الحرية ..أنثى

الحرية ..أنثى
ما انفك نظام البعث منذ ستينيات القرن الماضي يكرر الأسطوانة ذاتها، من أنه هو من جاء بمفهوم تحرر المرأة، وأنه هو من منحها دوراً في الحياة السياسية. بلا شك، إن تمثيل المرأة ونشاطها السياسي هو معيار هام جداً في تقييم ديمقراطية الدولة، ولكن – من وجهة نظري الخاصة- أرى أن دور نظام الأسدين الأب والابن أدى إلى تراجع دور المرأة في الحياة السياسية.

فالمتتبع لتاريخ سوريا المعاصر، يجد أن المرأة السورية حصلت على حق الانتخاب عام 1949، إلا أنها لم تمنح حق الترشح حتى عام 1954م، ومع ذلك فلم تدخل البرلمان إلا في عام 1958،تحت قبة مجلس الأمة، من خلال النائبتين "جيهان موصلي" و"وداد أزهري"، أما عام "1973" فقد شهد دخول 5سيدات إلى "مجلس الشعب".

بالرغم من أن السيدة السورية كانت لها الريادة في المشاركة في كافة الفعاليات والمناشط العامة، والتاريخ السوري حافل بأسماء مثل المناضلة "فاطمة الدرويش" وزميلاتها الأربع اللاتي شاركن القائد العظيم "يوسف العظمة" في المعركة، فكنّ إلى جانبه يضمّدن جراح المقاتلين وينقلن العتاد وذلك في معركة ميسلون عام 1920 م.

كما أن المرأة كان لها حضورها الثقافي والإعلامي، وما زالت صفحات تاريخ سوريا الحديث تذكر بكثير من الفخر اسم "ماري العجمي" التي أصدرت مجلة "العروس"، و الأديبة والشاعرة الحلبية "مريانا مراش"، التي أصدرت ديوان "بنت فكر" عام 1870، فكانت أول سيدة يسمح لها بنشر كتاب، وكذلك "وردة اليازجي" وغيرهن كثيرات...

ننتقل من هذه الصفحات المضيئة في تاريخ المرأة السورية كفرد، إلى العمل المؤسساتي النسوي والذي كان للمرأة السورية قصب السبق فيه أيضاً؛ حيث أن اتحاداً نسائياً عربياً شكلت نواته في دمشق عام1933 م، نتيجة اندماج ثلاث جمعيات نسائية عربية، ثم سمي في عام 1944م باتحاد الجمعيات النسائية العربية في دمشق، وضم جمعيات مختلفة اتبعت التقسيم الإداري في سوريا، وقد كانت أول سيدة تترأسه عام 1933م هي السيدة "عادلة بيهم الجزائري".

كان لابدّ من هذه الوقفة البانورامية عند المرأة السورية كي نحاكم منطقياً المآل الذي وصلت إليه بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة؛ بادئ ذي بدء، أود الإشارة إلى أن بعض المراجع أوردت أن التجربة الأولى للمرأة السورية في مجلس الشعب كانت عام 1973م، علماً أن المراجع المحايدة والموضوعية أكدت على أن التجربة الأولى كانت في عهد الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م، لم أورد هذا المثال سدىً، وإنما أوردته كي أؤكد على الطبيعة الإقصائية لهذا النظام من ناحية، ومن ناحية أخرى استغلاله لقضية المرأة كسلعة ترويجية.

فالتجربة السياسية للمرأة في عهد نظام الأسدين الأب والابن، لا تعدو كونها واجهة للاستثمار، ولم تكن المرأة السورية ممثلة قط في مجلس الشعب، ذلك أن النساء اللواتي كان يتم انتقاءهن، وليس انتخابهن، بموجب قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، لم تكن تعنى بشيء من هموم المرأة السورية الحقيقية، ومعاناتها، فوصولها إلى هذا المقعد كان مستند إلى معايير ليست الكفاءة إحداها، بل هي ترتكز إلى المحاصصة الحزبية، والصلات الوثيقة بمراكز صنع القرار..

أما الاتحاد العام النسائي، فكان مثله كمثل أي منظمة شعبية أعدت لتأطير نشاط المرأة في إطار رياض الأطفال، ومعارض الأعمال اليدوية، وهذه الأنشطة- على أهميتها- إلا أنها عبارة عن عملية إقصاء للمرأة وتعتيم على دورها في صناعة القرار السياسي، إضافة إلى أن هذه المنظمة- كما غيرها من المنظمات- يروج على أنها قائمة على آلية انتخابية، غير أن الانتخابات فيها كانت تتم في الزوايا المعتمة، والأسماء توضع في أقبية المخابرات، حتى أنني أذكر أن صديقة لي ترشحت للانتخابات، وحازت المركز الأول على مستوى الرابطة، ففوجئت باسمها مشطوباً من بين أسماء الناجحات!!

إلا أن الطامة الكبرى ليست هنا، وإنما تكمن في أن الشعب السوري الذي استشرف آفاق غد جديد، يتمثل في دولة المواطنة، الدولة المدنية المنشودة، والتي ترسمها له ثورته المباركة، فوجئ بأن المؤسسات التي يفترض فيها أن تقود هذا التغيير، هي ذاتها التي عمدت إلى تكريس مفاهيم العهد البائد بما فيه من محسوبيات، ومحاصصة، بدلاً من تغليب مبادئ المواطنة والفكر الديموقراطي!

ولا أدل على ذلك من مسألة تمثيل المرأة في الحكومة المؤقتة التي شكلها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بعد قرابة الثلاثين شهراً من عمر الثورة السورية، وبعد عدة محاولات فاشلة لتشكيل حكومة مؤقتة، يخرج الائتلاف بحكومة محاصصة بدلاً من حكومة تكنوقراط، والتي تعد الضرورة الأشد إلحاحاً بالنسبة للدول النامية، فما بالك بدولة تحاول الخروج بمن تبقى من أهلها من أتون حرب ضروس، لاتبقي ولا تذر!

السيدة تغريد الحجلي، وزيرة للثقافة والأسرة، بالرجوع إلى سيرة السيدة تغريد الذاتية، اتضح أنها لم يسبق أن سجلت أي حضور على الصعيد الثقافي، وأن جلّ تجربتها السياسية تتلخص في مكتب المرأة في المجلس الوطني الذي أغلقت فروعه بسبب نشاطه المعدوم، وكونه لم يكن إلا مظهراً من مظاهر "البريستيج" الاجتماعي الذي- على مايبدو- لم تكن السيدة الوزيرة المقيمة في لندن تكترث بشيء سواه!

هذا، فيما لو غضضنا النظر عن الآلية التي وصلت من خلالها إلى المجلس الوطني، حيث أنها حلت محل السيد "طالب أبو حمدان"، الذي انسحب لصالحها لمعالجة الخلل الذي نجم عن عدم نجاح أية سيدة في الأمانة العامة للمجلس الوطني، أي أن المقياس هنا لم يكن الكفاءة أيضاً..

وبالمقارنة مع وزارة النظام، نلحظ أن السيدة الوزيرة التي تسلمت حقيبتي الثقافة والأسرة، تعد المكافئ الموضوعي لوزيرتي الثقافة والشؤون الاجتماعية والعمل، اللتان تشغلهما سيدتان أيضاً! أي أن محاصصة النظام ذاتها، وطريقة النظام المريضة ذاتها في معالجة الملفات الملحّة تسربت إلى مؤسساتنا الثورية، هذا فيما لو تجاهلنا أن الوزارة المقترحة تخلت عن حقيبتين سياديتين، هما الإعلام والخارجية، ودمجت حقيبتين سياديتين أخريين هما الدفاع والداخلية في وزارة واحدة، فهل باتت الثقافة هي الحاجة اشد إلحاحاً في هذه المرحلة؟

إن تاريخ المرأة السورية الزاخر، يربأ بها أن يتم استلابها بهذا الشكل الذي هو أقرب ما يكون إلى التهميش والطرد من دائرة الثورة، في وقت كانت المرأة من أوائل من أشعلوا شرارة هذه الثورة مع أول صيحة حرية، خرجت من أمام المسجد الأموي!

التعليقات (1)

    مواطن

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    اعتقد ان حكومة تلك التي تم تشكيلها لا تعني الا ان من شكلها لا يريد ان يبني سورية او هي على اقل تقدير حكومة ستتحمل مسؤولياتها ماذا تعني حكومة بلا وزارة خارجية او اعلام و وزراءها من غير الاختصاصيين بل محاصصة و تغريد الحجلي هي شكل من اشكال المحاصصة لايجاد كوتا على شاكلة النظام ... لكنه اختيار فاشل الكوتا فكرة غبية جدا و يجب القضاء عليها بالكفاءة .. و النساء العظيمات كثر جدا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات