سوريا.. ولادة عراق جديد

سوريا.. ولادة عراق جديد
ما إن أكدت الولايات المتحدة الأمريكية على اعتزامها تنفيذ ضربة عسكرية محدودة، تستهدف القضاء على نظام بشار الأسد إثر استخدامه لواحد من أسلحة الدمار الشامل، المحظور دولياً، ألا وهو السلاح الكيماوي في مجزرة عرفت بـ" مجزرة الغوطتين" وأودت بحياة 1429 شخصاً، بحسب الرقم الذي ذكره جون كيري وزير الخارجية الأمريكية، حتى سارع مؤيدو الطاغية إلى استحضار صور الحرب الأمريكية على العراق 2003..

لقد نسي هؤلاء، أو ربما تناسوا أن الشعب الذي يبكون مأساته الناجمة عن الحرب الأمريكية على العراق، هو ذاته الشعب الذي تم استهدافه عام 1991 في عملية "عاصفة الصحراء"، التي جاءت رداً على الاجتياح العراقي للكويت، وبمشاركة الفرقة التاسعة من الجيش السوري، وهو ذاته الذي استهدف في عملية "ثعلب الصحراء"، وسط صمت سوري مريب على المستوى المحلي، فلماذا التباكي على عراق 2003؟

في الحقيقة، إن ما حصل في العراق، وردود الفعل الناجمة، لا يمكن تصنيفها إلا أنها في سياق إعادة تشكيل هذه الرقعة الجغرافية من العالم- وأعني بها الشرق الأوسط- ديموغرافياً وإثنياً.. أي أنها سايكس- بيكو القرن الحادي والعشرين.

ردود الأفعال الرسمية، تمثلت بتأييد واسع من دول الخليج العربي، في الوقت الذي استنكرت فيه سوريا ما جرى، ولم تكتف بالاستنكار فقط بل افتتحت معسكرات للمتطوعين "للجهاد" في العراق، وأرسلتهم ليقوموا بعمليات "استشهادية" هناك.

وبنظرة سريعة نجد أن الخطاب الإعلامي راح يعمق هذا الشرخ، ويدفع باتجاه طائفي فظهرت قنوات "شيعية" التوجه، تعمدت الإساءة للشعور الجمعي لأهل الجماعة، وفي المقابل ظهرت قنوات دينية متشددة ركزت على مفاهيم إشكالية في المعتقد الشيعي، لم يتوقف الأمر عند حدود القنوات الدينية، بل امتد الأمر ليشمل قنوات الأطفال أيضاً.

ولم يأت إعدام صدام حسين، إثر قرار المحكمة الهزلية إلا استكمالاً لهذه المهزلة، فالرئيس العراقي لم يعدم لارتكابه جرائم ضد الإنسانية ، كاستخدامه السلاح الكيماوي في إبادة 5500 مدني كردي فيما يعرف بمجزرة حلبجة؛ حيث كان يفترض أن يصدر الحكم عليه في "قضية الأنفال" التي تسببت بمقتل 180000 مواطن كردي، وتدمير أكثر من 2000 قرية كردية، ولكنه حوكم بالإعدام عن "قضية الدجيل"، وهي تدينه لتسببه بمقتل 148 قروياً شيعياً، وإن كانت القضيتان تندرجان تحت لواء "جرائم ضد الإنسانية"!

وهناك من يشير إلى أن المحاكمة لم تستكمل كيلا تتكشف علاقة "رامسفيلد" وبعض رموز الإدارة ألأمريكية آنذاك بتزويد صدام حسين بالكيماوي. المهم في الموضوع أن حكم الإعدام نفذ في أول أيام عيد الأضحى المبارك، وعلى يد المالكي، شرطي إيران في المنطقة، وبحضور مقتدى الصدر شخصياً، على الرغم من رفض الرئيس "جلال طالباني" التوقيع على مرسوم الإعدام!

وحين استنكر الرأي العام- الإسلامي تحديداً- التوقيت، كان الرد ببساطة أن ذلك اليوم لم يكن أول أيام العيد في العراق، وعليه تحول الطاغية "السني" إلى رمز وطني، وتم التأكيد على ميلاد تاريخ جديد للعراق يكتب طائفياً..

ما حصل ويحصل سورياً، هو استكمال لهذا المخطط الذي بدأ في العراق على ضوء تلك المعطيات، فالتدخل الإيراني في العراق عن طريق "فيلق بدر" وبعض الميليشيات المدعومة إيرانياً، والسني عن طريق "الجهاديين السوريين وغير السوريين الذين دخلوا عبر الحدود السورية، والبشمرغة الكردية كلها جاءت لبلورة مفهوم تقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي؛ اليوم، لم نعد نسمع شيئاً في الإعلام العربي والعالمي عن "البصرة" التي لحقت بأختها " الأحواز" وسط تآمر دولي فاضح، وكردستان العراق قد أصبح دولة مستقلة، أما بقية أراضي العراق– بما فيها بغداد العاصمة- مازالت تعاني الويلات..

من المنتظر أن تأتي الضربة الأمريكية على سوريا لتبلور المفهوم ذاته فيها، فحالة الشحن الطائفي والعرقي لم تكن موجودة عند المواطن السوري قبلاً، وقد حاول تفاديها مراراً، لذلك كان لابد من هزة كبيرة، وعلى هذا فقد جاء دور التدخل الأجنبي، بدءاً بإيران التي أوعزت لعناصر "حزب الله" للتدخل في سوريا، كما أن الحرس الثوري الإيراني قد تدخل بشكل سافر في الآونة الأخيرة، ثم جاءت دعوات، مثل المؤتمر الذي أعلن فيه الدعوة إلى الجهاد لشحن المكون السني وتطعيمه بالأجندات المتطرفة، أما أحزاب ب.ي.د و ب.ك.ك الكردية فقد تدخلت بشكل كبير في منطقة حوض الفرات لدعم المكون الكردي الذي كان محشوراً بين فكي كماشة في ظل سيطرة النظام، فكان لا بد من تزويده بعناصر فاعلة تمكنه من السيطرة على الأرض، فكانت الحدود التركية هي المنجد.

في الحقيقة أن أكثر ما يخشاه المواطن السوري، هو أن التدخل الأمريكي الذي طالب به منذ عامين ونصف- وما كان ليكلف عشر التكلفة الحالية- قد جاء لينقذ النظام الذي بدأ يحصي أنفاسه الأخيرة.

لقد طالب السوريون منذ البدايات الدول العظمى بالتدخل لصالح الشعب، وكان جل مطلبهم هو حظر جوي بغية فرض ممرات إنسانية آمنة، الأمر الذي لم يكن يستوجب التكلفة الباهظة التي سيدفعها المجتمع الدولي اليوم، ولكن الفيتو الروسي كان بالمرصاد، والتصريح الدائم لـ"راسموسن" أمين عام حلف شمال الأطلسي "الناتو" بأنه: "لا نية لحلف الأطلسي بالتدخل العسكري في سوريا" فما الذي استجد اليوم!!

أكثر ما نخشاه هو أنه، وكما جاء تدخل أمريكا في العراق لفرض هيمنة إيران على أجزاء كبيرة من العراق، أن تكون الغاية نفسها هي المطلوبة في سوريا، أي أن مصير صدام حسين الذي ظل 15عاماً بعد استخدامه الكيماوية في الحرب العراقية- الإيرانية، سيكون مشابهاً لمصير بشار الأسد الذي استخدم الكيماوي في الغوطتين، وأن الأسد سيبقى هزيلاً، ولكن لسنوات عديدة أخرى، ضمن كانتون عنصري طائفي يتمترس في الساحل السوري، بحماية الأسطول الروسي، وأن سوريا ستكون موضوعاً لحرب أمريكية- روسية باردة جديدة، يكون وقودها الشعب السوري.

إن وجود هكذا كانتونات طائفية وعنصرية في المنطقة يخدم مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، لتبرير وجودها في المنطقة، كدولة على أساس ديني، إسرائيل، ربيبة العالم "المتمدن" المدللة!!

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات