الأسير في وظيفة الحزب

الأسير في وظيفة الحزب

ربما كان "حزب الله" وإيران وما بقي من نظام بشار الأسد وبعض الشبيحة اللبنانيين ... الأكثر سعادة لمنظر الشيخ أحمد الاسير فوق دبابة في ريف حمص تابعة للجيش الحر أو فوق سطح مبنى يطلق النار بطريقة استعراضية على الفضاء الفارغ أمامه.

هؤلاء هم الأكثر سعادةً لأن الأسير وغير الأسير يبرّر منطقهم المتهافت عن المؤامرة الكونيّة الأميركيّة الأوروبيّة الإسرائيليّة العربيّة التي تُنفذ بأيدي مسلمين متطرفين تكفيريين، ولأن "حزب الله" تحديداً في كل مرحلة من مراحل الصراع التي تحددها قيادة "محور الممانعة" هو المتعهد ترجمة الآليات التي تخدم مسارات هذا الصراع. فإذا كان احتضان "القاعدة" مفيداً لإنهاك المشروع الأميركي في العراق والمنطقة، فلن تجد تصريحاً واحداً للحزب ضدّ "القاعدة" أو وجودها في إيران وسورية، وإذا كانت المرحلة تتطلّب حشد التيارات الإسلامية في إطار مشروع إقليمي تقوده إيران فستجد الحزب أول مَن ينفتح ويؤسس تجمعات مشتركة علمائية سنية شيعية، وإذا كان المطلوب لهذه المظلة أن تستقطب بعض رموز الفكر القومي، فستجد الحزب راعياً لمؤتمر قومي إسلامي، وإذا كانت المرحلة تقتضي تغذية التطرف السنّي من أجل الفرز والتهديد بالفوضى فستجد الحزب يفطر ويتغدى ويتعشى على تخوين رموز السنّة المعتدلين وصولاً إلى التحذير من "القاعدة".

اليوم، هذه هي الوظيفة. لا توجد ثورة في سورية على نظام ديكتاتوري بل هناك تيارات إسلامية تكفيرية تنفّذ مخطط أميركا وإسرائيل. لذلك مهّد الحزب لتوصيفه بتغييب الاعتدال السني بمختلف الوسائل، فأقصى القوى الأساسية لهذا الاعتدال من رئاسة الوزراء بفائض قوّته لا بصناديق الاقتراع، وحاصر دوره السياسي فاسحاً في المجال لظواهر صغيرة تماثله في ثلاثة مسائل: اللون المذهبي الخالص، التسلح، الارتباط الخارجي، وساعد عبر منظومته الإعلامية وأبواق الشبيحة الموالية على تكبير حجمها والتحذير منها.

تذكير بسيط. قبل احتلال بيروت في 7 ايار 2008، كثُرت الأحاديث والتسريبات والتحليلات بأن تيار "المستقبل" يملك ميليشيا مسلحة تدرّبت في الأردن قوامها عشرة آلاف شاب، وذهب "المفكر" محمد حسنين هيكل إلى تحديدها بـ 12 ألفاً، وقال مع آخرين إنها تنتشر باستمرار في شوارع بيروت وتروّع الآمنين وتزرع القنّاصة على الأسطح ... اتخذ الحزب من قراريْ الحكومة آنذاك ذريعةً لقرار احتلال العاصمة، لكن مقاتليه لم يجدوا في مكاتب "المستقبل" حتى سكيناً يمكن عرضها كغنائم حرب على وسائل الإعلام. سقط ضحايا أبرياء لا ذنب لهم إلا لأن "اليوم المجيد" اختارهم، واتضح أن ميليشيا الـ 12 ألف شاب مسلّح إنما كانت عملياً تعبئة وهمية ودعوة لاستنهاض تطرّف لم تعرفه بيروت.

وللتذكير أيضاً وأيضاً، وبعدما فشل "اليوم المجيد" في القبض على جيش السنّة المسلّح، وبما أن "المستقبل" لم ينجرّ إلى التسلح "فلنسلّح منا وفينا" ونقوم بتجربة. خلاف بسيط بين شابين، واحد من الحزب وآخر من تنظيم "الأحباش" السنّي المدعوم من الحزب وسورية، تطوّر إلى ليلة احترقت فيها بيروت بالسلاح وبالشعارات الطائفية الكريهة وبالاعتداءات على دور العبادة ... فعلاً، أثبت أهل محور الممانعة أنهم الاوْلى بتخصيب الفتن .

"أرسلنا لهم الكشافة في 7 أيار فسقطت العاصمة، وأرسلنا لهم شباب القمصان السود فطار رئيس الحكومة"... هكذا تباهوا باستعراض فائض قوّتهم لتغيير المعادلات السياسية تمهيداً لمواكبة المشهد السوري الذي كان الحزب يقرأه. مع بداية الثورة، ركّب "حزب الله" واجهة تتحدث عن الحياد والنأي بالنفس مع مضمون يخصّب الفتنة بين العلويين وبعض السنّة في الشمال وعلى مستوى مختلف في صيدا، مع ظواهر طفت على هوامش الحكومة الفعلية التي يقودها الحزب ومنها ظاهرة الشيخ أحمد الأسير وأساليبه وخطبه. ومنذ اليوم الأول لهذه الظواهر وماكينة الحزب وتسريباته تحاول النفخ فيها وتكبيرها: راقِبوه. افتَحوا أعينكم على حركته. لاحِظوا النفَس المذهبي الكريه الذي يفوح منه. لا تستخفوا به.

وعندما قرر الحزب علناً أن يكشف قراره بـ "الجهاد" في سورية، لم تتأخر الظواهر التي ساهم في إيجادها مباشرةً ومداورةً في اتخاذ قرار مشابه رغم التفاوت الرهيب في القدرات وغياب المقارنات. وجدنا أنفسنا أمام مشهد جدي لحراس محور الممانعة بعيداً عن الإعلام في قرى حمص، مقابل مشهد سطحي للأصداء أمام الكاميرات، لكن المحصلة النهائية في الحساب السياسي تمثلت في أن هذا الشبل أيضاً ... من ذاك الأسد.

لتغيير وظيفة سلاحه، غيّر "حزب الله" وظيفة الدولة اللبنانية، وها هو يستدرج الطلبات لملء شواغر الوظائف في الدويلات التي يعمل على تكريسها ويعلن في الوقت نفسه محاربتها. وما لم تستعدْ الدولة وظيفتها فإن "سوق العمل" سيتسع، أما الأسهم الأكثر ارتفاعاً فستكون من حصة شركات ... دفن الموتى.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات