ذات يوم من عام 2007 طلبني وزير الكهرباء "محمد خالد العلي" إلى مكتبه وهو قلق، ليسألني: "ماذا عملت لك؟ وأنت تكتب عني في الإعلام عن سيارات (اللكزس)؟" والتي كان قد اشترى أربعة منها بقيمة 100 مليون ليرة سورية على حساب عقد أحد المشاريع، وبعد جدال طويل ..لم أصل إلى نتيجة مع الوزير"الفاسد"، وإلى اليوم مازلت عند قناعاتي بشأن الفساد المتجذر بالدولة والذي هو جزء من كيانها ومكون اساسي من تركيبتها، فانقطاع الكهرباء لايمكن أن تكون الثورة أو الثوار سببا له، ببساطة لأن وراءه فساد من التوتر العالي، ولم تستطع الحكومات السورية المتعاقبة منذ حكومة محمد مصطفى ميرو أن تنشئ مشروعات كهربائية جديدة تساير الطلب على الطاقة الكهربائية بحكم وجود مافيات العقود والسماسرة الكثر المستترين تحت إبط النظام وفي جيوبه وفي مكاتب وزارة الكهرباء السورية. فمنذ فضيحة عقد مؤشرات أعطال الكهرباء عام والذي قمت بنشره كفضيحة "فساد" عام1999، والبالغة قيمته أكثر من 50 مليون فرنك فرنسي، لم تقم وزارة الكهرباء بمشروعات كهربائية تزيد القدرة على إنتاج الطاقة الكهربائية الكافية للناس والمواطنين ومع تزايد أعداد السكان بشكل كبير خلال السنوات العشر ماقبل الثورة السورية لم يكن لوزارة الكهرباء القدرة على إقامة مشاريع جديدة بسبب الفساد الذي تزايد بوتيرة عالية، فكان كل الكلام عن التعاقد مع شركات هندية، وشركات أجنبية من أجل إقامة محطات توليد كهربائية لا يتجاوز الكلام البروتوكولي، لأنه ينبغي توزيع كعكة العقودعلى جيوب الوكلاء النافذين في البلد وهم في النهاية يشكلون جيب النظام وخزينته التي يضعون بها مسروقاتهم، فالعقد لمن يدفع أكثر لوكلاء النظام في سورية، إذ لم يكن يجرؤ أحد من الوزراء المتعاقبين على وزارة الكهرباء أن يقدم على تنفيذ أي عقد فوكلاء عقود النظام هم من يضعون الوزراء وينزعون عنهم مناصبهم وليس خافياً على أحد أن آل مخلوف وشاليش هم الوكلاء الممتدة ايديهم في جيوب كل سوري حتى اليوم. الفساد جزء هام ومكون رئيسي من مكونات النظام فكل قطاعات الاقتصاد كانت تدار بنموذج قطاع الكهرباء، بدءاً من التجارة الداخلية الى الخارجية، وقطاع الاتصالات وكذلك قطاعات النفط والخدمات المالية والنقل والطرق والمياه والسدود وحتى البورصة "الخدعة".. فالعامل المشترك في كل ذلك مكون الفساد الذي يفرضه النظام على كل القطاعات، بشكل متناغم وما موضوع الكهرباء إلا نموذج لباقي القطاعات الاقتصادية، لهذا لانغلب في تفسير سرعة تفتت الاقتصاد السوري خلال الثورة نظراً لعدم قدرة الفساد على الصمود والممانعة كثيراً، لأنه كان عاملاً حاسماً في تسريع تمزيق الاقتصاد السوري، والنظام يحاول الصمود بعد تدميره لكل الموارد السورية فخرج الاقتصاد من الخدمة ولن يعود.
التعليقات (0)