النظام وسياسة قفص الصيصان

النظام وسياسة قفص الصيصان

يُحكَى أن حاكماً أراد أن يختبر ابنه وريثه في الحكم، فأعطاه قفصاً مليئاً بالصيصان، وطلب منه أن يفتح لها باب القفص لتخرج ثم يعمل على جمعها وإعادتها إليه، فقام الأمير الصغير بفتح الباب فانطلقت الصيصان من القفص في كل اتجاه في باحة القصر وعندما أراد جمعها وإعادتها استغرق ذلك منه وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً ليعيد قسماً منها فقط؛ إذ اختفى بعضها في دهاليز القصر وحديقته.

فجاء الحاكم إلى ابنه وكان يراقب ما يفعل، فقال له: يا بني ما كان عليك أن تفعل ما فعلت، قبل أن تقوم بعمل تستوجبه السياسة ودهاؤها، ثم أمر بقفص جديد مليء بالصيصان، وطلب من ابنه الوريث أن يراقب.

فأخذ الحاكم القفص بين يديه وهزّه هزّاً عنيفاً للحظات، ثم فتح باب القفص وأخرج الصيصان، فلم تبتعد كثيراً وبقيت حول القفص بسبب فقدان وعيها بعد الهز العنيف الذي لقيته، فقام الحاكم بإدخالها إلى القفص مرة أخرى بسهولة وبسرعة فائقة، ثم قال لابنه: يا بني هكذا تُدار الدولة، وإذا كنت تريد أن تنجح في حكم البلاد من بعدي، فعليك أن تستخدم الأسلوب نفسه مع الشعب حتى تستطيع قيادته والتحكّم به.

قصة ربما تكون طويلة قليلاً، لكنها ضرورية للدخول في صلب موضوعنا في هذا المقال.

إن نظام الأسد منذ خمسين سنة يستخدم هذا الأسلوب في إدارة الدولة، فهو يختلق الأزمات والمصائب إذا ما أحسّ بقوته تضعف ومكانته تهتز.

فمنذ قيام الثورة السورية عام 2011 والنظام كلما ضاقت عليه وأحس بالضعف، فجّر هنا، أو خرّب هناك، حتى يعيد الصيصان إلى القفص.

في هذا السياق يأتي تفجير الكلية الحربية أمس، فنظام الأسد بدأ يحس بانفراط عقد مواليه بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها وعدم استطاعته تلبية الحاجات الأساسية للمواطن حتى يستطيع الاستمرار في الحياة.

وخشية من الانفجار وخروج الناس إلى الشارع والانضمام إلى حراك السويداء، قام بهذه العملية القذرة، وقتل عدداً من مواليه وحاضنته الشعبية؛ ليقول لهم: هذا هو الإرهاب الذي أحاربه من أجلكم، فانظروا ماذا فعل بكم في لحظات وقتل منكم العشرات وجرح المئات، فليس لكم سواي، وعليكم الالتفاف حولي، فيضطر هؤلاء بعد هذه الهزة العنيفة إلى العودة إلى القفص.

درس في الإدارة لا أدري من علّمه للآخر، النظام أم الشيطان؟.

هذه الأساليب الشيطانية حقيقة لا يتقنها إلا نظام الأسد في المنطقة، إنه بها كبير الكهنة، ومعلم الكار، والكل يتعلمون منه سياسة القفص والصيصان.

لكن إلى أي مدى يمكن للنظام أن يبقى مواظباً على استخدام هذا الأسلوب؛ ليبقى مسيطراً؟.

ثم بالنظر إلى الساحة السورية المشتعلة، وإلى القوى المسيطرة عليها، نستطيع استنتاج عجز المعارضة عن القيام بهذا العمل الذي يحتاج إلى قدرات دولة، بدءاً من الاستخبارات والقيادة والسيطرة إلى أداة التنفيذ وهي الطائرات المسيرة، وهذا كله لا تملكه قوى الجيش الوطني في الشمال، والقوى الأخرى في الساحة، والنتيجة لا تشير إلا إلى النظام وحلفائه الإيرانيين؛ إذ لا مصلحة للقوى المعارضة أن تقوم بقصف مكان فيه مدنيون وتؤلّب الرأي العام العالمي والمحلي عليها، فلا مصلحة في هذا العمل إلا للنظام وحلفائه معه.

ولعلي أستطيع الجزم بأن سبب قيام النظام بهذا العمل هو أن الدائرة بدأت تضيق شيئاً فشيئاً عليه، وبدأ يحس باقتراب ساعة انهياره، فراح يضرب يميناً ويساراً علّه يستطيع تمكين قبضته من جديد، لكن هيهات هيهات، فالزمن لا يعود إلى الوراء، مهما عمل وتفنن في تشيطنه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات