الإسلاميون منتج معاصر

الإسلاميون منتج معاصر
الخلاف على ما يسمى (عصر النهضة) في العالم العربي، تاريخه، وفضاءه الزماني والمكاني، لكن من المسلم به أن هذه النهضة الثقافية المتكسرة، ظهرت في القرن التاسع عشر كنتاج للتحدي الأوروبي حضاريا، ومنهم من يعيدها لحملة نابيلون بونابرت على مصر، مثل ألبرت حوراني حيث يحدد تاريخ بدء النهضة عام 1798 بالحملة البونابرتية. ومنهم من يعيدها لتواريخ آخرى، لكان المتفق عليه ضمنا أنها نتاج التحدي الحضاري هذا الذي أتى، محمولا على منجزات حضارية مادية وثورة صناعية، ومنجزات تنويرية أهمها الدولة القومية ونظامها السياسي الديمقراطي.

حسن البنا أيضا مؤسس حركة الإخوان المسلمين سنة 1928م والمرشد الأول للجماعة. يرتكز خطابه التأسيسي على التحدي الحضاري الأوروبي وما عناه له سلبا وايجابا.. وقد قاومت الاحزاب المصرية وعلى رأسها حزب (الوفد) تأسيس هذه الجماعة، ورفضته جملة وتفصيلا.

الحزبية في الحياة العربية هي منتج هذا التحدي الحضاري الاوربي، فقبل ذلك لم تعرف" دار الاسلام" أحزابا اسلامية معارضة؛ طبعا الفرق الإسلامية وطوائف الاسلام هي منتج التجربة الاسلامية ككل، ليس مهمتنا العودة إليه، لكن الحياة الحزبية بما فيها جماعة الاخوان جاءت هكذا.. لدرجة أن هنالك من يعيد حركية تأسيس الجماعة للاستعمار الانكليزي في مصر، ويربطون ذلك بموقف الجماعة من هذا الاستعمار، وموقف الاستعمار من محاولة قطع الطريق على النهضة الثقافية آنذاك، التي هي بالمحصلة منتج الفعل الحضاري الاوربي كما قلنا بسلبياته وايجابياته... تماما كحال ما سمي بالنهضة الثقافية العربية، والتي قادها رجالات احتكوا بالتجربة الأوروبية ونهلوا منها، وردا على ممارسات الرجل المريض الامبراطورية العثمانية وتفككها، التحدي الاوروبي كنموذج إيجابي هو من أيقظ الشعور القومي العربي آنذاك.

قلت الإسلاميون منتج معاصر، لأن هنالك من احتج على القول أنهم منتج حداثوي، باعتبار أن الحداثة لديهم تحمل فهما خطيا مسطحا ذو مسحة ايجابية اطلاقية. كل القوى التي تحمل أيديولوجيا إسلاموية هي منتج هذه الحداثة، ومنتج تفاعلاتها المصلحية والسياسية والثقافية، منتج النظام الدولي وتوضعاته في المنطقة وتفاعله معها بكل حمولته، وتفاعلها معه بكل مافيها من تفاصيل، منذ الاستعمار الاوروبي وحتى اللحظة، منتج حياة المواطن المسلم، هل هو مواطن أولا؟

الإسلاميون منذ ظهرت تياراتهم السياسية تعاملوا مع النموذج الاوروبي بشكل سلبي، ينهلون منه، ويتفاعلون معه، تحت يافطة رفضه!! وهذه أكبر حالة فصام يعيشه الاسلاموي في هذا العصر. الانتقائية المشتتة هي تعبير عن حالة الضياع هذه، كل اسلاموي ينتقي مايشاء ويرفض ما يشاء، تبعا لعوامل مصلحية بالدرجة الاولى. لكن هنالك جامع يمكن للمرء أن يلمسه، رفض الحرية الفردية، القبول بالحريات العامة كوسيلة عند غالبيتهم للوصول للسلطة!

تماما كالذين يطلقون على انفسهم: العلمانيون العرب، قبول مطلق بالحرية الفردية وتسليم ملف الحريات العامة لعسكر الفساد والجريمة المطلقة. سلطة مطلقة جريمة مطلقة. الجريمة المطلقة هي التي لايحاسب مرتكبيها.

رغم كل الحضور المثقل بالموانع والمحظورات على المرأة لكنها خرجت من القوقعة، خرجت من هذه المحظورات التي تمس كينونتها الإنسانية، هذه نقطة محورية في رفض الاسلاموي للنموذج الغربي. رفض ذكوري مخصي في الشأن العام، فحل في الشأن الخاص!!

نأتي الآن للحقل السياسي الذي يشغلنا كسوريين، وآخر تطوراته الداعشية. خلال فترة وجيزة لا تتعدى العام تحولت داعش من فصيل ارهابي متخف في جغرافيا العراق الدامية، إلى قوة تهزم نظام المالكي وتستولي على مدن وقرى عراقية وسورية. ثم يعلن البغدادي عن نفسه كخليفة للمسلمين وقيام دولته الاسلامية، مستعرضا قوته وما استولى عليه من اسلحة نتيجة لانسحاب قوات المالكي وتركهم لها.

أعلن أن سورية ليست للسوريين.. بل هي ارضا للمسلمين. هذا نموذج من الاسلام السياسوي أحرج بقيت التيارات الاسلامية والاسلاموية، وضعها امام امتحان مفاجئ، منهم من رفض ومنهم ومن بايع علنا وسرا، ومنهم من لايزال ينتظر. أصدر الاخوان السوريين وثيقة عن هيئة تتبع لهم، يرفضون هذه النسخة البغدادية من الخلافة، أما نسختهم هم فهي الصالحة، وهذه من وجهة نظري تراجعا واضحا، من قبلهم عما اعطوه من تعهدات ومواثيق شرف، وتحتاج وثيقة الاخوان السوريين لوقفة مطولة لوحدها.

هذه تعاملات سياسية راهنة، تحاكي القوى الفاعلة على الأرض، تستقوي ببعضها وعلى غيرها. تحاول داعش أن تعطي نموذجا لما تعتقده كان سائدا في خلافة الاسلام الاولى، نموذج رث وهزيل يجمع بين تجربة القاعدة وطالبان في افغانستان وبين عشائرية عراقية منحلة، تحاول ايقاظها لحسابات مصلحة راهنة.

وتستعرض صاروخ السكود بالرقة، كما تستعرض قوتها، وتحولها إلى جريمة متنقلة على الارض السورية. لماذا تمدد البغدادي في سورية ولم يتمدد في العراق في ارض المالكي وإيران شرقا!!!؟ لماذا جرائمه تطال ما يعرف بأهل السنة كما يقول الاسلاميون؟. كل ما استخدمه البغدادي في تحركه هذا هو نتاج ما هو راهن، رغم كل الغلاف الاسلاموي الهزيل الذي يحاول الباسه له. يدرك انه لو ارادت أمريكا سحقه لفعلت. هو شبح خليفة، كأنه المهدي المنتظر!! تماما كالظواهري وبن لادن من قبله، وهل في تاريخ أهل السنة والاسلام عموما خليفة شبح؟ أما هذه الشبحية وما يترتب عليها من تعاملات، هي نتاج ثقافة الآن وتاريخيته، بكل تفاصيلها ورموزها وقواها الفاعلة؟

حتى ظهور صورته تزيد من شبيحته وليس العكس، كما أنه يدرك أن وجوده مرتبط بغياب الدولة الوطنية كمؤسسة وكحدود. لهذا يعلن ببساطة فارغة أن سورية ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين. الأصل مهما كان راسخا لايعيش إلا بفرع ممتلئ بتفاصيل الحاضر وشروطه وقواه ورموزه، رغم كل ما نشاهده من محاولات رثة عموما في تقليد هذا الأصل. لهذا هو ليس فرعا ولا أصلا هو منتج هذا الحاضر، ويساهم في إعادة انتاج حاضره هذا.

لكن الأصل هنا في حالتنا ليست دولة الخلافة الراشدية لأنها لن تتكرر، التاريخ لا يعيد نفسه مطلقا. لا على شكل مأساة أو ملهاة أو حتى مسخرة. الأصل في الحاضر: ما هي محاولة التقليد هذه؟ من تخدم؟ من يجعلها تطفو على السطح؟ من يدعمها لتملك جزء من زمام المبادرة؟ من هي القوى المسيطرة على الكوكب؟ هي التي أطلقت سراح البغدادي لكي يصبح خليفة شر البلة ما يضحك. تماما كما غطت على نظام الاسد كجريمة مطلقة.

الاهم من كل هذا أن التاريخ لايعيد تفاصيله. خارج الجوامع الحياة تمضي كما هي بكل حمولتها الراهنة والمتحركة. الطقس هو شكل من أشكال ايقاف حركة التاريخ ظاهريا، لكنه من جهة أخرى هو انغماس في الحياة الراهنة. هذا الوجه للسياسة الداعشية، هو منتج معاصر. تماما كالاسد ونظامه. الفرق بين الشبيح الاسدي وارهابي داعش هو بالذقن واللباس.

أما النهب والقتل وتجريم الناس وتكفيرهم فهو واحد. كلاهما عدو للحرية وكلاهما يفرض نفسه بقوة القتل، وكلاهما يعيش على فتات النظام الدولي الراهن. لأنهم كذلك هم منتج حداثوي ومعاصر جدا جدا. لكن اهم من كل هذا وذاك لولا جرائم الاسد لما ظهرت داعش.

التعليقات (3)

    الخريطة معقدة

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    ﻻ شك أن ظهور داعش و انتشارها السريع في سوريا له أسبابه ولكن النظام هو الذي حضر البيئة لهذا الانتشار . فالنظام له تجربة خمسين عام من العمل و التخريب في البيئة السكانية للمنطقة الشرقية من خﻻل شراء المرجعيات العشائرية والدينية و فضحها . وبالتالي سلبها من قوة تأثيرها على الاني والأمر الثاني هو الهجرة الداخلية من هذه المنطقة بسبب إهمالها المتعمد لفترات طويلة . وبالمقارنة مع منطقة حوران سنجد أن الأمر مختلف فالمجتمع أكثر تشبث بالقيم العشائرية وأكثر فهم اللخريطة السياسية وبالتالي لن تجد داعش لها موطئ قدم

    عاصم الولي

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    السيد غسان المفلح بعد التحية في تحليل ومناقشة اية قضية يجب التكلم عنها بكلمات لها مرجعية في اللغة التي تكتب بها واعتقد انه لايجوز التلاعب بالالفاظ لتمرير بعض المفاهيم المغلوطة . فلو حاولنا تأصيل كلمات مثل : اسلامي ، اسلاموي ، حداثوي ، تقدميواناني ، رجعناوايبي ، وكل ماشاكل من هذه الاصطلاحات الوهمية والكلمات الجوفاء الخالية من اي معنى . فمثل هذه الترهات والسخافات ممكن ان تنطلي من شيخ على مريديه او من حكواتي على مستمعيه ، او من ( خجاتي ) على من تنطرهم من الصغار ؟ وماذا اقول لك اكثر من ذلك ؟

    غسان المفلح

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الواو المضافة في اي مصطلح هي للتفريق بين الاعتدال والمغالاة.. واشكرك على حسن ملافظك.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات