"طنابر الدفش"...والفاجومي

"طنابر الدفش"...والفاجومي
ويستخدم مصطلح "طنبر الدفش" للدلالة على الشخص الذي يقوم بفعل ما تقليداً للآخرين، دونما دراية أو تحليل لدوافعهم، من منطلق "هذا ما وجدنا عليه آباؤنا"؛ هذه الفئة من الناس تبني مواقفها بناء على قناعات أناس آخرين تتخذهم مثلاً أعلى بدافع المكانة الاجتماعية، أو السن، أو حتى بناء على موقف إيديولوجي معين.

لطالما شهدنا هجمات شرسة على صفحات وسائل الإعلام الثورية، أو صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكلٍ غير مبرر على شخصية معينة، أو منشور معين، لأنه يطرح انتقاداً لظاهرة مرتبطة بتوجه إيديولوجي أو فكري ما، إلا أن القائمين على هذا التوجه، ولضعف في حجتهم يلتجئون إلى التجييش والتحشيد الإعلامي لكم الأفواه التي تتجرأ على انتقادهم.

وكمثال على ذلك، يكفي أن تكتب كلمة "داعش"، أو تتفوه بها، كي تنهال عليك عبارات النصيحة، وأدعية الهداية إلى الصراط المستقيم، وكأنك قد ارتكبت إحدى الموبقات، هذا إن كنت من جيدي الحظ، أما إذا كنت من الذين يتمتعون بـ"صفحة سوداء"، فستنهال عليك الشتائم واتهامات التخوين من كل حدب وصوب، وقد تصل إلى حد التهديد بـ"التشويل" حيث كنت!

"طنابر الدفش" هؤلاء، وجدوا يوماً ما في الشاعر سليمان العيسى طريدة دسمة، وتمت مهاجمته بطريقة غير مبررة. كانت جلّ الاتهامات تنصب عليه متهمة إياه بأنه واحد من أعمدة الفساد بحكم انتمائه الطائفي، ولانتمائه الفكري لحزب البعث في البدايات، علماً أن الرجل كان يردد مقولة شهيرة: "كنت مع البعث عندما كان حلماً، وحين تحول إلى حزب تركته".

ومع ذلك لم يشفع له هذا التصريح، وكان مطالباً بموقف من الثورة السورية، وهو الرجل الذي ناهز التسعين، في وقت كان خلاله طريح الفراش لمدة طويلة.

ليست المشكلة في أن تنتقد شخصاً إن كان رأيك مبنياً على قناعات شخصية، أما وأن تتبنى رأياً لمجرد أن تحشيداً وتوجهاً إعلامياً، صادرين عن تيار معين يقومان بتوجيهك، فهذا ما لا يمكن تقبله في حال من الأحوال!

حسناً..قد يتقبل هذا الموقف فيما يتعلق بشاعر سوري، يشكل انتماؤه الفكري والطائفي إشكالية لدى البعض، ولكن ما لا يمكن تبريره هو حالة الهجوم غير المبررة من قبل بعض السوريين على الشاعر "أحمد فؤاد نجم" المعروف في الأوساط المصرية باسم "الفاجومي" نسبة إلى الفيلم الذي أنتج عام 2011 في مصر، وتناول سيرته الذاتية .

ما إن تم الإعلان عن وفاة الشاعر "أحمد فؤاد نجم"، حتى راحت وسائل الإعلام تتناقل ذلك الخبر وتنشر قصائده التي تشغل حيزاً كبيراً في وجدان المثقفين العرب والنخب الثورية، أولئك الناس الذين تربوا على قصائده المغناة بصوت "الشيخ إمام"، لأنها كانت تجهر بما يعتلج في ضمير أمة أضناها التهميش وأرهقتها الديكتاتورية، فوجدت في كلمات قصائده حالة انعتاق منهما.

غير أن هجمة غريبة شنها بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى التيارات الإسلامية على "أحمد فؤاد نجم"، متهمين إياه بأنه ناصر النظام السوري معتمدين على مقطع يوتيوب ادعوا أنه "يهاجم السنة ويمتدح الشيعة"، وبالعودة إلى اليوتيوب نفسه لم أعثر إلا على مقتطفات من لقاءات وتصريحات للشاعر الراحل، مركبة بطريقة معينة لإيصال مقولة تتفق مع توجه مطلقي الفيديو عبر "يوتيوب". إلا أنه كانت هنالك عشرات المقاطع التي تتحدث عن مواقفه المناهضة للنظام السوري، ورسالة وجهها لـ"حسن نصر الله" ينتقد فيها مواقفه تجاه الشعب السوري، ويدين موقف "حسن نصر الله" من الشعب السوري وتبريره لقتله؛ الكم الهائل وغير المبرر من الشتائم والاتهامات ذات الصبغة الطائفية ، توضح مدى قوة "الدفش" التي تعرّض لها هؤلاء!

من خلال ما سبق، وبالعودة لمواقف الشاعر الراحل، والذي سجن زمن عبد الناصر ومع ذلك فقد كان وفياً لمعتقداته ودافع عنه حيث اقتضى الأمر منه ذلك، محيّداً مشاعره الشخصية جانباً.واعتقل في عهد "السادات"، وكان ضد نظام "محمد حسني مبارك" الأمني. وهو الذي كان متزوجاً من الفنانة "عزة بلبع" التي نالت نصيبها من الاعتقال أيضاً، ووالد الناشطة "نوارة نجم" والتي كانت واحدة من الشبان الناشطين الذين فجروا ثورة 25 يناير في مصر، ليتم إقصاءهم فيما بعد عن المشهد السياسي. غير أن ما فجّر موجة الغضب هذه ضده هو موقفه من حكم الأخوان في مصر، فقد اعتبر الراحل "نجم" أن الأخوان المسلمين قد سرقوا ثورة 25 يناير من صناعها الحقيقيين، وأنهم أصلاً لم يكونوا متواجدين في الميادين، بل إنهم تسلقوا على الإنجاز الذي قام به سواهم، ووصل به الأمر إلى اتهامهم بالمسؤولية عن موقعة "الجمل"..

أياً كان موقف الشاعر السياسي، فالأمر لا يقتضي أن نحاكمه أخلاقياً على موقف لا يمت لنا بصلة، أ"حمد فؤاد نجم" لم يكن يوماً مقرباً من أي من الرؤساء الذين حكموا مصر، ولم ينج من الاعتقال في عصر أي منهم، ولربما لو كانت صحته أحسن حالاً، لما تردد "السيسي" في اعتقاله أيضاً، فالرجل كان يؤمن أنه لم يعد هنالك وجود للقائد المثالي، وقد جسد هذا في مقولته "مات المناضل المثال.. يا ميت خسارة على الرجال"..

القضية هنا ليست في "موت شاعر"الأمر الذي لا يحتاج إلى حكم أخلاقي، إنما الحكم عليه ينبغي أن يكون إبداعياً محضاً، سيما وأن ما يجري في مصر هو شأن مصري بحت، تماماً كما أن ما يجري في سوريا هو شأن سوري بحت، وبحسب المثل فإن "أهل مكة أدرى بشعابها"!

ولكن القضية تكمن في ظاهرة "طنابر الدفش" التي لا تبقي ولا تذر، وتجيّر كل مفردات الحياة السياسية والاجتماعية لخدمة مشروع إيديولوجي، تحاول أن تقصي عن الساحة كلّ من لا يتفق معه!

التعليقات (5)

    محمد كناص

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    الشاعر قال على قناة حنيبعل التونسية أنا كتبت مقالة عن جرائم حافظ أسد في حماه في الثمانينات وقلت له فيها إن الجولان أقرب من حماه فأغلقت الجريدة واستدعيت للتحقيق... وقال كنت أرى حسن نصر الله مثالا، لكن الآن بعد مناصرته لقمع الشعب السوري لم يعد... حقيقة أنا لم أشاهد ما قيل إنه مناصرة منه لمذهب ضد مذهب على أساس طائفي...

    سناء أمين

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    كلام جميل وهادف من ناحية.. لكن فيه دعوة لأن لا يتدخل أحدنا في شأن بلد عربي هو منا.. وهذا لا يؤمن به أكثرنا.. ومن وجهة نظري هذه إنعزالية عن ما يحيق بنا كوطن كبير.. وهي بالتالي من أكبر رزايا الوطن العربي عامة والأمة الإسلامية خاصة.. (هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)

    سوري حر

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    لقد قال المذكور أن الجيش السوري الحر أحضر دبابات من إسرائيل ودخل لنحرير سوريا متهما الجيش السوري الحر بالعمالة لإسرائيل. فمن أين جاء بهذا القول، الذي جاء في مقابلته مع وفاء الكيلاني على قناة إم بي سي (1) يوم الجمعة06/12/2013، فهل لازال يستحق الإحترام بعد ذلك؟؟

    نور مارتيني

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    صديقي محمد كناص ، لو فتحت على موقع يوتيوب لوجدت عشرات المقاطع التي تناصر الثورة السورية ورسالة استنكار موجهة لحسن نصر الله شخصياً..أما من رأى في نصر الله بطلاً ففي مرحلة من تاريخ سوريا بعد تموز 2006 كانت صور حسن نصرالله واعلام حزب الله منتشرة في سوريا أكثر من العلم السوري بذاته، حرب تموز كانت استثماراً عاطفياً انقاد وراءه معظم المخدوعين بمقولة المقاومة والممانعة! وأعود وأكرر العمل الإبداعي لا يحاكم إيديولوجياً شاكرة لك متابعتك

    ليسوا طنابر بل قطعان اعمى الله قلوبهم وابصارهم

    ·منذ 10 سنوات 5 أشهر
    أؤيد الكاتبه في مقالتها وأستغرب من قطعان المتأسلمين فما أن يروا لحيه وعلماً أسودا فرحوا وهللوا وكأن الثورة قامت للاحتجاج على عدم تربيه اللحى!.في مصر كما في سوريا ركب الاخوان موجه الثوره بعدما تأكدوا انها ستنجح.في فرنسا كبار تجار سوريا المنتفخين هم الاخوان الهاربين ايام حماه وهم اكبر شركاء لرفعت اسد سفاح حماه بتجارته بالغرب.مرسي تحالف مع ايران فزحلقته دول الخليج وتصريحه الباهت ضد بشار قبل اسبوع من الزحلقه كان بسبب ان السيسي اعطاه مهله اسبوع فاراد شحن العواطف.لم يوقف مرسي اي سفينه اسلحه روسيه او ايرانيه في السويس مع ان اتفاقيه الملاحه الدوليه تعطيه الحق كاملا بمنع اي سفينه اسلحه من العبور
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات