أبي الخمسيني أورث أخي الشاب طباعه الثورية فكان من أوائل الملتحقين بالثورة السلمية وصار ينشط ويحرض الشباب على التظاهر، سمع المخبرون عن نشاطه فصاروا يلاحقوه وتذكروا فيه شباب أبيه الذي كان مُفسداً حسب اتهاماتهم لأنه كان يحرض الشباب في حينها على التظاهر أيضا. ذات يوم جاؤوا إلى أبي وبكل مكرِ أقنعوه بأنهم مع السلمية ومع مطالب الثورة ولاسيما المدنية وبأنهم موجودون في المظاهرات ولم يطلقوا في حينها طلقة رصاص ضد أي متظاهر، وهذا الكلام دقيق بالفعل. أقنعوا أبي الطيب أنهم يودون فقط استجواب أخي وبأن عليه أن يكون متعاوناً وهذا السبيل الوحيد لإنقاذه قبل أن ينجرف بعمل مسلح وهذا ما لا يرضى به أبي الثائر القديم المعروف بأخلاقه الحميدة، اقتنع بالفعل فهو الذي لم يحمل يوماً سلاحاً، عادوا إليه وهددوه بأنه في حال تواطئ ولم يخبرهم عن مكان ابنه المطلوب لن يرحموا كليهما وصدق أبي هذه الكذبة وقام بتقديم أخي للاستجواب، مضت شهور مع كل جلدة و صفعة يتلقاها أخي كان أبي يجلد نفسه لأنه سمح لقلبه وخوفه على ابنه أن يصدقهم، أما عن فصول الإهانة والذل التي كان يتلقاها أبي كل مرة حين السؤال عن أخي فتلك حكاية لن تطيب لك متابعة تفاصيلها المُهينة.
بعد عدة أشهر خرج أخي و قد تلون جسده، أدرك أبي أن هؤلاء المجرمين لا يعرفون وعدا ً ولا ميثاقاً وكانوا يعلمون بقرارة أنفسهم أن الثورة يستحيل أن تبقى سلمية ولكن أبي وأخي استمرا بالحراك السلمي رغم ذلك، بدأ الأمن والجيش بأعمال العنف بحق المتظاهرين تباعا ً فانخرط أخي في صفوف الجيش الحر لحماية المتظاهرين وكي لا يتكرر الغدر نفسه هرب أبي وأمي ومعهما نحن ، كوم اللحم اختبأنا في مدينة أخرى، بقي أخي مع الثوار...لكن انتقام هؤلاء المجرمين لاحقنا حيث نحن، فبعد أن ذهبوا ونهبوا وكسروا بيتنا المتهالك أصلاً ولم يجدوا أبي قرروا معاقبته بأغلى ما لديه. قتلوا أغلى أخوتي على قلبه وشوهوا أمي وقاموا بمطاردتنا نحن البنات... لم يكن أمام أبي المسكين خيار آخر حمل من بقي من أخوتي وأخذ أمي وقرر العودة إلى المدينة ،ولكنهم كانوا بانتظاره فاقتادوه وعصبوا عينيه وأرهبونا جميعا ً.كانوا ينظرون إلى أمي باحتقار ومكر أما أبي المسكين فكالعادة عليه أن يقر اين يختبئ ابنه الإرهابي، وبعد أن تأكدوا أنه هذه المرة بالفعل لا يعلم من شهور أين ابنه نال نصيبه من أذاهم وظلمهم وأفرجوا عنه...
أبي اليوم في صفوف الجيش الحر بعد أن كان من أوائل المنادين بالسلمية، يقف بجانبه أخي في الخطوط الأولى وفي جيبه صورة أخي الشهيد ..
مواطني السوري أدونيس ، قرأتَ لك يوماً مقولة تقول فيها : لا يوجد أكثر جحيمية من أن يحارب إنسان ويُقتل من أجل الجنة أو من أجل حورية...
أكتب لك رسالتي لأجيبك ، لا يا سيدي يوجد ما هو أكثر جحيمية من هذا وذاك، وهو أن يُقتل ابنك وتُشوه زوجتك ويُهدم بيتك وتُهان بناتك ولا ترى أن هذا هو الجحيم بعينه ، إن أبي كان يرى أمي حورية من حوريات الجنة ولكن كان هذا قبل أن تفقد إحدى عينيها يا مواطني...
القصة وشخوصها حقيقيون، ولكن تم صياغة هذه الرسالة بتصرف.
التعليقات (6)