رئيس تحرير..برتبة خياط

رئيس تحرير..برتبة خياط
شهد عام 2013 تراجعاً كبيرة في مختلف مسارات الثورة السورية، وعلى جميع الأصعدة: العسكرية منها والاجتماعية ..والإغاثية، فخلال العام المنصرم تمكن النظام من تلميع صورته إعلامياً عبر قنوات عديدة، لعب فيها المجتمع الدولي دوراً هاماً من خلال قضيتين: أولاهما تحويل مسار الثورة السورية من المدنية إلى تحميلها بعداً طائفياً، وذلك من خلال إرسال المتطرفين من مختلف أصقاع العالم للقتال في سوريا، في حين فشل النظام في خلق إنجاز من هذا النوع خلال سنوات 2011-2012، وثانيهما، من خلال صفقة تسليم السلاح الكيماوي، والتي أديرت بطريقة تضفي شرعية على تحركات النظام دون تكبيده أي خسائر استراتيجية، ولا أدل على ذلك من غاز الكلور الذي ما زال يستخدمه حتى اللحظة.

غير أن حالة الانحدار الإعلامي غير المسبوقة، تبقى الضربة الكبيرة في خاصرة الثورة، وهي المعركة الأخطر التي أدت إلى تقويض أهم عوامل شرعية الثورة، ألا وهي الرأي العام العالمي، العربي، وحتى المحلي!

فمع بداية الحراك الثوري، وإحكام النظام لقبضته الأمنية على كل مفاصل الحياة العامة في البلاد، ومنعه لوسائل الإعلام العربية والعالمية من تغطية الشأن السوري، كان من الصعب جداً إيجاد منبر إعلامي يرصد الحراك الثوري، في ظل هيمنة النظام السوري وقبضته الفولاذية المحكمة على عنق وسائل الإعلامية المحلية، وحتى مكاتب وسائل الإعلام العالمية في دمشق، بدليل أنه كان من رابع المستحيلات أن تسمع خبراً أو تشاهد تقريراً عن سوريا قبل الثورة السورية على شاشة أي من وسائل الإعلام العربية أو العالمية؛ ومن منا ينسى حادثة منع توزيع صحيفة الحياة عام 2008 وإرغام مدير المكتب الصحفي ابراهيم حميدي يومها على تقديم استقالته من عمله، في الوقت الذي كان فيه ابراهيم حميدي نفسه قد تعرض للاعتقال عام 2002 على خلفية نشره لأخبار في الصحيفة ذاتها مفادها أن سلطات عليا في سوريا تستعد لاستقبال أفواج من اللاجئين المحتملين من العراق، طبعاً كان هذا قبيل الغزو الأمريكي للعراق بأربعة أشهر!

ولم يكن الأمر يتوقف عند حد الاعتقال فحسب، فعلى سبيل المثال حكم على الإعلامية الراحلة سلوى الأسطواني بالسجن مع الأشغال الشاقة بسبب تحقيق عن الفساد في إحدى المؤسسات السورية نشرته في صحيفة الشرق الأوسط عام 1998، ومن قبلها تعرضها لمحاولة اغتيال أثناء تغطيتها للاحتجاجات في مخيم اليرموك في تسعينيات القرن الماضي، ولاحقاً إيقافها عن العمل وسحب الترخيص منها حين كانت مديرة لمكتب البي بي سي في سوريا، على خلفية تغطيتها لأحداث ربيع دمشق قبيل وفاتها عام 2006، ليسحب منها الترخيص ويعطى لعساف عبود، الذي أثبت ولاء منقطع النظير للنظام السوري خلال الثورة السورية، ونجاحه في حشد الرأي العام العالمي ضد الحراك الثوري!

وكانت الاتهامات أحياناً توصل إلى حبل المشنقة فيما لو تشبث الديكتاتور برأيه، فالصحفي شعبان عبود أيضاً نال نصيبه من الاعتقال عام 2006 بحجة نشره أسراراً عسكرية حين كان يعمل مراسلاً لصحيفة النهار اللبنانية، الأمر الذي دفع الإعلامي "الطاهر ابراهيم "إلى القول بأن "ما نعتقده سببا أساساً للاعتقال، أن "شعبان عبود" رفض أن يمشي في ركاب السلطان. ومع أنه لم يشحذ قلمه كثيراً، فقد أبى أن يكسر شيئا من ذباب رأسه. وحتى هذا فإن السلطان "العقيم" لا يقبله !" الأمر الذي دفع بشعبان عبود فيما بعد إلى مغادرة سوريا إلى غير رجعة!

مع كسر هذه الأقلام الكبيرة، كان لابد للسلطان من إيجاد بديل يملأ الفراغ الإعلامي الذي تركوه، خاصة بعد أن كان قد تورط في "ربيع دمشق" لتلميع صورته، وكان لابد له من خلق فضاء إعلامي سطحي يتناسب ومقاييس عقول مسؤوليه التي تحمل النمرة 48!

حينها جاءت موجة المواقع الإلكترونية ذات المرجعيات الاستخباراتية، ومنظمات حقوق الإنسان الوهمية المرتبطة مباشرة بفروع الأمن، كل هذا من أجل تضليل الرأي العام العالمي قبل المحلي، وإيهامه بأنه ثمة انفراج يلوح في الأفق، فعمل وقتها النظام على إيجاد حفنة من أقلام المرتزقة الذين ليس لديهم أي باع في العمل الإعلامي، وإنما جاهزون للعمل بصفة "صحفي تحت الطلب"، لينشروا ما يسرب إليهم من أخبار عن طريق أصحاب القرار الأمني " دون تردد أو تذمر!"، ولا يمنع من رش البهارات المناسبة على الخبر، وفي الغالب كانت هذه المواقع ذات أجندات اقتصادية، بغية خنق أصحاب رؤوس الأموال، وكسر رأس أي رجل أعمال يفكر في التمادي على ولي نعمته، ومن يخالف، فالويل والثبور، أما من كانت تسول نفسه له أنه بمقدوره العمل دون أن يستند إلى واحد من أصحاب القرار، فكان نصيبه هو نفس نصيب الصحفي خالد سميسم على سبيل المثال لا الحصر، حين أجبر على إيقاف الموقع الالكتروني الذي أسسه "سيريا لايف" بعد فترة بسيطة من إطلاقه بسبب نشره مادة حول الإعلامية التي كانت مقربة من النظام السوري آنذاك "ماريا معلوف"!

في وقت ظهر على الساحة مشرفون على التحرير، عملوا في عدة مواقع الكترونية بل ورأسوا تحرير عدة جرائد لا تصلح حتى لمسح الزجاج، حتى أن بعضهم كان يمتهن حرفاً من خياطة ونجارة وغيرها على سبيل المثال، ولكن لما لديه من حظوة لدى أصحاب القرار تحول إلى "جوكر" في عالم الإعلام الإلكتروني السوري بحكم مقدرته على جلب تمويل ضخم من خلال الإعلانات التي كانت مرتبطة بمؤسسات وتوجيهات الدولة العتيدة، أو بسبب ما يمتلك من "الحد الأعلى من الأدوات" الذي يروق لصناع القرار!

كل هذا مقبول في ظل النظام وفساده، ولكن أن تصبح هذه العينة من خياطي الماضي رؤساء تحرير في الصحف التي يفترض أنها ثورية أو أنها تسوق على هذا الأساسً، وأن تكون الكوادر التي تعتمد عليها وهمية ولا تاريخ لها، وأن تعمل على تشويه كل المفاهيم الثورية من أجل تمويل الداعم، جرياً على العادات القديمة للقائمين عليها في استجلاب الإعلانات المدعومة، فهذا ما يعتبر قمة في الإسفاف، وهو أهم عوامل تقهقر الثورة السورية..

يحدث كل هذا بعين مغمضة من قبل مؤسسات المعارضة عن الملف الإعلامي ودوره التخريبي، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا وفق احتمالين: أولهما أن الأجندات تلعب بمصير مؤسسات المعارضة، ما يجعلها لا حول لها ولا قوة، والملف الإعلامي هو الأقوى، وهنا يبدو الأجدى بهم أن ينسحبوا من مواقعهم التمثيلية ليتركوها لمن هو قادر عل إدارة دفة هذه الجزئية المهمة، وثانيهما أن النظام هو من يقبض على مفاصل الإعلام المعارض، وفي هذه الحالة، لا يمكننا إلا أن نبدأ منذ بداية السطر "الشعب يريد إسقاط النظام"

التعليقات (1)

    حمدي

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الى السيدة نور والله لم يكن للمجتمع الدولي دورا هاما في التراجع الذي حصل في الثورة وخصوصا على الصعيد العسكري بقدر ما كان للمغريات والدولارات والمساومات مع اصحاب النفوس الضعيفةالدورالاكبر فالجلاد كشف السر وعلم الثغرات التي اجتاحت النفوس ففعل فعلته ففي الوقت الذي كان يسيطر فيه الثوار على اكبر جزءمن دمشق واصبح يطلق على الجلاد مختارالمهاجرين في التعليقات اصبح الان سيد الموقف اما بالنسبة للانحدار الاعلامي فالثوار في الخارج منهمكون في تقاسم الحصص المعونية والمزاودة على مقدار الرواتب والمساحة لاتفي بالكتابة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات