الأكراد بين التهمة وسوء الفهم!

الأكراد بين التهمة وسوء الفهم!

واجه أبناء الجزيرة من العرب وخصوصاً الثوار منهم، مفارقة وازدواجية عجيبة ومجحفة، لا تفتأ تطلّ بوجهها عند كل مناسبة تتعلق بالمنطقة كما حدث مؤخراً في انتفاضة عشائر ريف دير الزور الشرقي ضد ميليشيا قسد.

من الطبيعي أن نكون أكثر السوريين معاشرة للأكراد واحتكاكاً بهم، لكون أكراد الجزيرة منخرطين بالحياة الاجتماعية مع كل مكونات المنطقة من حيث التداخل السكاني في المدن الكبيرة (الحسكة - القامشلي) وكذلك تداخل وتجاور القرى العربية والكردية، وتكاد لا تخلو حالة أو مناسبة اجتماعية كزفاف أو عزاء أو عيد من اجتماع عربي-كردي.


بالإضافة طبعاً إلى المصاهرة المنتشرة على نطاق واسع بين الكثير من العوائل العربية والكردية، حتى بات التعبير "الخال وابن أخته"، وبالكردية "خال وخوارزيه" يطلق على العلاقة بين العرب والأكرد، للدلالة على قوة هذه العلاقة وأواصرها المتينة.

قد تكون هذه الحالة غير موجودة في ريف حلب، حيث يغلب على إخوتنا أكراد تلك المنطقة الانغلاق إن جاز التعبير، ما جعل من فهم محيطهم لهم أو فهمهم لمحيطهم أكثر صعوبة.


ولذلك فقد كنا في بداية الثورة نواجه صعوبة بالغة في إيصال وتوضيح الفرق للسوريين، بين حزب الـ pkk وpyd وبين الأكراد كجزء من الشعب السوري.


كنا نعتبر هذه مسؤولية أخلاقية ووطنية، خصوصاً أن نسبة جيدة من الأكراد انخرطوا بالعمل العسكري الثوري، بعد مشاركتهم الواسعة بالمظاهرات التي جابت المدن والبلدات كالحسكة والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين وغيرها.

لجوؤهم للعمل العسكري كان اضطراراً بسبب القمع الذي تعرضوا له من هذا الحزب بعدما بدت تتضح معالم سيطرته وتسلحه، ومن يقف خلف ذلك وما هي الأهداف.


لكن النسبة الأكبر أو الغالبية الساحقة ممن حمل السلاح من شباب الكرد في ذلك الوقت، انضم إلى حركة أحرار الشام وقتها، ولا أبالغ إن قلت إن جميع هؤلاء هم من الـ"نخبة" تعليمياً وأخلاقياً.

أما سبب توجّه هذه الفئة إلى الحركة الإسلامية، فهو باعتقادي خلفية هؤلاء الشباب المحافظة والمتدنية، إذ كانت الحركة تمثل خطاً معتدلاً وسطياً، بين فصائل الجيش الحر وبين فصائل الغلو والتطرف.

إضافة لذلك، أسهم وجود شخصيات كردية قيادية في الصفوف الأولى بقيادة الحركة، والذين ينحدرون سابقاً من خلفية متدينة "إخوان مسلمين" وبينهم معتقلو رأي سابقون، أسهم في اقبال هذه الفئة من الشباب الكرد على الحركة.

وللتأكيد على عدم وجود أي خلاف أو حساسية على أساس عرقي في منطقة الجزيرة، كانت قيادة حركة أحرار الشام في الحسكة من الإخوة الأكراد بشكل كامل تقريباً، مع أن الغالبية الساحقة من أفراد فرع الحركة هناك هم من العرب وأبناء القبائل، حيث كانت كل المناطق المحررة آنذاك سكانها من العرب، وهذه المعلومة التأكد منها متاح وسهل.

كان هؤلاء الشباب يتحسسون من الخلط الذي يقع به أفراد وبعض قادة الفصائل الوافدة من مناطق أخرى كمؤازرات ومساندة عند الحاجة، خاصة عند قتال داعش، وكان يقع على عاتقنا دوماً مهمة ومسؤولية توضيح الفارق لهؤلاء بين الكرد وبين حزب العمال وحزب البي واي دي، ولطالما كان يحتاج أحدنا الجلوس لساعات فقط لتحرير هذه المسألة مع من يجهلها.

وبالطبع لم يكن القتال هو الميدان الوحيد الذي انخرط فيه كرد الجزيرة الثائرون، بل توجّه قسم منهم إلى مجالات أخرى من مجالات العمل الثوري بطبيعة الحال، كالإعلام والعمل الإنساني"طبي-إغاثي" وكان لهم بصمتهم وجمعتنا الكثير من النشاطات والفعاليات والمناسبات.

واليوم نواجه نحن الثوار من أبناء الجزيرة، معضلة مع السوريين من المناطق الأخرى!.

 فنحن الذين عاشرنا وعشنا مع الأكراد وقاتلنا حزب "ب ي د " وللتنويه جميع المعارك التي خاضتها فصائل الثورة مع هذا الحزب جرت على أراضي قرى عربية، وكانت عبارة عن صد لتقدمهم وزحفهم على مناطق محررة من سيطرة النظام أساساً، نتفاجأ أن هناك من يريد أن يقدم لنا خارطة سلوك وفهم للعلاقة بيننا وبين الأكراد!.

اليوم يوجد عدد كبير بين ثوار سوريا من المناطق الأخرى، ينظرون إلى حزب ب ي د، فرع حزب العمال في سوريا، على أنه طرف سوري معارض، وأن له وجهة نظره، ويحمل لواء مطالب الأكراد الشرعية، متجاهلين كل السردية التي أدت لوجود هذا الحزب من قبل النظام عبر تسليمهم الكثير من المقرات والأسلحة والمستودعات والمركبات لتسليطهم على أكراد الجزيرة قبل العرب!
هذه النظرة تضعنا بموقف مُحرج وبموقع الدفاع عن النفس، إذ نظهر وكأننا أعداء للكرد بالعموم!

هذا استنتاج خاطئ من قبل هؤلاء لأن مقدماتهم خاطئة، وتصوراتهم مغلوطة، والقاعدة أن الحكم على الشيء فرع من تصوره.


فنحن كأبناء المكون العربي في الجزيرة السورية، كنا وما زلنا إلى اليوم نفرق بين أهلنا وأخوالنا الكرد وبين هذا الحزب، وهذا التفريق ليس سياسياً أو خطاباً إعلامياً، بل نابع من شعور أخلاقي ديني، ويمثل حالة وطنية حقيقية، وفاءً للتاريخ والجيرة والمصاهرة والخُؤُولة. 

بالمقابل، فإن غالبية السوريين كانوا في بداية الأمر يخلطون بين الطرفين، والآن يتم الخلط بينهم على حساب الكرد باعتبارهم جزءاً من الشعب السوري، وعلى حساب الثوار منهم، أو المعارضين للنظام، من خلال تقديم هذا الحزب وستاره "قسد" باعتباره نتاج الحراك الكردي بحثاً عن حقوق المكون المشروعة، وتصوير المكون العربي على أنه ضد حقوق الأكراد، أو معاد لهم!


إن الحق المشروع للأكراد، والذي لا يختلف عليه سوري سويّ، هو أن يكونوا وجميع السوريين على نفس الدرجة بالحقوق والواجبات الوطنية التي يكفلها الدستور للمواطن السوري، وهو ما يؤمن به كل عرب الجزيرة الأسوياء.

كما إن كل عاقل في الجزيرة السورية، والأكراد قبل العرب، يعلمون أن من حاول بث وإحداث وتأجيج فكرة الصراع (العربي-الكردي) هو نظام الأسد عبر تسليحه لهذه العصابة بسبب معرفته بأن جرائم هذا الحزب ستكون مستندة لجذر قومي/عرقي، وسيؤدي لانقسام قومي عرقي في المنطقة، وهذا ما حصل بالفعل.

فعلى سبيل المثال، قامت هذه العصابة وبتاريخ ٤ / ٩ / ٢٠١٤ بتجريف الكثير من القرى العربية في منطقة جنوب الرّدّ بريف القامشلي الجنوبي، التابع لناحية جزعة، وجعلوا بعضها "أثراً بعد عين" وتم طرد وتهجير أهلها منها، ومنهم من هو إلى اليوم محروم من أرضه وأملاكه!


بلغ عدد هذه القرى 13 قرية، وهي:

(جزعة/ﻋﻜﺮﺷﺔ/ﺳﻔﺎﻧﺔ/الزرقا/ﺍﻟﻜﺎﺧﺮﺗﺔ/ﺍلسكيرية/ﺗﻞ سحن/ﻗﺮﻳﺔ ﺍﻟﺒﺸﻮ/اﺑﻮ ﻣﻨﺎﺻﺐ/الحنوة/ﻗﺮﻳﺔ ﺧﻠﻒ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﻨﺠﻢ/ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺍﻟﺤﻨﻮﺓ/ﺧﺮﺑﺔ ﺍﻻﺣﻴﻤر).

أما عن المجازر الجماعية التي ارتكبها البي واي دي، فلدينا (مجزرة الحاجية وتل خليل) التي راح ضحيتها 35 شخصاً جميعهم مدنيون.

كذلك (مجزرة تل براك) في ريف الحسكة والتي راح ضحيتها 33 شخصاً من المدنيين، وجميع هذه الجرائم والمجازر موثقة بالصور والفيديوهات وأسماء الضحايا لدى جهات ومنظمات حقوقية سورية ودولية معنية بهذا الجانب. 

ما سبق لا يعني أن جرائم الحزب اقتصرت على العرب، أو أنه لم يرتكب مجازر وجرائم بحق الأكراد، على العكس كان للأكراد نصيبهم الوفير من إجرامه، ولكن ما يقع بحق العرب من هذه المجازر لا يمكن فهمه أو رؤيته خارج سياق التطهير العرقي، وما يعزز هذه الرؤية هو ما يتسرب من صوتيات وفيديوهات لبعض قادة الحزب أثناء ارتكاب الجريمة وكذلك الخلفية العرقية لهذه القيادات.

ما سبق يؤكد أنه وكما يتوجب على العرب الفرز وعدم الخلط بين الكرد كجماعة ومكون، وبين الحزب أو تنظيم ب ي د كقوة سياسية عسكرية، وعدم الانجرار خلف الخطاب الشعبوي والعرقي والتحريضي الذي يمارسه البعض ضد الكرد عند كل مناسبة، فأرى أنه يقع على إخوتنا الأكراد أيضاً، كأفراد وأحزاب -بصرف النظر عن الموقف من الثورة- عدم الخلط كذلك بين العرب وبين المتطرفين من العرب، وعدم الانجرار خلف بروبغاندا حزب الـ pyd، مع تقديم موقف واضح من محاولة جر الطرفين لحرب لا ناقة لهم بها ولا جمل.

للأسف، فخلال هبّة دير الزور الأخيرة، وبينما نشط السياسيون والناشطون العرب للتحذير من جر المواجهة إلى ميدان الصراع القومي والعرقي، وركزوا على ضرورة التمييز بين الأكراد وبين الحزب، فإن غالبية الناشطين والسياسيين الكرد خافوا من مواجهة هذا التحدي أيضاً بسبب سطوة الـ "بي واي دي" الإعلامية، وسيطرة خطابه الشعبوي، فكان لدينا قلة فقط أظهرت موقفاً واضحاً بهذا الشأن، سواء أفراد أو كيانات، بالرغم من أن هذا الحزب يستخدم القضية الكردية كمحرك لعمله من حيث التعبئة والمشروعية.

التعليقات (3)

    عبدالله الجربا

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    التقرير فيه الكثير من المغالطات. على الرغم من انه صحيح العرب والكرد متصاهرين ويعيشون باجواء اخوية. الكرد لم ينضموا الى جماعات المعارضة المسلحة. الا القة القليلة جدا لانهم لايتقفون مع افكارها السلفية. الكرد لهم تفكير مغاير للعرب من ناحية العادات والتقاليد. فهم اقرب الى الاوربيين من ناحية الثقافة ويحترمون كل الديانات والطوائف وكذلك المرأة. لا اعتقد ان التقرير منصف.

    رويعي غنم

    ·منذ 7 أشهر أسبوعين
    مقال جدير بالقراءة جزاك الله خير على هذا الأيضاح

    عبد الرزاق الشيخ إبر

    ·منذ 7 أشهر أسبوع
    أبو الحارث كفيت و وفيت هذا الحزب هو حزب أممي وليس قومي منذ تأسيسه وأسس منذ البداية لضرب الكرد والترك ببعض ومن ثم نقل مؤسسيه المعركة لضرب الكرد والعرب ومن يجهل هذا الحزب عليه البحث في نشاته والقوة آلتي اسسته.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات