"علي عباس"

"علي عباس"

مع بداية الثورة السورية، تسرّبت مقاطع فيديو لمجموعات من "الشبيحة" مدجّجة بكل أنواع الأسلحة وهي تتفنّن في اضطهاد المواطنين العزل وإذلالهم والقفز فوق ظهورهم والطعن في أعراضهم وإجبارهم على إسباغ صفات الألوهية لبشار الأسد (والعياذ بالله) والتمثيل بالجثث ... وكان القاسم المشترك بين كل هذه المقاطع عبارة تتكرر دائماً بلكنةِ أهل الساحل المعروفة "بدكن حريي (حرية) يا أولاد (...)؟" وكان اسم "علي عباس" الأكثر تداولاً بين الشبيحة: "علي عباس اضربوا... علي عباس قوّصوا... علي عباس احرقوا".

"بدكن حرية" و"علي عباس"، وجهان لعملة طائفية واحدة أراد النظام أن يتم تداولها في بداية الثورة كي تحلّ محلّ العملة الوطنية التي خرج بها الثوار هاتفين: "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد". لم يكن سراً أن تسريب مقاطع الفيديو هذه يتم من قبل الشبيحة أنفسهم وعناصر الأمن، فالورقة العلوية هي الورقة التي لعب على تفاصيلها بشار الأسد بامتياز بغية حشد أبناء الطائفة الكريمة جميعاً خلف النظام وتكوين ردود فعل غاضبة ونارية وثأرية لدى عدد من الطوائف الأخرى ضدّهم، وخصوصاً أن العمق المذهبي الكبير المحيط بسورية تحت اسم "الممانعة" يتماشى مع هذا الهدف ويصوّر للعلويين أن حمايتهم تأتي من "البيئة الحاضنة" محلياً وإقليمياً لا من الشراكة الوطنية.

هذه المشاهد المصوَّرة بعثت على الحنق والحقد لدى الكثيرين، خصوصاً الجرحى وذوي الضحايا، لكن مَن يتمعن بها جيداً يغمره أيضاً شعور بالأسى والحزن على أبناء هذه الطائفة الكريمة الذين زجّ بهم النظام في محرقته. طائفةٌ تألّق أبناؤها في مختلف مجالات الحياة، وكان بعضهم سبّاقاً في الحداثة والتطوير والتحضّر يختصرها النظام بمجموعة رماح وسيوف وبنادق ورصاص. طائفة مخطوفة يكره النظام أيّ تألّق علمي أو أدبي أو إنساني لدى أفرادها ،ويصرّ على تعبئة أجهزة الأمن والمخابرات بهم وكأن قدَرهم أن يكونوا في عتمات الكراهية لا في ضوء المحبة ... ولذلك على ثوار سورية والنخب السياسية ألا ينسوا كم من شاعر ومفكر وناشط سياسي وأديب ومثقف وطبيب ومهندس علوي قبعوا في السجن سنوات وسنوات، وكم كان تعذيبهم أشدّ من غيرهم لأنهم خرجوا من "بيت الطاعة" بينما كانت الواجهة فقط للضباط والجنود والمخبرين وأفراد الأمن والشّبيحة و"أمراء" الساحل والجبل والموانىء.

العلوي "الجيّد" عند النظام هو العلوي الذي يهتف للأسد الأب والابن بالروح والدم، مَن يمجّدهما ويعطيهما صفات قدسية غير بشرية أو غير إنسانية، مَن ينخرط في هذيان عنفي ووحشي محموم دفاعاً عمّن يُعتبر "حامي الطائفة والوطن". أما العلوي "السيء"، فهو الخارج من عباءة الطائفية إلى رحاب الوطنية، المؤمن بالحريات والديموقراطية وتداوُل السلطة والمشاريع السياسية المتطوّرة، المنخرط مع شركائه في الوطن لبناء دولة لا مزرعة، وتنمية لا منظومة فساد، ومستقبل مضيء لا ماض قاتم ... ولذلك يعرف الجميع في سورية أن القلة العلوية التي ظهرت عليها مؤشرات الثروة والنفوذ هي التي اختارت "الجيد" وعملت أمنياً وتجارياً في مؤسسات الأهل والأشقاء وأبناء الأخوال والأعمام، وأن الغالبية العلوية الساحقة بقيت كما كانت عليه اقتصادياً واجتماعياً، بل حوربت في لقمة عيشها وتحصيلها العلمي وزُجّ بشبابها في السجن وما زالت مناطقها تنتمي إلى العصور الشبيهة بالعصور الحجرية.

جريمةٌ من جرائم الأسد الصورة التي أراد تظهيرها لـ "علي عباس" مع بداية الثورة السورية. أوهمه أن الحرية تهدّد وجوده من جهة وأن شريكه في الوطن يخون سورية وأن القضاء على الاثنين ضرورة لحماية وجوده حتى كعلويّ ... "بدكن حرية يا أولاد (...)". نَشَر صوره وهو يقفز على ظهور معتقلين ويجلدهم ويضربهم بأعقاب البنادق طالباً منهم تأليه الرئيس، وزّع مقاطع فيديو له وهو يرفس بقدمه جثث معارضين استشهدوا، أصرّ على نزع صفتيْ التديّن والتمدّن عنه بينما الغالبية الساحقة من أبناء الطائفة العلوية كانت السباقة في المواءمة بين التديّن والتمدّن.

بالمفهوم الحقيقي للأمور، لم يُعطِ الأسد "علي عباس" يوماً أبيض ومع ذلك خبأه لليوم الأسود. ارتكب الجرائم ضدّه بالجملة، يوم صادر قراره، ويوم خطفه، ويوم سجَنه، ويوم قتله، ويوم جنّده، ويوم استخدمه ضدّ شركائه في الوطن والإنسانية. لكن الجريمة الأكبر هي وقوع الآخرين في فخّ الأسد والتعامل مع محيط "علي عباس" بالذهنية الطائفية المقيتة نفسها وبردود الفعل الثأرية المذهبيّة والانتقام المتخلّف وأخْذ الكثرة بجريرة قلة ... خصوصاً إذا كانت هذه القلّة موجودة عند الجميع، حيث رأينا من موالي الأسد وشبيحته "علي عباس" داخل كل طائفة ومنطقة.

التعليقات (10)

    ياسر

    ·منذ 11 سنة شهر
    سيد علي .. هل عشرات الآلاف الذين يقطنون عكرمة والزهرة بحمص هم أبرياء ؟!! .. كلهم وأقصد كلهم وليس 99% منهم بما في ذلك نساؤهم يمارسون القتل الطائفي والنهب والسلب على أحياء حمص .. ويفتتحون أسواقاً للسنة .. هذه الرومانسيات تذكرني باللحمة الوطنية تبع حافظ وبشار .. ليتك بقيت ساكتاً

    بسيم محمد

    ·منذ 11 سنة شهر
    مقال تشبيحي بامتياز يتعامى على كل الحقائق التي عشناها لسنتين، لم نعتد من هذا الموقع أن يشبح باستضافة أقلام تسفه الدم السوري "السنّي" الذي تسفكه الطائفة الحقيرة التي يدافع عنها هذا المأفون، إنهم يقتلوننا بإرادة نابعة عن عقيدة وليس لأنهم خائفين، ولا لأن الأسد ورطهم ولا يعتقد بذلك سوى ××××

    أبو االروض

    ·منذ 11 سنة شهر
    طائفة كريمة وتألق أبناؤها في مختلف مجالات الحياة؟! بشو تألقوا يا أستاذ علي غير بالأمن والمخابرات والتفنن بإذلال الناس وتحويل سورية الحضارة إلى غابة تمتهن فيها كرامة الإنسان ويذل فيها العزيز ويعز فيها الدون والحثالة؟ بشو تألقوا غير بمجازر حماه وحلب وجسر الشغور والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع وبنهب الثروات وتأسيس تجارة التشبيح على يد رامي مخلوف ونظرائه؟ بشو تألقوا غير بالاجتراء على بيوت الله وقصف الآثار وتدمير مدن بأكملها منذ حماه التي دمروا في الثمانينات ثلثيها؟ يا عيب الشوم على يللي بيخون ذاكرته ويبزور شهادتو... بس شو بدك بهالحكي يا أستاذ علي اسأل أي سوري بيقلك بشو تألقوا حتى بأدب كتابهم الطائفي

    مواطن سوري

    ·منذ 11 سنة شهر
    هذا المقال يسوق افتراضات وبدون أي ادلة بينما الواقع يشهد وبكل وضوح وبأكثر من شاهد ودليل على أن أبناء الطائفة (الكريمة) وبكل فئاتهم وحتى المثقفين - إن وجدوا - بذلوا كل ما في وسعهم لقمع الشعب السوري بالعنف المفرط وبكافة الأساليب الأخرى لا أستثني منهم أحداً إلا فئة قليلة ما أزال أشك في وقفهم

    ابو محمد

    ·منذ 11 سنة شهر
    يا استاذ روح أقرا تاريخ.الأسد أعطى لعلي عباس "الافتراضي" كل سوريا.حتى اساتذة الجامعات صاروا أكترن من الطائفة الكريمة وعلى روسيا الشهادات المزورة .وبالنسبة لرجال الأعمال عمك مخلوف أكل البيضة والتقشيرة.قال ما عطاهن قال!!!!

    بصراحة

    ·منذ 11 سنة شهر
    علي الرز = علي عباس وجهان لتشبيح واحد

    حرة

    ·منذ 11 سنة شهر
    ذكرني الاسم بمسرحية للمغضوب زياد الرحباني اسمها نزل السرور ( و اسمو عباس وانا اسمي فهد شو فهمنا) ما فهمنا شي شو بدك تقول انو الطائفة (الكريمة )بريئة ومغلوبة ع أمرها ياريت تخيط بغير هي المسلة اصلا نفسي افهم من وين لزقت فيها هي الصفة يبدو انها كمان من مخلفات البعث

    ابراهيم

    ·منذ 11 سنة شهر
    مع الأسف الشديد جميع الردود يجمع بينها عنصر مشترك أو أكثر 1-الأفق الضيق وغلبة المشاعر الإنتقامية التي تنضح من نفوس مريضة مستَعبَدة تبغي استعباد الآخر . نفوس أقصى مبلغ علمها ثنائية الأسود والأبيض الغبية ، نعم حدثت مجزرة حماة وتدمر وصيدنايا ...و و وإلخ إلخ ولكن في ذات الوقت كان هنالك علويون شرفاء يلاقون أشد أصناف العذاب لأن أخلاقهم الإنسانية الصِرفة لم تمالئ الذين سرقوا الوطن

    فارس فارس

    ·منذ 11 سنة شهر
    علي الرز سامحني اما انت كذاب او شبيح او غبي . الاخوة الذين قالوا عن الطائفة انها (كريهة ) ارجوا ان يكون ذلك من قبيل المزاح و شكرا

    مصاب

    ·منذ 11 سنة شهر
    أنا شخص تعرض للأذى من هذه الطائفة التي تحاول الدفاع عنها العسكريون منهم سجنوني وضربوني والمدنيون (المثقفون) منهم اعتدوا على زوجتي في غيابي ماذا تنتظر مني أن أفكر وأنا أقرأ مقالك هذا ، أقسم بالله لو أرى علوي أمامي الآن غير اني اذبحه ولو بدها تكلفني حياتي
10

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات