عن حملة معتقلي فلسطينيّي سوريا في سجون بشار الأسد

عن حملة معتقلي فلسطينيّي سوريا في سجون بشار الأسد

أطلقت تجمعات وهيئات أهلية في مدينة إعزاز أيلول سبتمبر الماضي حملة للكشف عن مصير المعتقلين والمخفيّين قسرياً من فلسطينيّي سوريا في سجون ومعتقلات نظام بشار الأسد.


الحملة التي رسمت لها خارطة طريق واضحة مفتوحة زمنية بجهود ونشاطات وفعاليات متعددة المستويات والأبعاد، قانونية وسياسية وديبلوماسية وإعلامية وشعبية من أجل تشبيك وتنسيق العمل للكشف عن مصير فلسطينيي سوريا في سجون بشار الأسد، قدمت أرقاماً ومعلومات صادمة عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحقهم حيث آلاف المعتقلين 3076 ومئات المفقودين 333، والقتلى 633، مع أعداد أخرى غير موثقة بسبب المخاوف الأمنية لأهالي ضحايا الاعتقال التعسفي والتغييب القسري، علماً أننا نتحدث عن آلاف آخرين بالحد الأدنى.

 


بدت الحملة لافتة شكلاً ومضموناً، ومن حيث الإطار لا شك أن قضية المعتقلين من فلسطينيي سوريا لم تنل ما تستحقه من اهتمام وعمل جدي من المؤسسات والأطر القيادية الفلسطينية، والأمر منوط أصلاً بمنظمة التحرير "باعتبارها"، وهي تقدم نفسها أصلاً كقيادة ومرجعية عليا للشعب الفلسطيني بأماكن وجوده المختلفة، كما الفصائل التي تدعي كذلك شرعية تمثيلها للفلسطينيين، علماً أن الاعتقال والقتل والتغييب والإخفاء القسري لا يقتصر على فلسطينيي سوريا فقط، وإنما يطال شرائح مختلفة، ويمكن الحديث على سبيل المثال لا الحصر عن حالة المعتقل الصحفي مهيب النواتي التي لم تحرك المنظمة والفصائل ساكناً رغم نداءات أهله ومحبيه للكشف عن مصيره، ورغم انتمائه إلى حركة فتح كبرى فصائل المنظمة والحاكمة والمتحكمة بالسلطة برام الله.

 


إلى ذلك، يبدو لافتاً الصمت المطبق للطبقة "النخبة" الفلسطينية خاصة بالداخل، "الضفة وغزة" بمكونتها المختلفة، من سياسيين وناشطين وصحفيين وإعلاميين وحقوقيين ليس فقط تجاه الحملة الأخيرة، وإنما تجاهل قضية المعتقلين بحد ذاتها وفلسطينيي سوريا بشكل عام والاستنتاج المؤلم. هنا أن الطبقة كلها تبدو منحازة إلى نظام الأسد وروايته كما أنظمة الاستبداد والثورة المضادة بالعالم العربي، حيث تتصرف قيادة المنظمة والسلطة والطبقة كلها للأسف-مع استثناءات تثبت القاعدة- باعتبارها عنصراً وعضواً مركزياً فيها.

 


في الإطار العام نتحدث عن مبادرة محمودة رغم أنها جاءت متأخرة أقله بالمستوى الجماعي المنظم، علماً أن الهيئات والجمعيات المنضوية فيها قامت بنشاطات وجهود فردية معتبرة لرفع الصوت عالياً تجاه مشاكل وأوضاع وأزمات فلسطينيي سوريا بشكل عام، ولإبقاء قضية المعتقلين على جدول الأعمال طوال السنوات الماضية، وبإمكانيات متواضعة ومحدودة مع الإشارة مثلاً إلى جهود مقدرة لمجموعة العمل وتجمع مصير ورابطة الفلسطينيين المهجرين بالشمال السوري.

 


من هذه الزاوية، يبدو لافتاً ومعبراً جداً إطلاق الحملة من مدينة إعزاز بالشمال السوري تحديداً، وهو أمر لافت ليس شكلاً ومكاناً، وإنما مضموناً أيضاً نفسياً وسياسياً وإعلامياً.

 


جاء إطلاق الحملة بالتزامن مع اليوم العالمي للإخفاء القسري، ما أعطى زخماً إضافيا لها وشكّل مناسبة لتسليط الأضواء على قضية معتقلي فلسطينيي سوريا المنسيّين في معتقلات بشار الأسد.

 


تزامنت الحملة كذلك مع تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة وبغالبية ساحقة قرار تشكيل لجنة خاصة للكشف عن المغيبين والمخفيين قسرياً في سوريا كي لا يتم تجاهل أو غض الطرف عن المغيبين من فلسطينيي سوريا مع استعداد الحملة للتعاون مع اللجنة وتزويدها بما يلزم من تفاصيل ومعلومات وإحصاءات عن الفلسطينيين المعتقلين والمغيبين قسرياً بسجون الأسد.

 


في المضمون، وكما تحدثت الحملة في بيان إطلاقها فهي تأتي أساساً ووفاءاً وتخليداً لذكرى الضحايا وأسرهم وذويهم ومحبيهم ولمحاسبة المجرمين والقتلة على جرائمهم.

 


كما تأتي الحملة كذلك وفاءاً ودعماً للمعتقلين والمخفيّين قسرياً، ورسالة إنسانية لهم ولأهلهم وذويهم بعدم نسيانهم وتجاهل قضيتهم ومواصلة العمل والنضال من أجل الكشف عن مصيرهم وإنقاذهم، وبالطبع محاسبة الجلادين والمسؤولين عن عذاباتهم ومعاناتهم والتزاماً راسخاً بقضيتهم العادلة والقيام بالواجب الإنساني تجاه ذويهم ومحبيهم.

 


مضموناً، نحن بالتأكيد أمام إحصائيات صادمة فيما يخص أعداد القتلى والمعتقلين والمخفيين قسرياً من فلسطينيي سوريا تلامس الـ10000 على الأقل، علماً أن المحصلة النهائية أعلى من ذلك بكثير، وبإمكاننا الحديث عن قتلى ومعتقلين ومخفيين أو مغيبين ومطلوبين للتحقيق بحدود 50 ألفاً، أي ما يتجاوز 10 بالمائة من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وبإضافة من تم جلبهم والتحقيق معهم فعلاً واعتقلوا لفترات متفاوتة وجرى إطلاق سراحهم فيما بعد، فتلامس النسبة عندئذ 25 بالمائة من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهي نسبة كبيرة بالطبع تظهر بطش نظام الأسد واستهدافه المنظم والمنهجي والمتعمد لهم.

 


وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار المهجرين والمشردين والمدمرة بيوتهم نجد أنفسنا أمام الغالبية العظمى من اللاجئين، مع التذكير على سبيل المثال بتدمير مخيم اليرموك وتشريد أهله ومنع إعماره وعودة أهله وناسه إليه بالمعنى الحقيقي والجاد للكلمة، علماً أنه مثّل تاريخياً عاصمة الشتات واللجوء ليس في سوريا وإنما المنطقة والعالم بشكل عام.

 


في السياق، لا بد من التذكير بحقيقة سعى نظام الأسد ومنذ اللحظات الأولى للثورة إلى معاقبة اللاجئين الفلسطينيين بحجة عدم الانحياز له وتبني روايته أو التحوّل لمخبرين له، ومبادرتهم بالمقابل إلى القيام بواجباتهم تجاه أشقائهم وسوريا العظيمة، والتعبير عن العقل الجمعي للاجئين، والقناعة الراسخة أن لا خلاص وعودة لفلسطين دون خلاص سوريا وبقية حواضرنا التاريخية الكبرى من أنظمة الاستبداد والفساد الساقطة والفاشلة التي تعتمد على الغزاة الأجانب على اختلاف مسمياتهم بمن فيهم "إسرائيل" سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً للبقاء في السلطة رغماً عن إرادة ورغبات الشعوب.

 


إذن لا شك أننا أمام حقيقة استهداف وقتل وتغييب وتهجير منهجي متعمد للاجئين من فلسطينيي سوريا وتدمير مخيماتهم وشطب حق عودتهم عن جدول الأعمال، ما ينفي ويهدم وينسف خطاب النظام وحلفائه عن الممانعة والتحرير مركزية القضية الفلسطينية العادلة والمحقة.

 


وبالتأكيد لا يمكن تحرير فلسطين مع هذا الكم الكبير والصادم من القتل والاعتقال والإخفاء القسري والتنكيل بفلسطينيي سوريا. ومنهجياً وإستراتيجياً وبصورة أوسع كيف يمكن فعل الأمر نفسه" القتل والتغييب القسري-للسوريين والعراقيين والمصريين؟ ومن ثم الحديث عن تحرير فلسطين؟ ولمن سيتم تحريرها؟.

 


في الأخير باختصار وتركيز لا تزال حملة معتقلي فلسطينيي سوريا في بداياتها، الأولى وهي مفتوحة زمنياً ومكانياً مع خطط وتصورات وخريطة طريق واضحة تتضمن نشاطات باتجاهات وأبعاد قانونية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية وجماهيرية وشعبية لإبقاء القضية على جدول الأعمال وعدم نسيانها وإيصالها إلى المنظمات الدولية والأمم المتحدة.

 

مع انتباه الحملة إلى أهمية القيام بجهود فردية وجماعية أمام الرأي العام العالمي، والمطالبة بمحاسبة المتورطين عن الجرائم بحق الضحايا والمعتقلين والمخفيين قسرياً، والكشف عن مصيرهم، وهذا عملياً مرتبط بمصير المعتقلين والمغيبين والمخفيين قسرياً من إخوانهم السوريين. كون القضية واحدة والنضال واحد، والانتصار واحد وحتمي بإذن الله.

التعليقات (1)

    عامر

    ·منذ 6 أشهر أسبوع
    هل يوجد صهاينة بين واضعي عدم الاعجاب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات