وحدهم السوريون..لا يتعلمون من دروس التاريخ

وحدهم السوريون..لا يتعلمون من دروس التاريخ
عمل نظام الأسدين الأب والابن، على ترسيخ فكرة تأليه الفرد، واختصار البلد بشخص "القائد المفدّى"، بغية توطيد أركان دولته الأمنية، وإحكام قبضته على كافة مفاصل الحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، ومنع" جرثومة" الديمقراطية والحرية من التسلل إلى عقول الناشئة؛ وقد ساهم الإعلام السوري – الذي لا يختلف عن أجهزة الإعلام في جميع الأنظمة الشمولية في شيء- إلى تعميم هذه الفكرة، واختصار مجمل الحياة السياسية في شخص فرد، هو الآمر والناهي، وهو الباني الحقيقي لهذا البلد، وتغييب دور المؤسسات، ليكون الرئيس هو المرجعية الحقيقية لكل ما يجري فيه، وبغيابه سيكون محكوماً عليه بالتلاشي!

في ظل هذه العقلية، نشأت أجيال عربية، تبنت هذه النمطية من التفكير، وقد ساهمت الأساليب الديماغوجية التي تتبعها هذه الأنظمة الشمولية في اللعب على هذا الوتر، فكانت النتيجة هي الحاكم الأوحد، الذي لا يمكن لهذا البلد أن يستمر في الوجود بدونه..كل ما سبق ذكره، أسهم في إيجاد ظاهرة منحبك التي تصلح لكل زمان..وكل مكان..وكل حاكم في عالمنا العربي.

غير أنه من الغرابة بمكان، أن أجيالاً قامت للتمرد على هذه النمطية من التفكير المدجن، ممن انتفضوا ضد استبداد الحاكم الأوحد تحت مسمى "شباب الربيع العربي" أن يعودوا لتكريس هذه العقلية ولكن ضمن لبوس جديد، يعتمد الخطاب الديني بدل الخطابات السياسية الرنانة، ويلتجئ إلى ديماغوجية من نوع جديد، تعتمد هذا الخطاب، من خلال التقاط صور لهم وهم يؤدون بعض الشعائر الدينية، بدلاً من الأغاني الحماسية التي كانت فيما مضى تستثمر لصالح زيادة رصيد شعبية هذا الحاكم!

من هنا، لم يكن مستغرباً ما قام به السوريون اللاجئون في مصر من ممارسات احتفالية فرحاً بفوز "محمد مرسي" في الانتخابات الرئاسية المصرية قبل قرابة العامين، وخروجهم بتظاهرات احتفالية ابتهاجاً بوصوله إلى سدة الحكم إلى جانب "أشقائهم المصريين" الذين هم في الغالب من الطيف السياسي ذاته؛ لم يستجب السوريون وقتها للنداءات المتكررة التي أطلقها الكثيرون بأن ما يحصل في مصر هو شأن داخلي، وأن تواجد السوريين في الميادين العامة للاحتفال بوصول مرسي، أو التظاهرات التي خرجت ضد الطيف الآخر من المجتمع المصري ممن لا يؤيدون مرسي، يسيء لشكل الديمقراطية في مصر، وأنه قد يفقده شعبيته ويسهم في تكريس الشحن العاطفي الممارس ضده، غير أن كل هذه النداءات لم تلق أذناً صاغية لدى الكثير من السوريين، لربما بسبب توق البعض إلى الاحتفال مع الآخر بعد أن حرموا في بلادهم من هذا النوع من الترف، أما الطيف الآخر فقد ساهم في شحن السوريين بشكل أكبر، والزج بهم في هذه المعمعة، ولكن عن قصد هذه المرة، فالأجندات السياسية كانت تقتضي أن يتم تأليه مرسي، وحتى "التشبيح له" في بعض الأحيان!

كانت النتيجة أن السواد الأعظم من المصريين اعتبر أن السوريين لم يحترموا آداب الضيافة، وأن ولاءهم يجب أن يكون للشعب الذي تعاطف مع معاناتهم واحتضنهم، بدلاً من الحاكم الذي لم يكن ليملك شيئاً من أمره لو لم يكن هذا هو موقفهم من السوريين كشعب، تماماً كما اعتبر السوريون أن بعض اللبنانيين ممن انخرطوا في تأييد "بشار الأسد" جاحدين لمعروف الشعب السوري الذي فتح بيوته لاستقبالهم إبان حرب تموز 2006، وأن "بشار الأسد" ليس هو من فتح بيته لهم!

إلا أن السوريين لم يتعظوا مما حصل معهم في مصر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي، فخلال أقل من عام شهدت تركيا استحقاقين انتخابيين، أولهما هو الانتخابات البلدية التي قد يعتقد البعض غير ذات أهمية، إلا أنها تلعب دوراً مهماً في حياة الدول الديمقراطية، لأنها تشكل مؤشراً حقيقياً لشعبية الأحزاب المساهمة في صناعة الحياة السياسية في هذا البلد، وبالطبع ..وجرياً على العقلية التي تربى في كنفها السوريون على امتداد فترة تربو على الأربعة عقود من تأليه الفرد، فقد انخرطوا في العملية الانتخابية وراح كل منهم يدلو بدلوه حول الأحزاب المشاركة، لدرجة أنه تم استبدال اسم حزب العدالة والتنمية التركي "AK PARTY" باسم "حزب أردوغان"، الأمر الذي لم يرق لمؤيدي أردوغان ومعارضيه ممن اعتبروا هذا الموضوع يشكل انتكاسة في العملية الديمقراطية في البلد!

وما زاد الطين بلة، هو انخراطهم في التظاهرات والتجمعات الانتخابية وترديدهم لهتافات استفزازية من قبيل "شبيحة ..هير زمان..لأجل عيونك ..أردوغان"، في العديد من الأقاليم التي توجد فيها معارضة شرسة لحزب العدالة والتنمية كهاتاي ذات الأغلبية المؤيدة لحزب الشعب الجمهوري، وغازي عينتاب التي ينتمي عدد لا بأس به من سكانها لحزب العمال الكردستاني، ما أثار نقمة السكان ضدهم، فضلاً عن تضرر المصالح الاقتصادية للأتراك بسبب العدد الكبير من النازحين السوريين، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أجور اليد العاملة نتيجة العمالة السورية الوافدة، ما زاد من احتقان الشارع التركي.

فضلاً عن استهداف النظام بشكل متكرر لبعض الأهداف الحدودية كتكرار سقوط قذائف في مدينة الريحانية الحدودية، التي أصبح عدد السوريين فيها يساوي عدد المواطنين الأتراك، والتي تعرضت في العام الماضي لحادث تفجير سيارة مفخخة، تبين فيما بعد أن المسؤول عن هذا التفجير هو "مهراتش أورال"، والذي يعرف في سوريا باسم "علي كيالي"، المسؤول عن مجازر البيضا وراس النبع في مدينة بانياس السورية، غير أن السواد الأعظم من الأتراك اعتبروا أن وجود السوريين هو السبب الأساسي لتعرضهم لهذه الحوادث..ما ساهم في اتساع الفجوة.

في غمرة كل هذا، تأتي حوادث فردية لتزكي مشاعر التذمر التي تعتري الأتراك، فتتحول إلى ردود فعل ناقمة على سلوكيات البعض ممن لم يراعوا أن تركيا هي بلد المواطنين الأتراك، وأن تصرفاتهم الشعواء ستنعكس سلباً ضد أكثر من مليون مواطن سوري هربوا من سعير الحرب في بلادهم، والتجؤوا إلى تركيا.

وتأتي بعض الفئات السورية المقربة من الحكومة التركية، من أصحاب التيارات الإسلامية، التي لم تقدم أي شيء لقضية السوريين، لتكيل لهم التهم وتتهمهم بأنهم شعب متخلف على عكس الأتراك "الشعب المحترم الكادح"، علماً أنهم من خلال بلطجتهم السياسية، واستباحتهم سوريا قبل إساءاتهم المتكررة في تركيا وسرقة أموال الإغاثة المخصصة لنجدة السوريين، الذين اضطر بعضهم إلى التسول وتشويه صورة السوريين أمام مضيفيهم، هم المسؤول الرئيسي عن هذا الشحن العاطفي ضد السوريين، خاصة من خلال الضخ الإعلامي وتحكمهم بمفاصل حياة المواطن السوري في تركيا من إغاثة، وتعليم، وحتى رعاية طبية!

هؤلاء أنفسهم، من خلال حملتهم الإعلامية البغيضة تلك، من سولوا على سبيل المثال لمواطن تركي أن يتطاول على امرأة سورية لمجرد أن أحد المواطنين السوريين ممن يلوذون بها عجز عن دفع الإيجار، وبدلاً من محاولة رأب الصدع وتبيان أن الحادث فردي، راحوا يحشدون الرأي العام التركي ضد السوريين "المتسولين" والفتيات السوريات "المتبرجات". وهم نفسهم من دفع بالشبان إلى المظاهرات "للتشبيح" وتجاوز آداب الضيافة تحت عنوان "شكراً أردوغان"، تماماً كما فعلوا سابقاً في مصر، وحشدوا السوريين في ميدان رابعة، فكانت النتيجة أن ضاق المصريون ذرعاً بهم وتغيرت المعاملة بشكل كلي من قبل المجتمع المصري بكافة أطيافه.

ما لم يتنبه له الجميع أن السوريين المتواجدين في مصر موثقون لدى مفوضية الأمم المتحدة بالاسم، وأن أي حادث سيجري لمواطن سوري يمكن متابعته قانونياً، أما السوريون المتواجدون في تركيا فهم "ضيوف"، وكثير منهم لا يوجد مستند قانوني يثبت تواجده على الأراضي التركية، وبالتالي في حال تعرضه لأي حادث من قبل مواطن تركي، فلا مجال لمقاضاة هذا التركي، وتبقى الإشارة إلى أن الأتراك كما هو معروف عنهم متحيزون لمواطنيهم حتى وإن تجاوزوا على القانون!

التعليقات (10)

    سلمان خيري

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    سورية هي الأهم

    مواطن

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    لاحياة لمن تنادي...عبث الله وكيلك

    ﻻ يوجد حدود للدول في الفكر الديني

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    من الواضح ان الكاتب ينظر نظرة سابية للاتجاه والفكر الديني بين الناس ولكن وبسبب ما ذكره في المقدمة من ممارسات للتأليه قامت بها معظم الأنظمة العربية . لم يعد عند الأغلبية إلا التمسك بالله والدين الذي هو مﻻذهم الفكري الأخير . ولكن بدرجات تتفاوت بين الوسطية للأغلببة والتشدد والتطرف للأقلية الجاهلة بأغلبيتها . هذه الحالة الاجتماعية السياسية كانت فرصة ذهبية للسفلة للانقضاض على كل فكر ديني مهما كانت درجته للإبقاء على استعباد الشعوب

    المستاء

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الى رقم3 ثق تماما ان الكاتب اصاب قلب الحقيقة ولا علاقة لتعليقك بما كتب ام انك لم تطلع على التجاوزات والخروقات التي يقوم بها شعبنا في دول اللجوء والتي تدل على عدم التزام ادب الضيافة وكم نشهد من هذه التجاوزات ولا استطيع القول الا الله يستر وبس وسوف نرى.

    أغنية الشعب العربي وين لجوليا بطرس

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    بعد قلة أدب عاطف نجيب مع وجهاء عشائر درعا وريفها لقاء رفضه الإفراج عن تلاميذ المدارس ـ هبّ ريف درعا فكانت هنالك سوزوكي تصدح بأغنية جوليا بطرس الشعب العربي وين تنتقل من قرية لأخرى تجاه درعا وكلما تمر على قرية يزداد الحشد الذي يرافقها إلى أن وصلوا درعا البلد حيث كان قنّاصة الأسد بانتظارهم بطلقون عليهم الرصاص فاستشهد العشرات ـ وتلى ذلك جنازات وعزاء وشعائر دينية عندئذ استغل الأسد مخاطباً العالم وطائفته والمسيحيين والدروز إن هؤلاء المتظاهرون مسلمون أصولييون سلفييون يريدون تطبيق الشريعة سيسبون بناتكم

    الشعائر الدينية عند الموت

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    قام باستغلالها الأسد مستغلاً جهل العالم يشعائر الموت لدى العرب المسلمين قائلا لهم شوفوا كيف يكررون ذكر الله .... الخ والجدير بالذكر ان القرى العلوية لا توجد فيها مقابر كالمقابر الإسلامية ولا يُسمع فيها أذان لخلو معظمها من المساجد والمسيحييون العرب يلعبون دور ـ الحياد الإيجابي مع السلطات الديكتاتورية العربية ـ وإذا ما اعتُقل أحدهم يتدخل الإكليروس والسفراء منذ أيام الدولة العثمانية من أيام المتصرفيات في لبنان أي من قبل الحرب العالمية الأولى ـ والمشكلة الكبرى أنهم لا يتذكرون عروبتهم إلا في المهجر

    انا المقصر

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    لعلك ايها الكاتب لا تتعلم من دروس التاريخ وهو ان المسلمين اخوة ولا من دروس الجغرافيا وهو ان هذه البلاد كانت فيما مضى تحت راية واحدة وارى انك تتعلم من القسم الثالث في مادة الاجتماعيات وهي القومية والوطنة الزائفة

    التجاوزات المضللة

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الى الأخ المستاء : المسلمون في بلاد المسلمين ليسوا غرباء و عندما يدخلون بلد بجب عليهم إبداء رأيهم بكل حرية فمنهم المهذب ومنهم غير ذلك . كما ان الأتراك على سبيل المثال منهم المهذب وغير ذلك . ولكن هذا ﻻ يبرر طردهم أو معاملتهم وفق الطريقة المصرية أو الجزائرية . أعود وأقول عدم اقتناعك بأن بﻻد المسلمين لكل المسلمين لن يؤدي الى اتفاقنا . العرب في أوربا يمارسون كل حريتهم بدون ردود أفعال متطرفة تجاههم إﻻ ما ندر ولكن المنظرين في مجتمعاتنا عندهم عقدة نقص تجاه المجتمعات الأجنبية ويعتبرونها أفضل منا

    المستاء

    ·منذ 9 سنوات 9 أشهر
    الى رقم8 اخي سامحك الله لست اعاني من عقدة نقص تجاه المجتمعات الغربية ابدا واعلمك باني رفضت متابعة دراسة الدكتوراة في بلاد الغرب فقط لانها لا تتناسب مع التزامي ومنهجي الديني واخترت لذلك بلدا مسلما ولو لم ار هذه التجاوزات ولمرات متعددة لما ذكرت ذلك ولكني اردت النصح والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول المومن كيس فطن ووجود شعبنا في بلد اسلامي ليس ذريعة له لان يمارس ما افتقده في بلده ولكن الفطن من يحسب للعواقب حساب فالزمان مرة لك ومرة عليك وكفى

    ابو مالك

    ·منذ 9 سنوات 8 أشهر
    إن كلام الكاتب في مجمله أصاب عبن الحقيقة ... فليس للسوريين أي حق في التظاهر أو تأييد شخص أو مسؤول تركي ضد آخر و الأتراك شعب طيب لكنه شعب قومي بالنهاية يفضل التركي على غيره و يرفض رفضا قاطعا أن تنحاز. و كما رفضنا تدخل شيعة لبنان و غيرهم بالأمور الداخلية في سوريا و كما رفضنا دعمهم للنظام و شتمهم للثورة كذلك يجب أن نفبل رفض الامم الأخرى تدخلنا حتى لو كنا و إياهم مسلمين و لكننا لا نحمل نفس الجنسية. إساءات السوريين هي من كرهت الشعوب بنا.
10

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات