تاريخ القسّام في الذاكرة الفلسطينية وحاضر "مشعل" و"هنيّة"

تاريخ القسّام في الذاكرة الفلسطينية وحاضر "مشعل" و"هنيّة"

استمرّت صحيفة أو "جريدة الجامعة العربية" حتّى أغلقتها سلطات الانتداب البريطاني بعد اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، واعتُقِل مؤسّسها الشاعر والمناضل الفلسطيني "منيف الحسيني" مع عدد كبير من الأدباء والسياسيين الفلسطينيين.

كانت الصحيفة منذ تأسيسها لسان الحركة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية في وجه الاستعمار البريطاني، وكتب فيها كبار الكتّاب الفلسطينيين والعرب، ولقد شدّدت على هذه الرؤية منذ عددها الأوّل في 20 كانون الثاني 1927، الذي أكّدت فيه أنّها: (لن تكون تابعةً لحزب أو لشخص بل لخدمة الوطن أجمع، كما إنّها لن تخوض في التراشق بقدر ما ستتّبع النزاهة وتفسح صدرها للجميع)، ولقد ركّزت الصحيفة على نقل الأخبار الفلسطينية واهتمّت بقضايا العالم العربي، حتّى أفردت في كلّ عدد منها زاويةً خاصّة بكلّ دولة عربية. 


يوم الثالث من كانون الثاني سنة 1936 أوردت صحيفة أو جريدة الجامعة العربية هذا الخبر: (يحتفل أبناء فلسطين بإحياء ذكرى مُجاهد من "سوريا الشمالية" سقط شهيداً في سبيل استقلال "سوريا الجنوبية"، بل لقد قاد حملة جهاد لعلّها الأولى في تاريخ الإسلام الحديث في فلسطين وسوريا والشرق العربي بأسره). 


نعم.. كانت "فلسطين" و"الأردنّ" أيضاً تدعى بسوريا الجنوبية، وسوريا بحدودها السياسية الحالية إضافةً إلى "لبنان" كانت تدعى بسوريا الشمالية، وكلّها معاً "سوريا" أو بلاد الشام، وأمّا المجاهد الشهيد الذي كانت الجريدة في عامها الأخير تحتفي بإحياء ذكراه فهو "عزّ الدين بن عبد القادر القسّام". 

 

وُلد "عزّ الدين القسّام" سنة 1882 في "جبلة" الواقعة جنوب مدينة "اللاذقية" لأسرة كريمة ومتديّنة، وحاز على شهادة الإجازة في التعليم الشرعي من جامعة الأزهر قبل أن يتمّ العشرين من عمره، ثمّ عاد إلى "سوريا" فاشتغل في التدريس والإرشاد الديني، واشترك في مقاومة الاستعمار الفرنسي 1920، ثمّ غادر إلى "فلسطين" واستقرّ في مدينة "حيفا" ليعمل مدرّساً في مدرسة البرج الإسلامية وخطيباً في مسجد الاستقلال، شارك بعدها في تأسيس جمعية الشبّان المسلمين ثمّ ترأّسها، وفي 1930 شكّل "القسّام" حركة الجهاد والمقاومة ضدّ الاحتلال البريطاني والاستيطان اليهودي لفلسطين، وفي 1935 أعلن "القسّام" ورفاقه خروجهم من السرّية إلى العلن، واستشهد في نفس السنة إثر معركة "يعبد" في "فلسطين"، وشيّعه عشرات الألوف من الفلسطينيين.  


هذه نبذة بسيطة عن حياة "عزّ الدين القسّام" المؤسّس الأوّل والأب الروحي للمقاومة الإسلامية الفلسطينية، الرجل الذي كان لمقتله الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى 1936، والذي ألهبت سيرة حياته وجهاده وصدقه وعزمه واستشهاده حماس الشباب الفلسطيني المسلم طوال عقود بعد ذلك، حتّى أسفر ذلك الحماس الإسلامي الوطني الصادق عن بزوغ "حركة حماس"!.  


"حماس" التي تعني حروفها: ح حركة، م مقاومة، س إسلامية، تأسّست مع نهاية العام 1987، وكان السبب المُباشر لتأسيسها أو للإعلان عن تأسيسها حادثة قتل أربعة عمّال فلسطينيين عمداً بواسطة شاحنة يقودها سائق إسرائيلي متطرّف، ما عُرف وقتها بحادثة المقطورة 8 كانون الأوّل 1987، وبالطبع كانت الأسباب غير المباشرة هي الأسباب المستمرّة الحاضرة، القتل والقصف، الاحتلال والتنكيل والاعتقال، غصب الأراضي وهدم البيوت واستهداف كرامات الفلسطينيين وإذلالهم، فاندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نفس يوم تلك الحادثة، انتفاضة أطفال الحجارة التي لم تتوقّف حتّى 1991 عند توقيع اتّفاق أوسلو بين منظّمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، الاتّفاق الذي اعترفت بموجبه المنظّمة بحقّ "دولة إسرائيل" في العيش بسلام وأمن، وما أقرّت فيه "إسرائيل" للفلسطينيين سوى بحقّ إقامة حكم ذاتي، وليس بدولة ذات سيادة. 


اعتبرت حركة حماس اتّفاق أوسلو باطلاً مشؤوماً، فلقد أعطى حقّاً للاحتلال الإسرائيلي بالسيادة على 78% من أرض فلسطين التاريخية، واعتبرت الحركة أيضاً أنّ ما بُنِيَ على باطل فهو باطل، ولا للاعتراف بإسرائيل وبالطبع لا للاتّفاق معها.


أسّس الشيخ "أحمد ياسين" حركة حماس وصرّح: (لم يكن لدينا علاقة بالإخوان المسلمين في مصر في أيّ يوم من الأيّام)، لكنّ الحركة اعتُبرت  في ميثاق تأسيسها الأوّل 18 آب 1988 أنّها (الإخوان المسلمون في فلسطين)، داعيةً إلى إنشاء دولة إسلامية في فلسطين بدل إسرائيل، وإلى حلّ هذه الأخيرة أو طمسها، مع التأكيد على أهمّية الجهاد وعبثية المبادرات والاتّفاقيات مع "العدوّ الإسرائيلي" بالمطلق، ومع حلول 2008 بدأ قادة حماس يطلقون تصريحات وأقاويل أخرى متناقضة وبالجملة، ابتداءً من تصريح إسماعيل هنيّة بموافقة حماس على قبول وجود دولة فلسطينية بحدود 1967 والهدنة الطويلة مع إسرائيل، وتصريح لاحق لمحمود الزهّار أنّ هذا الحديث هو عن مرحلة فقط لاستعادة الأرض الفلسطينية كاملةً، وما قاله خالد مشعل حول القدس التي ليست شرقيةً ولا غربيةً لكنّها مدينة موحّدة وهي عاصمة فلسطين، وغيرها الكثير من التصريحات أو الأقاويل!. 


سنة 2010 قال "مشعل" أيضاً وكان زعيم حماس وقتها: (إنّ ميثاق حماس جزء من التاريخ ولم يعد ذا صلة، لكن لا يمكن تغييره لأسباب داخلية)، وقبل ذلك بأربع سنوات في 2006 اقترحت قيادة حماس برنامجاً حكومياً فلسطينياً جاء فيه: (إنّ الاعتراف بإسرائيل ليس من اختصاص فصيل فلسطيني واحد، ولا من اختصاص الحكومة، بل هو قرار الشعب الفلسطيني)، ثمّ وفي ميثاق حماس الجديد 2017 وافقت الحركة على إقامة دولة فلسطينية في غزّة والضفّة الغربية والقدس الشرقية، أي وفق حدود 1967، وقال "مشعل": (إنّ نضال حماس موجّه ضدّ الاحتلال الصهيوني والمؤسّسة الصهيونية، وليس صراعاً مع اليهود أو اليهودية)، وأسقطت حماس جميع الإشارات إلى الإخوان المسلمين بعد أن صنّفتها مصر وبعض دول الخليج العربي منظّمةً إرهابية.

سنة 1991 غيّرت حماس اسم جهازها العسكري (المجاهدون الفلسطينيون) ليصبح (كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام)، الكتائب التي استوحت قياداته إلى حدّ كبير طريقة عمل "عزّ الدين القسّام" الجهادية التي قسّمها إلى مراحل: الدعوة، التدريب العسكري، التموين، الاستخبارات، والعلاقات الخارجية، وما زال برنامج العمل هذا قائماً إلى حدّ كبير حتّى الآن، لكنّ برنامج "القسّام" لم يتضمّن أبداً مشروعاً للسلطة أو التسلّط، وما عُرف الرجل الشهيد أو عُرِف عنه سوى السعي المخلص للخلاص من الاحتلال وتحرير الأرض واستعادة الحقوق. 


كان "عزّ الدين القسّام" مقاوماً للاحتلال ومجاهداً في سبيل الله، باع بيته لشراء السلاح وشارك بنفسه قي كلّ معركة تمكّن من المشاركة بها، ومات ولم يخلّف مُلكاً ولا مالاً، ومن أجمل ما قيل فيه ما كتبه السياسي والكاتب والمفكّر الفلسطيني الشيوعي "عبد الغني الكرمي" في صحيفته "الصاعقة الفلسطينية" التي تأسّست سنة 1935: (عرفتُه بعد أن أثقلت كاهله السنون، وأربى على الستّين، ولكن مجالدة الدهر ومقارعة الحوادث وصروف الزمان ما ألانت له قناة، وما أذلّت له جناحاً لأحد، وما زادته إلا ورعاً وتقوى، كان يمشي مطأطئ الرأس من خشية الله، وكان يتكلّم في هدوء وتواضع واتّزان، سمة العالم الواثق من نفسه، المؤمن برسالته، الحريص على تقوى الله وبثّ التعاليم الدينية الصحيحة بين الناس، وما سمعتُه على طول صلتي به لا يحبّ الإصغاء إلى لهو الكلام والمهاترة والاستغابة، فإذا أمعن المتحدثون في هذا الضرب من القول رفع رأسه وقال: استغفروا الله أيها الناس، وانصرف عنهم!). 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات