معبر "الحمران" وأهميته لميليشيا الجولاني.. معركة أكبر من الاقتصاد

معبر "الحمران" وأهميته لميليشيا الجولاني.. معركة أكبر من الاقتصاد

ما يزال الوضع العسكري والأمني متأزماً وغير محسوم لأي من طرفي النزاع عند معبر الحمران والقرى المحيطة به، عند خطوط التماس ما بين مدينتي جرابلس ومنبج شمال شرق حلب، حيث يُعتبر هذا المعبر نقطة الاتصال الرئيسية بين مناطق نفوذ مليشيا قسد بما تستحوذ عليه من ثروة سوريا النفطية ومناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني شمال حلب. 

بعيداً عن تفاصيل الفصائل والقوى الصغيرة التي تنقسم أو تندمج وتعيد اصطفافتها كل فترة، ما يؤثر على تبعية كل نقطة من نقاط التماس أو المعابر لهذه الجهة أو تلك، "ويمكن الاطلاع على تفاصيلها في مادة سابقة لموقع أورينت" فإن قوتين رئيسيتين تهيمنان على المشهد العسكري والأمني في المناطق المحررة في إدلب وريفي حلب الغربي والشمالي، الأولى صلبة ومتماسكة وهي مليشيا هيئة تحرير الشام بقيادة "أبو محمد الجولاني" والتي تسيطر على إدلب وما حولها، وقوة أخرى هشة ومفككة لا تملك قيادة مركزية وغير قادرة على اتخاذ قرارات موحدة هي الجيش الوطني بفيالقه الثلاثة والتابعة نظرياً لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة والمرتبطين جميعاً بتركيا وإدارتها للمنطقة. 

معبر الحمران وأهميته


باعتبار أن معبر "الحمران" بات ذا أهمية إستراتيجية كبرى ومطمعاً لمعظم الفصائل والقوى في المنطقة، كونه الطريق الذي تعبره شاحنات النفط والمحروقات من مناطق منابع النفط في الجزيرة السورية التي تستحوذ عليها مليشيا قسد ومناطق سيطرة الجيش الوطني شمال حلب، فإن الصراع عليه بين القوى التابعة "لهيئة الجولاني" والقوى التابعة للجيش الوطني يحمل بصمة الطمع بمكاسب مالية مهمة بعد شح مصادر التمويل في الآونة الأخيرة، إلا أنه ليس السبب الوحيد لتأجج هذا الصراع وليس السبب الأهم أو الأبرز حسب رؤية بعض المحللين المطلعين على خفايا الأزمة وتفاصيلها.    

شكل الصراعات في الآونة الأخيرة

ما تتصف به الصراعات الأخيرة في المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية، مع توقف المعارك الكبرى بعد اتفاق سوتشي لوقف إطلاق النار الذي وقّعته تركيا وروسيا مطلع عام 2020، هو المعارك بين القوى والفصائل على بسط النفوذ والسيطرة على الموارد المحدودة للمنطقة على رأسها المعابر الحدودية، سواء المعابر مع تركيا أو المعابر ما بين مناطق نفوذ القوى المسيطرة على الأرض السورية، وهي "مليشيا أسد - مليشيا قسد - مليشيا هيئة تحرير الجولاني - الجيش الوطني وما ينضوي تحته من فصائل وقوى ومليشيات". 

الكاتب والمحلل السياسي د. باسل معراوي يرى أن "هيئة تحرير الشام" تخشى أن تكون ضحية المرحلة الجديدة التي من المتوقع أن تشهدها الساحة السورية، وهي التقارب الأمريكي التركي وما سيتمخض عنه من محاولة فرض رؤيتهما المشتركة على القوى المتحكمة بالمنطقة وفي مقدمتها "هيئة الجولاني قسد"، وهو ما بدأته الولايات المتحدة حسب ما يرى معراوي من خلال محاولة تحجيم دور مليشيا قسد شرق الفرات عبر السماح بتمرد العشائر العربية ومطالبتها المشاركة بشكل فعال في إدارة المنطقة اقتصادياً وإدارياً، ما دفع "الجولاني" إلى استباق الأحداث ومحاولة اتخاذ موطئ قدم لمليشياته في مناطق التماس مع مليشيا قسد، التي تستشعر ذات المخاوف وتشاطره ذات الرؤيا.     

هذا التحليل لأسباب اندلاع المعارك في المنطقة الواقعة ما بين مدن جرابلس والباب ومنبج شرق حلب على معبر "الحمران"، يأخذنا بعيداً عن الخلاف الظاهر بين الفصائل والقوى، والذي تتركز مقولته الأبرز في الشارع السوري "بالمنافسة على الموارد المالية المتاحة" وهي مقولة صحيحة بالتأكيد، لكنها ليست العامل الأبرز والأهم في المعركة الحالية حسب رأي وائل علوان  الباحث في مركز جسور للدراسات، الذي يرى أن المعركة الحالية ليست كما المعارك الفصائلية السابقة على المعابر والتي كانت تتمحور حول كسب موارد اقتصادية، إذ إن توجّه " تحرير الشام" للسيطرة على معبر الحمران لا يرتكز على هذه النقطة وحسب إنما هو جزء من النفوذ الذي تسعى إلى ترسيخه والتأكيد عليه في المنطقة.

كما أكد علوان أن هناك هدفاً أبعد، وهو الحرص على مكاسب سياسية ومكاسب أمنية عبر الوجود المباشر " لتحرير الشام" على خطوط التماس لفصائل المعارضة مع  قسد، تمهيداً لأي تحركات قادمة لتركيا ضد "مليشيا قسد" شرق الفرات أو بمناطق وجودها في منبج شرق حلب، حيث تريد الهيئة أن يكون لها دور ونفوذ في أي استحقاق قادم من الممكن أن تتجه إليه المنطقة هناك في المستقبل.    

  
الموقف التركي


موقف تركيا وهي صاحبة النفوذ الأكبر في المنطقة كان ضبابياً وغير واضح في معظم الصراعات الداخلية بين الفصائل، حيث آثرت القيادة التركية اتخاذ موقف الحياد الظاهر على الأقل في أغلب هذه المعارك والخلافات، بدءاً من معركة السيطرة على معبر باب الهوى بين ميليشيا الجولاني وحركة أحرار الشام وصولاً إلى المعارك التي دارت بين كل من الجبهة الشامية والفيلق الثالث من جهة وفصائل العمشات والحمزات بدعم من الجولاني من جهة أخرى، في عفرين وكفر جنة وصولاً إلى تخوم مدينة اعزاز أواخر العام 2022، وهو ما ينطبق على معظم الخلافات الفصائلية بين هاتين المعركتين، لكن مؤشرات على تغيّر في النهج التركي بدأت تظهر في المعركة الحالية واتضاح موقف تركي صارم في هذه القضية تمثل في نقطتين رئيسيتين: 
النقطة الأولى هي مشاركة ضباط أتراك مع قيادات من الجيش الوطني في المفاوضات مع الفصيل المتمركز عند معبر الحمران والمنطقة المحيطة والتابعة لميليشيا الجولاني.

 
النقطة الثانية قصف الطيران المسيّر التركي لموقع للمليشيات التابعة لهيئة الجولاني ومقتل ثلاثة أشخاص بينهم قيادات تتبع للجولاني مباشرة حسب مصادر محلية مطلعة في إحدى القرى القريبة من معبر الحمران، حيث تتمترس هذه القوات وترفض الانسحاب من المنطقة وتسليمها لوزارة الدفاع والجيش الوطني المدعوم من تركيا. 

هل أخطأ الجولاني التقدير؟  


يُعرف زعيم ميليشيا هيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" بقدرته الكبيرة على المناورة والتلون وتغيير المواقف والنهج بغية تحقيق أهدافه بالسيطرة والنفوذ وفرض نفسه وفصيله كقوة فاعلة ومؤثرة وصولاً إلى الهيمنة الكاملة على المناطق المحررة، الرؤية التي يجتمع عليها أغلب المحلّلين والمتابعين للشأن السوري، حيث تمكّن من اختراق العديد من الفصائل التي واجهته في الماضي وتمكّن من تقسيمها وتفتيتها ومن ثم ابتلاع بعضها وإنهائها بالكامل، وهو ما حدث حسب مراقبين للفيلق الثالث والجبهة الشامية التي واجهت "ميليشيا الجولاني" الذي استغل محاولة ضبط ومحاسبة فصيلي السلطان سليمان شاه والحمزات، بعد تورطهما بقضية اغتيال الناشط "أبو غنوم" وأدخل قواته إلى عفرين وقراها دعماً لهذين الفصيلين وثبّت أقدامه في أماكن كان يصعب عليه الوصول إليها، وعندما لم يتمكن من تجاوز حاجز كفر جنة وصولاً إلى مدينة إعزاز التي تُعتبر عاصمة شمال حلب، تمكن بعد عدة أشهر من اختراق الجبهة الشامية ودعم من خلف الستار تشكيلاً جديداً هو "تجمع الشهباء" الذي يتكون معظم مقاتليه من فصائل انشقت عن الجبهة الشامية والفيلق الثالث التابع للجيش الوطني. 


يرى عبد الوهاب عاصي الباحث في مركز جسور للدراسات أن "الجولاني" أخطأ في تقدير نقطتين عند دفعه بالمجموعات التابعة له شمال شرق حلب لمحاولة السيطرة على معبر "الحمران". 
النقطة الأولى: هي عدم تقديره لأهمية البعد الجغرافي بالنسبة لتركيا، إذ تعتبر نقاط التماس بين قوات الجيش الوطني التابع لها وقوات قسد نقاط ذات بعد أمني وعسكري بالغ الأهمية بالنسبة للجيش والمخابرات التركية، ولن تسمح مطلقاً لأي قوة لا تسيطر على سلوكها بشكل كامل من الوجود في هذه النقاط. 


ويرى عاصي أن النقطة الثانية التي أخطأ فيها "الجولاني" هي البعد الفصائلي، فمعركته التي شنها على فصيل السلطان مراد الذي يقود الفيلق الثاني التابع للجيش الوطني، من أجل انتزاع معبر الحمران، هي معركة خاطئة وخاسرة، كون فصيل السلطان مراد وقائده "فهيم عيسى" أحد أقوى حلفاء تركيا في المنطقة والذراع التي يعتمد عليها الجيش والمخابرات التركية حسب وصف السيد عاصي. 

ربما يكون السعي المحموم "للجولاني" من أجل نقل نفوذه من إدلب ومحيطها المعزول نسبياً والمرتبط بتفاهمات صامدة منذ أكثر من ثلاث سنوات بين روسيا وتركيا، إلى العمق السوري في شرق حلب والمتصل مع شرق الفرات، حيث الموارد والأحداث الملتهبة المتوقعة مستقبلاً خاصةً مع التغيرات التي تشهدها المنطقة من معارك بين العشائر العربية وميليشيا قسد وظهور بوادر تغيرات في النفوذ والسيطرة، إضافة لبروز مواقف جديدة للولايات المتحدة يرتبط بعضها بتفاهمات محتملة مع تركيا في المنطقة، كل هذه العوامل من الممكن أنها دفعت "الجولاني" نحو المخاطرة والظهور بشكل شبه علني عند نقاط التماس شرق حلب.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات