لكون التطرف مصلحة وسياسة علينا معرفة أهداف تشكله في كل محطة وكل مكان على حدا.
في سورية كان للتطرف غاية أساسية وهي، شيطنة الثورة السورية من أجل الحرية وقاعدتها الشعبية الذين هم موضوعيا "سنة سورية" ككتلة بشرية تشكل اكثرية موضوعية كاسحة، ليسوقها آل الاسد وإيران على انها ارهابية لانها برأيه تشكل حاضنة الثورة، وتسويغ قتلها وتمرير ما قام به الاسد من جريمة مع حليفه الايراني بحقها. عدم فتح ملف تلك الجريمة ولا في أي محفل قضائي في هذا العالم. إلى حين تقرر ذلك المصالح الامريكية. من يقرأ لما يكتبه معظم المحللين الغربيين يجد، انه بات لديهم ميل لنسيان القاعدة وتجربتها والبدء من جديد مع داعش وابو بكر بغدادها. لماذا حضرت داعش من العراق؟ من أحضرها؟ الأهم من كان المتضرر الحقيقي من إحضارها ومن ممارساتها؟
أسئلة لم نستطع الإجابة عنها حتى اللحظة؟ لهذا نركض لاحياء الاموات: مثال التركيز على أن الإسلام هو السبب، ثم لاحقا ان السنة من الإسلام هم السبب. لأننا كمثقفين وكتاب وكمعارضة فشلنا جميعا في الإجابة عن هذه الأسئلة.
من غير المعقول ألا يكون لدينا جواب لهذا؟ بدأنا نشرق ونغرب في إجاباتنا، حتى وصل الامر ببعضهم ان يحمل الناس- السنة طبعا- في سورية أنهم يشكلون قاعدة شعبية لداعش!!! منهم من يعيش تحت حذاء الأسد، ومنهم من يعيش تحته معارضا له، لكنه لايجرؤ على التنفس وهذا مفهوم في نظام الموت الاسدي، فهل يمكننا القول: انه جزء من القاعدة الشعبية للاسد؟ هذا لكي يرتاح ضميرهم يتحدثون: عن أن اهل الرقة هم القاعدة الشعبية لداعش. بنانا الاجتماعية ليست بنى سرية، لايعرف العالم المسيطر والمهيمن ماذا يجري فيها. مخيال التنظيم السري يسيطر على الفكر اليساري عموما رغم انفتاحه، لهذا نتعامل احيانا وكاننا أمام تنظيم سري يبحث عن حاضنة شعبية. هذه مغالطة. داعش حمولة عسكرية أولا وقبل أي شيئ آخر، أتت لسورية بتواطئ من كل حدب وصوب. كما هو الوضع على الجانب الآخر مثلا لو قرأنا الحمولة العسكرية لقوات اليبي كي الكردية، وحمولتها العسكرية باشراف الاسد وايران وتجربتهم في تسليح قوات اليبي غي. ما أردت قوله هنا أن الحقل السياسي هو المصدر الاساس لهذه الحمولات وهو بانيها، وليس ثقافة الارياف او المدن. عندما نحاول أن ندخل إلى حقل الثقافة والتكوين الثقافوي لهذه الحمولات العسكرية، دون أن نجيب عن الاسئلة السياسية نكون بذلك، قد فقدنا برأيي الجزء الاهم في اللوحة المعقدة هذه. علما أنني لا امتلك اجابات موثقة عن هذه الاسئلة السياسية التي تتعلق بداعش. محض الصدفة الموضوعية، أن داعش لم تستطع حمولتها العسكرية المنظمة هذه أن تصل إلى مدينة كبيرة كحلب لتستولي عليها. لو استطاعت لما توقفت بالرقة. هل كنا سنتحدث عندها عن قاعدة مدينية لداعش؟
من جهة أخرى وفي ذات السياق، نشر المفكر السوري برهان غليون مادة غنية في التفكير السياسي بالمسألة الطائفية عن (حقيقة الطائفية في الصراعات العربية) حيث يقول كنتيجة:
"لا تعدو الطائفية السائدة اليوم سوى شعارات وجمل تستخدم لتعزيز آلة الدعاية والحرب النفسية التي تخوضها الأطراف السياسية. ولو نظرنا في الظاهرة عن قرب، لاكتشفنا أن ما تسمى المشاريع الطائفية ليس لها أي مقوم داخلي، وكلها مشاريع مرتبطة بقوى أجنبية. وهذه الطائفية المخطوفة والمجيرة لحسابات سياسية واستراتيجية محض هي التي تهدد تراث الطائفية الاجتماعي، الذي يجسده التضامن الأخوي، والاعتزاز الفطري والطبيعي عند كل فرد بانتمائه الديني، أو المذهبي أو القومي أو العائلي".
لكن الدكتور غليون تناسي في دراسته هذه الحديث عن مشروع الولي الفقيه الايراني، الذي أسس بنيويا لنظام طائفي توسعي في العالم الاسلامي. النظام الوحيد المؤسس دستوريا وحقوقيا إنسانيا على التمييز الديني والطائفي، داخليا على المستوى الإيراني، وإقليميا على المستوى الاسلامي. حتى لو كانت كل الدول المحيطة به، دولا علمانية ديمقراطية، وفيها اقليات شيعية، لن يترك مجتمعها بمنأى عن محاولات المستمرة في تشظيمة تلك المجتمعات طائفيا وإقامة مؤسسات طائفية فيما لو تسنت الفرصة له، لبنان والعراق واليمن نماذج واضحة. ما دور هذا النظام في تأجيج المشاعر الطائفية الكارهة والحاقدة؟ مادوره أيضا في تحالفه الفعلي مع تنظيم القاعدة وانبثاقاته في هذا المكان أو ذاك؟ ما دوره في نشر التطرف بكل انواعه؟
أسئلة أيضا نحتاج الاجابة عنها. رغم اتفاقي مع الدكتور غليون أن الطائفية مشروطة للسياسة، حتى اصبحت السياسة مشروطة للطائفية أيضا وهذا نموذجه النظام الايراني. التطرف كالطائفية شرطه وانتشاره موجود في الراهن، في الآن المتحركة بفعل قوى وشروط راهنة أيضا. نقل التقييم بمعيارية مسبقة الصنع من مواطنيين سوريين منكوبين بنظام مجرم، إلى كتل طائفية متطرفة أو غير متطرفة، هذا أمر تطلبته سياسة الاقوى داخل المعادلة السورية وليس النظام. الاموات من بشر ونصوص ليسوا متطرفين، إلا بمقدار دمج الحاضر لهم في سياق رهاناته ومصالحه، لهذا الاموات لايحكمون كما يتم الادعاء احيانا، وإلا تنتفي ارادة الاحياء كليا وهذا أمر منافي للطبيعة والبشر والشرائع أيضا. عندما يتحدث بعضنا عن أن الاسد الاب، رغم موته لايزال يحكم، يغفلون أن السبب هو أن الوريث اراد ذلك. عندما يتفق كل مهتم بشأن المنطقة عموما وسورية خصوصا على أن" الولايات المتحدة بقراراتها في سوريا، ساهمت في صعود الجهادية. امريكا هي التي منعت دعم الجيش الحر بالسلاح، وتركت الاطراف التي من مصلحتها تقوية الجهادية تسرح وتمرح، كما تركت الاسد وميليشياته المتطرفة السورية منها والايرانية، تقتل الشعب السوري. لهذا الحاجة لسياسة أمريكية متماسكة في سوريا أمر ملحّ حقًّا اليوم".
التخلص من الجهادية يمر عبر بوابة التخلص من مسببها ومنتجها في المنطقة وهو التحالف الاسدي- الولي الفقيه. تكشف الاستخبارات الغربية كل يوم كما تدعي هي واعلامها، عن شبكات لتجنيد شبان للقتال في سورية مع الجهادية. من أين اتت الثقافة الجهادية لهؤلاء؟ هل تسمح مثلا الادارات الغربية بقيام ميليشيات يمنية اوروبية مسلحة؟ رغم أن هنالك محاولات جرت على هذا الصعيد، لكنها قمعت في المهد. التطرف منبته سياسي راهن وسر استمراره سياسي راهن ايضا، هذا ما تقوله تجربتنا في سورية والمنطقة، وليست القضايا الأخرى سوى ديكورات لاكتمال المشهد. علينا ان نعيد قراءة الحقل السياسي لحظة بلحظة، لأنه ينتجنا لحظة بلحظة. لأننا رهينة له.
التعليقات (2)