عربة ترام اسمها الحرية

عربة ترام اسمها الحرية
لسنوات وسنوات طوال استطاع شعبنا أن يحفر لنفسه لقب بطل العالم في الانتظار، انتظار ماذا ومن وكيف ؟لا أحد يعلم !

لكن كل الأهالي كانوا مجمعين ضمنياً على أن الانتظار هو الحل وأنه لا بد من ذلك اليوم أن يأتي حاملاً معه بشائر أمل مستقبل جديد يرفع من شأن هذه الأمة التي لا فخر لها إلا ببقايا الأحجار المتراكمة في في كل مكان من هذه الأرض تحت مسمى الآثار ،تلك آثارهم تذكرنا بما تبقى من مجد لنا ساد ثم باد هكذا وفقط وانتهى الموضوع لنتحول من عاصمة للكون إلى جرم صغير يدور في أفلاك غيرنا لقرون طويلة ...ندور وندور حتى أصابنا الدوار من الفخر والعزة والمجد بينما شوارعنا مصابة بالجدري وكهربائنا مزاجية واقتصادنا منكمش...يا لنا من أمة تعيش على ماض ماض...نجتره كل صباح حتى امتصينا كل حيوية فيه ...ولكن الأمل لا يزال يلوح ..والشعب ينتظر وينتظر...

في ستينيات القرن الماضي طلع علينا الرحابنة بمسرحيتهم الجديدة المحطة ...تلك المسرحية التي تبدأ بوصول وردة التي أدت دورها السيدة فيروز إلى تلك البلدة المنسية والمنخورة من الفساد لتقف أمام حقل البطاطا وتخبر الناس بغضب أنهم من جهلهم قد حولوا محطة القطار الجميلة إلى حقل لزراعة البطاطا ،فيجيبها الجميع بأنهم لا يرون شيئاً من هذه المحطة وأن هذه السيدة مصابة بمرض ما فهذا المكان هو حقل توارثه الأبناء عن الآباء وكل ما أنتجته لهم هو فقط البطاطا .ولكن وردة تلك الزهرة القادمة من المجهول والعدم إلى هذا المكان والتي تريد السفر إلى الشمال بالقطار انطلاقاً من هذه المحطة غير المرئية .

وهكذا تنقسم البلدة بين مصدق ومكذب لوردة ونظريتها في إمكانية وجود المحطة ووصول القطار ،ولكن أصحاب الأمل يبدأون العمل من باب التحسب للأفضل وهكذا يرتفع سعر أرض البطاطا بسبب بناء الاستراحات والاستثمارات في الفنادق والمطاعم ويبدأ الحرامي ببيع تذاكر الرحلة أولا بأول ويبدأ الازدهار بالتشكل فقط بانتظار الترين .

وتراقب وردة الفورة الحاصلة في البلدة بتوجس كبير منتظرة مثلها مثل الجميع وصول القطار الأمل القطار المنتظر والذي سينقل الناس إلى مكان آخر وكل لسببه :فمنهم من مل من حياته هنا ،ومنهم من يريد السياحة ومنهم من يريد العمل وآخر يريد تحسين وضعه ...وهكذا ينتظر الشعب بجله وصول الترين ،ولكن الترين لايصل وتتململ السلطة من الكذبة وتهم باعتقال وردة والحرامي وكل من هو مسؤول عن اشاعة الكذب والفوضى لتحسم أمر الترين فيهب الناس وتصطدم السلطة معهم وتعتقل وردة وما هي إلا لحظات حتى يدب اليأس والموت في قلوب الناس لتبخر الأمل والحلم ،وما هي إلا لحظات حتى يسمع صوت صفارة القطار قادمة من البعيد ..بتجمد الجميع ف بمكانه ويصل القطار مترافقاً مع دمعات الناس و ضحكات الصغار متوقفاً في منتصف المحطة ،قطار بلا سكة يسير وحيداً وبعد مسيره يلملم سكته خلفه كي لا يراه أحد ...

يصعد الجميع إلى الترين بمن فيهم رئيس البلدية والرجال والنساء والأطفال يصعدون متناسيين ما خلفوه ورائهم ..لتقف وردة وحيدة في المحطة صارخة :حدا يعطيني تذكرة !حدا يعطيني ورقة ...ليجيبها قاطع التذاكر بأن الجميع أخذوا تذاكرهم ولم يتبق تذاكر جديدة ....يصعد الجميع ويمضي القطار مخلفاً وراءه من زرعت فكرته في عقول الناس ..

وهذا بالضبط ما يحصل في بلادنا ،بلاد أجل من أجلها كل شيء ...انتظر الشعب وانتظر وتململ حتى النعاس ولكن قطار الحرية ستسمع صفاراته قريباً قادماً من البعيد ،قطار طال انتظار وصوله ليحمل أبناء هذا الشعب إلى مكان آخر يتساوى فيها المواطنين ،ويحتكم فيها أبناء الشعب إلى عدالة عمياء وتتكافأ فيها الفرص بعيداً عن الطائفية والمحازبة ..ولكن هذا القطار الذي سيصل يوماً ما سيأخذ معه جميع أبناء الشعب ما خلا وردة ...وردة الشهداء الذين انبثقوا من المجهول ليبشروا بالناس بهذا القطار وليحذروا من سوء استعمال حقل البطاطا ...ولكن الشهداء غير قادرين على ركوب القطارات فهم عالقون إما في هذه المحطة أو في حقل البطاطا...يلعبون مع زهوره ...الشهداء لا يمتلكون تذاكر لصعود قطار الحرية لأنهم من آمنوا بهذه الحرية في زمن سخر منهم الجميع ..وعند وصول قطارها صعدوا جميعاً ملوحين لهم ومودعين .

التعليقات (5)

    سناء عيسى

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    مقال أكثر من رائع ،شكرا اورينت ،شكرا لهذا القلم الرائع ..أبكيتموني....

    مثلي الأعلى في الحياة

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    كلام مؤثر وفي الصميم ... شكرا فارس على وقتك لهذا المقال .... ما بيأثر " . كوم

    خيري بيك

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    جوز الست ههههههههههههههههههههههه

    mohamed,canada

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .

    سومر اباظة

    ·منذ 10 سنوات 3 أشهر
    مقال يداعب شغاف القلب ،أتابعك استاذي واتابع مسرحك ..شكرا
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات