انتفاضة السويداء.. لابديل عن الهوية السورية

انتفاضة السويداء.. لابديل عن الهوية السورية

على ضوء اشتعال الثورة من جديد في جبل العرب متابعة مسار الثورة التي قامت في عام 2011، فقد كان الجبل قبل هذه الانتفاضة مسكوناً كما كل الأقليات بهاجس الهوية.

ورغم انتماء سؤال الهوية إلى التاريخي والثقافي والعقائدي ولكن السويداء التي تقطنها الطائفة الدرزية أو المعروفية أو الموحدين الإسلام الدروز يبدو سؤال الهوية عندهم مهم جداً وخاصة في ثورة على نظام أفسد الكل والأجزاء والعام والخاص.


وسنحاول أن نبين كيف تبدو الهوية في جبل العرب ذات دلالات متعددة، ومعاني عميقة بالمعنى التاريخي والثقافي، والهوية أيضاً هي وظائف في غاية الحساسية، وخاصة الآن فدورها يستنهض الروح الوطنية.


ويمكن هذا الدور من استنهاض الروح الوطنية ورافعة للنضال في سبيل الوطن، ولما كانت الهوية مرتكزات ثابتة. تتعين دائماً حسب هذه المرتكزات والهوية منطوية دائماً على التميز والخصوصية 
وتعبر عن الاختلاف فهنا كان للنظام ملعب الخبائث والتجييش والإشاعة والتشكيك والاتهام.

 
وتظهر هوية الدروز رغم مكتسبها الثقافي المركب والمعقد بأنها هوية بدات تتلمس ذاتها بأنها جماعة تنتمي إلى نفس الجذر الذي ينتمي له العرب والإسلام، زماناً ومكاناً، وبفعل الظروف التاريخية للمسلمين والصراعات وتعاقب الدول، أخذت هوية الدروز خصوصيتها وصفاتها المميزة.


والمتتبع لتاريخ هذه الطائفة يرى بوضوح أنه رغم الاختلاف في الهوية التي اكتسبت معظم معانيها من المذهب إلا أن جذرها المشترك الأعظم هو ظاهرة التعايش مع الهويات الأخرى، الأمر الذي جعلهم حساسين لقضايا الأمة.


ولكن ككل الطوائف والأقليات حشرها حزب البعث في السرديات المغلقة وفي أغلال الإيديولوجيات، وحاول أن يزيف الهوية، إلى درجة الفصل الكامل عن الأكثرية، ليستعمل ذلك فيما بعد 
كما ظهر في الثورة السورية كحامٍ للأقليات ومحارب للإرهاب بحجة أن الأقليات مهددة وجودياً من قبل الأكثرية، والأكثرية هنا هم السنة .


وفي بداية الثورة، حفر النظام على الأسس والثوابت، ليحول الهوية، إلى هوية مرتبكة مرتجة متعصبة مع أهلنا في حوران، لكن عقلاء الجبل تجاوزوا أفاعيل النظام وأدركوا المرمى والهدف من خلق ذلك الصراع.

إذا أدركنا نحن الدروز أن إحلال القول العقائدي على حساب الدولة المعاصرة القائمة على المواطنة والمساواة هو دأب النظام، وأدركنا أنه لاحل إلا بدولة وطنية، ولا يمكن لدولة معاصرة أن تبنى إلا على العقد الاجتماعي ودستور ضامن للعدالة والمساواة وفي الوقت الذي أخذت فيه الثورة تتأرجح  بين مد وجزر.

  
كانت النخب المثقفة تنتقد وتحاول إعادة منح الهوية الخاصة بعدها المنفتح والمتعلق على وجه الخصوص بالتراث والتاريخ، وذلك من أجل بناء دولة الحرية، وأدرك المجتمع وهو في ذروة الحراك من اعتصامات ونشاطات ثقافية أو حوارات بينية وعامة أن الاستبداد يبلغ ذروة عنفه عندما يجعل من الهوية الطائفية والمذهبية عقيدة منغلقة تنفي الآخر إلى حد الإلغاء وأدرك الجميع أن قدرة النظام  في استغلال البعض من الدروز. كان بسبب تغييب الحياة السياسية  والثقافة النقدية وفي لحظة تسارع الخراب السوري كان الهم والأزمة قد بلغا حداً غير مسبوق.


إن الضرورة تقتضي وضع البلد الراهن المكدود بالخسارة والفشل بالرعاية الخاصة، وإعادة التفكير بقراءته من جديد لإدراك الماضي بأنه لا يحمل أجوبة، ناجزة عن المستقبل 
ولا يكون التاريخ جزءاً من الهوية  إلا إذا استمر حاضراً كمنتج للوعي والمعرفة، وأن الأحداث العظيمة لا تصنع  في غرف مغلقة، ولا في أوهام السرود والأساطير، وإنما التاريخ حي متحرك ومتطور ويضيف باستمرار  لعملية الانتماء والأصالة. وأن الظرف مناسب للعمل من أجل حرية الوطن بكل الوسائل. وأن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه. وأن ضمان الأقليات والأكثريات لا يكون إلا في مناخ الحرية والإيمان بالاختلاف والتعددية.

 ورغم الألم والخسائر الفادحة، تأتي عشر سنوات من الثورة ويزيد شرطاً لفتح المغاليق على الثابت والمستتر. ويظهر أن تحرير سورية هو عمل جماعي يتطلب. اجتماع كل المكونات  الطائفية والثقافية لنحدث توليفة معاصرة تنجز فرقاً.

 
 ولا بد أن نثق بأن حراكاً يبدأ بكبار السن ويستمر أشهراً في أجواء البرد القارس وتحت عين الرقابة والأمن الذي لا يعرف الرحمة لابد أن يترك أثراً، وأثراً عميقاً يتحول بسببه المجتمع بأغلبيته، إلى منجز للانتفاضة التي تماهى فيها الثقافي مع الوطني مع الديني، ولا بد أنها ستصنع وطناً حراً ولو بعد حين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات