طفولة تذوي..وضمير دولي يحتضر

طفولة تذوي..وضمير دولي يحتضر
إن أكثر ما يحز في النفس في كل ما يجري في سوريا، هو جيل الأطفال الذي بات مهشماً على جميع الصعد النفسية والجسدية، وفي كافة النواحي التعليمية منها، والصحية، والاجتماعية. لدرجة يخيل إليك فيها أن اليونيسيف لن يبقى لها أي عمل في سوريا المستقبل، ذلك أننا بصدد فقدان ما يسمى فئة الأطفال من مجتمعنا.

العوامل التي أسهمت فيما وصل إليه الطفل كثيرة، ولكن السؤال الأهم يبقى: " ما هو مستقبل أطفالنا في خضمّ ما يجري؟"

حالما بدأت في مناقشة هذه المسألة قفزت إلى ذهني عبارات وردت على لسان صديقتي المحامية التي عايشت الحرب الأهلية في لبنان، حيث كانت تقيم مع أهلها في طرابلس، كانت تقول: "في بداية الثورة حين كنت أشاهد أولاد أخوتي كانت تحضرني الكثير من الذكريات، أذكر أنني شاهدت جثتين في طريقي وأنا الطفلة الصغيرة التي لم تبلغ الثماني سنوات، أذكر السيارة التي قتل فيها صاحب المخبز الذي يعمل فيه أبي و"بزر مخه"، ذلك السائل الأصفر الذي كان عالقاً بزجاج السيارة، أذكر أياماً طوالاً كان أبي يضطر فيها للغياب عن المنزل لأنه كي يعود إلى المنزل ينبغي عليه المرور بـ"جبل محسن" فيما نحن نسكن في "التبانة"، أذكر كم كنت أكره اسم "الجيش السوري" المرتبط بذهني باسم "جيش الردع"!"

من يتابع شهادة هذه المحامية التي هي اليوم على أعتاب الأربعين من العمر، يتبادر إلى ذهنه مباشرة سؤال فحواه: "وماذا عن أطفالنا الذين شهدوا أضعاف ما تحدثت عنه من أهوال؟"

ما يحصل لأطفالنا اليوم أمر مختلف، فقد عرف أبناؤنا شتى أشكال القهر والتشرد، وأحسنهم حالاً ممن ما زالوا في مناطق آمنة لا تطالها نيران المدافع، ولا الصواريخ، ولا البراميل، يعانون من الخوف وانقطاع الكهرباء والماء، مما يتنافى مع أبسط شروط السلامة، فضلاً عن أنهم سلبوا طفولتهم فلا مجال لمتابعة برامج الأطفال، أو اللعب في الشارع خوفاً من أي حادث طارئ، أو حتى الذهاب إلى المدرسة في بعض المناطق بسبب الارتفاع غير المعقول للأسعار، ما يجعل مصاريف الطعام والشراب غير متاحة فما بالكم بمصاريف المدرسة!

هذا فيما إذا كنا نتحدث عن أطفال يعيشون في ظروف أسرية سليمة، في كنف والديهما، وتحت سقف منزل يؤويهم، دون أن تنهال على رؤوسهم القذائف، أو يفقدوا أحد أفراد أسرتهم أو أحد أطرافهم.

لكن ما يعانيه الأطفال خارج البلاد فهو أخف وطأة من ناحية، وأشدّ وطأة من نواحٍ أخرى..

كثير من الأطفال الذين يعيشون خارج الأراضي السورية في بلاد الجوار يقاسون مشاكل مختلفة، ففي عددها الصادر في 16 أيلول 2013 نشرت جريدة السفير إحصائية صادرة عن المفوضية العليا للاجئين في لبنان ما مفاده أن "نسبة الأطفال النازحين من عمر يوم إلى عمر 17 سنة، تبلغ نحو ستين في المئة من مجمل الموجودين في لبنان. وإذا كان الرقم المتداول حالياً يدور في فلك المليون ومئتي ألف نازح (ما بين ومسجل وغير مسجل)، يمكن القول إن في البلاد ستمئة وخمسين ألف طفل نازح سوري على الأقل. وتبلغ نسبة الذين يتراوح أعمارهم بين الأربع سنوات و17 سنة، نحو 45 في المئة من بينهم. أي أن هناك نحو ثلاثمئة ألف طفل في عمر الذهاب إلى المدرسة. ومع استيعاب المدارس الرسمية لنحو ثلاثين ألف تلميذ (تسرب أربعون في المئة من بينهم على الأقل)، يمكن القول إن نسبة الانخراط في المدرسة لم تتعد العشرة في المئة."

تعد هذه الأرقام كارثية خاصة وأن سوريا فيما قبل الأزمة كانت قد وصلت إلى درجات متقدمة في مجال محو أمية المجتمع، و بالعودة إلى التقرير ذاته فقد قدر عدد الأطفال الذين نزحوا بدون أهلهم ، أي مع ذويهم وأقاربهم بحوالي الألف طفل إلى لبنان وحدها؛ هؤلاء الأطفال سواء أكانوا يقيمون في المخيمات العشوائية التي عادة ما تقيمها الجمعيات الأهلية المحلية، أو في بيوت فهم عرضة لمشاكل شتى ليس أقلها الحرمان من التعليم بسبب ضيق ذات اليد، خاصة وأنه فيما قبل الثورة كان الأطفال اللبنانيون يتوافدون من القرى الحدودية اللبنانية إلى سورية للدراسة بسبب ارتفاع تكاليفها في لبنان، وكذلك انعدام الرعاية الصحية إلا على نطاق ضيق، ناهيك عن عمالة الأطفال، والدعارة، والاستغلال الجنسي، كل هذا ونحن ما زلنا نتحدث عن الطفل السوري في لبنان.

أما في الأردن "بحسب تقارير الأمم المتحدة: "إلى 540 ألفاً، يقيم نحو 120 ألفاً منهم في مخيم الزعتري الحدودي"، وبما أن الأمم المتحدة قد قدرت عدد النازحين الأطفال بنصف العدد الإجمالي للنازحين، فهذا يعني أن عدد الأطفال النازحين في الأردن يقدر بـ 270 ألف طفل" معظمهم يعيشون في مخيم الزعتري أو في مدينة المفرق التي قدرت نسبة السوريين إلى الأردنيين فيها ب129%؛ هؤلاء الأطفال يعانون ما يعانونه أيضاً فيما يتعلق بالتعليم، فالمدارس معدة لاستقبال عدد محدد من الطلاب، لكن هذا العدد تزايد بنسبة أكثر من الضعف مما أثر على سير العملية التعليمية فيما يتعلق بالأطفال السوريين والأردنيين على حد سواء، والكثير من المدارس اضطرت إلى أن تعود إلى نظام الدوامين لتحمل هذا العبء، فضلاً عن المشاكل الأخرى والمتعلقة بالرعاية الصحية وعمالة الأطفال والاستغلال بشتى أشكاله، والتي تعد سمة عامة تمارس على الطفل السوري أينما وجد!

في تركيا، وهي الأفضل حالاً، تبرز مشكلة مختلفة وهي اختلاف اللغة بحيث أن الطفل كي يدرس في المدارس التركية، فهو بحاجة إلى إقامة. وبالطبع، غالبية السوريين يقيمون في إقليم هاتاي الحدودي، والذي منعت الحكومة التركية منح إقامات للسوريين فيه، والعقبة الأخرى هي اختلاف اللغة، وقد أتاحت الحكومة التركية للسوريين فتح مدارسهم الخاصة تحت مظلة الائتلاف قانونياً، ولكن السؤال الأهم: ما الفائدة من الائتلاف في ظل وجود مقعد سوريا في الأمم المتحدة بيد النظام؟ من سيعترف بالشهادات الصادرة عن هذه المدارس؟

هذا إن كنا نتحدث عن السوريين الموزعين في المدن والمحافظات التركية، أما المخيمات، فالأطفال فيها مسجلون في المفوضية العليا للاجئين ويعاملون معاملة النازحين في لبنان والأردن.

يشار إلى أنه على الصعيد التعليمي، أفاد تقرير لليونيسيف بأن 3 ملايين طفلاً سورياً ، وهو ما تقدر نسبته ب 60% من أطفال سوريا قد حرموا من الجلوس على المقاعد الراسية، بسبب الظروف التي تشهدها البلاد.

صحيح أن حجم الكارثة كبير، وفاجعتنا بمستقبل أبنائنا أكبر، ولكنها تبقى أخف وطأة من فقدانهم على الإطلاق، فقد توفي اثنا عشر طفلاً نتيجة البرد القارس، سواء في مخيمات اللجوء المتواجدة على الأراضي التركية واللبنانية والأردنية، أو في الداخل السوري، نتيجة العاصفة الثلجية "أليكسا" التي تجتاح مناطق شرق المتوسط، علماً أن العاصفة لم تنته بعد، وأن هذا الشتاء يتوقع أن يكون الأقسى على سوريا منذ قرن.

التعليقات (1)

    البتوول

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    تبـا لـكـ بشـار ،، ذرفـت دموعـي ودموع اطفـال لم يجد الاجـرام الـى قلوبهـم سبيلا ،، حـولت حيـاتهـم الى جحيـم مؤلـم قاس كقسـاوة شتـائهـم البارد
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات