

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    ماهو الفرق بين ابو عمشه وفرهاد شاهين مظلوم عبدي؟؟؟؟؟؟؟ نفس الطينة الاول بياع عربنجي والثاني خريج مغارات وكهوف جبال قنديل
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات