"الصلاة الجمعية" التي يبشر بها أدونيس ويهلل لها في بداية المقال, ويكيل أصناف المديح البليغ لها, ويعتبرها وقائع سياسة تصوغ الوعي المجتمعي سياسياً, لتنتشله من حيز انعدام الفوارق بين الديني والدنيوي, نحو امتلاك هذه الشحنة من الوعي الأبجدي, بكون السياسة علم إدارة المجتمعات وقدرتها على انتزاع حقوقها المشروعة.
أليس من المغالطة المنهجية بمكان, إسقاط مديح لغوي على مقاربة تشريح فكري لحالتين متوازيتين, تقارب ما أحدثه الشباب السوري ويفوقه على صعيد صناعة الأسطورة الشعبية, نتيجة العقلية الأمنية التي فرضت من النظام, في حين كان الذم نصيب, ما أحدثه الشباب السوري خلال الثلاث الأعوام المنصرمة من مقارعة أقسى أجهزة القمع والحرب التي عرفتها البشرية في ظاهرة نادرة, تحولت فيها كل مقدرات الدولة لتكون سلطة احتلال ضد الشعب, هذه الأسطرة الشبابية السورية, ليست"صلاة جمعية" حسب تعبيرات أدونيس, وإنما هي"تراتيل الأرض لقداس الحرية الأبدي".
وتحضر المرأة حسب استشراق أدونيس, الباحث والمستجدي لـ"نوبل" التي لم ينلها في المحطتين اللتين كان مرشحاً فيهما من قبل, وهذا الحضور مستمد من الانبهار بمشاركة المرأة في ميدان التحرير. هذا الانبهار لم يخامر عقلية أدونيس والمرأة السورية هي من قيادات الحراك الثوري السلمي حتى فرض على الثورة, المقاومة المسلحة المشرعنة للدفاع عن وجودها الحياتي والحقوقي. أدونيس لم يسمع برزان زيتونة وسمر يزيك والنساء الآخريات, مثلما بشار الأسد لم يسمع أن أجهزة أمنه اقتلعت حنجرة القاشوش, أدونيس لم يسمع أن نساء سوريا هن أمهات واخوات وعشيقات وقريبات لأكثرمن100شهيد على مذبح الحرية, و750 ألف معتقل ما زال أكثر من نصفهم مغيب وراء القضبان أو مفقود, و6مليون ونصف المليون نازح في دول الجوار وما بعد الجوار, في حين أجهزة أمن الدولة العميقة التي يقودها السيد الرئيس حسب توصيف أدونيس في الرسالة التي وجهها لبشار الأسد في بداية الثورة, لم تتوانَ عن إتيان أبشع أنواع الاغتصاب وشتى أشكال التحرش الجنسي والتنكيل, حسب ما أفادت به منظمات حقوقية دولية مستقلة وذات مصداقية عالمية.
أليس الأجدى و الأكثر احتراماً للعقل, أن تكون موضوعة أن الشعب هو مصدر السلطة التي لا يفوقها سلطة, ورفض النكوص للماضي واعتباره مرجعية في سيرورة التاريخ, حاضرة في مقاربة ما يحصل في سوريا.
بشار الأسد رئيس غير منتخب ورث الدولة برمتها من أبيه مع نظام أمني وبوليسي,كان يستمد واقعيته السياسية من مجازر دأب على ارتكابها منذ اللحظة الأولى لوصول النخبة العلوية الفعلي للحكم في الـ 63من القرن المنصرم, وكانت من إنجازاتها ما حصل في حماه في أكثر من مناسبة لا تحتاج لسرد توضيحي للمخلية السورية, بالأخص, وللمخلية العربية بالأعم, وما حصل في الآونة الأخيرة لا يخفى على القاصي والداني.
وسجن تدمر"جهنم الأسد" التي أودع فيه الآلاف من مثقفي سوريا, وبعضهم من أصدقاء أدونيس ومنتسبي الكتلة التاريخية التي يدعي زيف الانتساب لها, أصدقائه الذين لو قيض لكثير منهم الاستمرار في الحياة, لربما كان الكثير منهم ألمع وأغزر وأنبل وأنضج نتاجاً من أدونيس, وبعيداً عن النوايا لقيض لأكثر من مثقف أن يحوز نوبل. في حين أن مقاربة النموذج المصري تكمن في معادلة أن: رئيس منتخب أطاحت به حركة تمرد جماهيرية والأسباب سياسية بحتة. أخطاء كارثية في مقاربة بين موضوعة غير أخلاقية وأخرى سياسية, حيث يكون متنكراً للبعد الأخلاقي الصرف المصاحب لسلوك سياسي في الأولى, في حين يبدو متحيزاً للبعد السياسي الصرف المصاحب لسلوك أخلاقي في المقاربة الثانية.
أدونيس يتابع المقال بعقلية الواعظ أو القديس أو المبشر, لغة خشبية تنتمي إلى مرحلة تاريخية لم يكن يراعى فيها دقة الاصطلاح, واشتراط دقته استعماله المنتجة, والتعالي في اتيان الشرح, مبيناً مثالب الحركات الإسلامية ذات المنحى الأصولي والتراثي, وما يعتريها من أخطاء سياسية واخرى مجتمعية وفي الثالثة ثقافية, يكاد لا يخلو مقال يومي أو بحث فكري صادر عن مركز دراسات غربي أو عربي, لم يسبح في بحرها منذ أواخر العقد الأخير في القرن المنصرم حتى الآن.أدونيس المتشاوف يفترض أن قارئه الافتراضي قارئاً عادياً ينتمي إلى منظومة العشوائيات الثقافية, التي تتحلى بها الدولة العميقة التي ينافح فيها عن سيادة الرئيس حسب توصيفه.
أليس الأجدى بمثقف يدعي التقدم والحداثة, ويتبنى نظريات التغريب, ويحارب الحركات الإسلامية ذات الهوية التراثية والأصولية, ويطالب بمراجعات نقدية لها, ونحن نوافقه في هذه النقطة, شرط أن تكون متسقة مع باقي اشتراطات مواقفه الأخلاقية. أن يكون لديه بالمثل, بوصلة أخلاقية يقارب ويشرح عبرها ما يشهده بلده من دمار وخراب وقتل على يد آلة حرب النظام!
ولا بد من تذكير أدونيس بالمقالات الثلاث التي هلل بها للثورة الإسلامية في إيران في سبعينيات القرن المنصرم,وأن مرجعية الثورة الإسلامية, الدعوة للأصالة والتراث نحو صوغ هوية ميتافيزيقيا, وهي ذات ما يتجسده الإخوان وبطريقة أكثر تحضراً بكثير.
أدونيس هو شكل من أشكال المثقف ,الذي يتبنى أجندة سياسية ذات مناحي براغماتية في جانب, وفي جانب آخر ذات مناحي تنشد أشياء أخرى, لا أحبذ توصيفها, ابتعاداً عن سفاسف الأمور ومطباتها غير المنهجية. مما يخلع عنه صفة المصداقية والشجاعة ويجعله ناطقاً إعلاميا خشبياً, ينافح عن أنظمة ديكاتورية واستبدادية, حسب بوصلته السياسية وبراغماتيتها لا أكثر.
التعليقات (14)