أركان "الأسدية" الثلاثة!

الأسدية تأسيسيا وبنية هي مركب ثلاث عناصر بينيوية وتكوينية: إسرائيل، النفط، ديكتاتورية متوحشة طائفية وغير طائفية في آن معا. ما تبقى تفاصيل تتعلق بأشكال توضع هذه البنية أو هذا التكوين التاريخي سوريا داخليا وإقليميا.

1- إسرائيل

عبر نتائج نكسة 5 حزيران 1967 القراران 242 و338، وانعكاس ذلك على النظام السياسي البعثي في سورية، حيث أفرزت صراعا غير مسبوق على السلطة، لا في طرائق إدارته، ولا في حجمه.

تحت شعار أو جملة تحولت إلى شبه شعار في خطاب النظام تلك الفترة مفاده أن "إسرائيل لم تنتصر في حربها الحزيرانية، لأن هدفها إسقاط النظام التقدمي في سورية". رغم أن أجزاءً كبيرة من سورية تم احتلالها من قبل إسرائيل: (محافظة القنيطرة وجزء من محافظة ريف دمشق وجزء من محافظة درعا).

الصراع على السلطة بعد النكسة بدأ يظهر للعلن منذ عام 1968 وجرى بين جناحين: المسؤول عن النكسة سياسيا وهو الجناح المدني داخل البعث الحاكم آنذاك بقيادة صلاح جديد، والجناح العسكري وهو المسؤول عسكريا عن هذه النكسة، بقيادة حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك، وهو الذي أعلن عن سقوط الجولان والقنيطرة.

من ضمن الخلاف الموقف، من قراري الأمم المتحدة سالفي الذكر، حيث وافق الأسد عليهما ورفضهما جناح جديد. نتائج ميزان القوى الذي أفرزته النكسة، قَبِل به حافظ الأسد من أجل معركته الداخلية في الوصول للسلطة. ورفضه جناح (جديد) كي لا تضيع منه السلطة، الغرب ودول الخليج والسوفييت رجحوا كفة الأسد في الصراع، ووصل الأسد للسلطة بانقلاب تشرين الثاني 1970 ووضع الجناح الآخر ورموزه في السجن، وأكثريتهم ماتوا فيه.

بهذا الشكل حضرت إسرائيل كعنصر جديد في تكوين النظام السياسي السوري لأول مرة في تاريخ سورية المعاصر. واستكملت اللوحة بعد حرب تشرين 1973 التي كان الغاية منها إعطاء الأسد شرعية القضية الفلسطينية والأراضي السورية المحتلة، فنتج عنها اتفاقيات الفصل الكيسنجرية 1974- 1975 وحالة اللاحرب واللاسلم على جبهة الجولان.

فتكرست إسرائيل عبرها كمعطى داخلي سوري.

2- من النفط الخليجي إلى الإيراني!

كان لابد أن يترافق ذلك مع العنصر التكويني الثاني وهو النفط، المال النفطي الخليجي تدفق على الأسد، تحت شعار "التضامن العربي" الذي أتى في خطاب الأسد بعد الانقلاب وبدأ يحتل عناوين إعلام النظام الأسدي تلك الفترة. حيث ربطت الحاجة لمقولة التضامن العربي بنتائج الهزيمة الحزيرانية، وحاجة الأسد لتحرير الأرض!! ما كان ممكن لنظام الأسد أن يستمر لولا المال النفطي هذا.

استبدل فيما بعد بالمال النفطي الإيراني، دون أن يغطي مساحة النفط الخليجي. لكن بقي العنصر النفطي حاضرا باعتباره جزء من تكوين المنطقة غربيا بشكل عام وأمريكيا بشكل خاص، خاصة بعدما تجادل حضورا مع المحدد الاسرائيلي.

ليس موضوعنا هنا البحث في أسباب تدفق المال النفطي الخليجي على الأسد. حيث جال الأسد في كل العواصم الخليجية بعد انقلابه، حتى أنه زار صدام حسين.

بحبوحة السبعينيات في سورية، وبدء انتشار الفساد بطريقة متسارعة ومخيفة في أجهزة الدولة عموما والجيش والأمن والمخابرات خصوصا، كانت تمثل مقولة التضامن العربي ماليا، وداخليا الإفراج عن سوق جديدة لتجار دمشق وحلب. تحالف الفساد. الفساد يقابله إعادة إنتاج الأسدية وسيطرتها، بديلا لنظام البعث السابق.

أزال الأسد الحرج الذي كان يسببه النظام السابق عن بقية الدول العربية. كان لتجار دمشق وحلب لوبيات تعمل ضد النظام الشباطي- نسبة لانقلاب شباط1966 – الذي تسلم الاسد بموجبه وزارة الدفاع.

الفساد شراكة بدأت تأخذ طريقها بين هذه اللوبيات وبين رجالات الاسد في الدولة والجيش والمخابرات، معظمهم من الطائفة العلوية. حتى وصلت القسمة إلى 47% للقطاع الخاص و53% لقطاع الدولة، قسم مما ينهب من قطاع الدولة كان يذهب للشراكة مع القطاع الخاص.

لهذا عندما قطع الخليجيون المال عن الاسد 1983 على إثر الحرب الايرانية العراقية منذ عام 1983 كاد الاقتصاد السوري أن ينهار، وكل الشعب السوري يتذكر ازمة عامي 1984 و85 حيث مرض الاسد ومحاولة اخيه رفعت الانقلاب عليه خليجيا، واصبح قرن الموز حلم المواطن السوري.

عوضت قسما من هذه الخسارة إيران والقذافي، حيث وقف الاسد مع إيران بعكس الدول الخليجية التي كانت تدعم صدام في حربه. بقيت الازمة الاقتصادية تتفاقم، حتى حل قسم منها عبر المال النفطي الخليجي أيضا، نتيجة مشاركة قوات الاسد في تحرير الكويت من صدام حسين. المال النفطي جزء رئيسيا من بنية هذا النظام. دليل آخر أن الاسد منذ تسلمه السلطة منع كل الشعب السوري، واجهزة الدولة الاطلاع او معرفة حجم الاموال الخليجية المتدفقة على سورية، ومبيعات سورية من النفط السوري، الوحيد الذي كان يعرف بها ويتصرف بها بدون حسيب أو رقيب. لم تدخل اموال النفط السوري منذ عام 1971الميزانية العامة إلا عام 1998.

3- ديكتاتورية متوحشة!

كان الإعلان عنها بوضع رفاقه السابقين في السجن، منهم من وفر الفرصة للأسد نفسه كي يعود للجيش. ودعمه كي يصبح وزيرا للدفاع وقبلها قائدا لقاعدة الضمير الجوية وللقوى الجوية والدفاع الجوي برمتها1964.

النفط والمال النفطي كان يغطي فساد القطاع العام، وحرك سوق تجار دمشق وحلب، وغطى جيوش الموظفين بلاعمل، وغطى التوسعة الرهيبة في الجيش وأجهزة المخابرات، وما رافق هذا التوسع من فساد ونهب منظم وغير منظم.

وصلنا خلال سنوات بعد الانقلاب إلى أنك تستطيع شراء أي ضابط مخابرات في أية قضية ما عدا الأسد. ومن كان منهم قضيته الأسد كان المال والجاه يتدفق عليه.

عندما نصل للثورة السورية الآن: لولا النفط الايراني والغطاء الاسرائيلي ولوبي تجار دمشق وحلب لسقط الأسد الوريث. استخدم الورقة الطائفية والورقة الاسلامية والورقة القومية والفلسطينية. مع ذلك الأسدية حضرت بوصفها جزء من نظام إقليمي رعاه السوفييت والأمريكان معا، وليس عبقرية في هذا النظام ورجالاته.

الرعاية تمت بمحددات ثلاث انتجت الأسدية هي ديكتاتورية إجرامية بلاحدود والنفط وإسرائيل. وما تبقى كما قلنا تفاصيل لا تقارب جوهر هذه البنية الأسدية.

هذه البنية ما كان لها أن تنجح دون تعميم ثقافة سورية الأسد، حيث غابت الدولة، غاب الوطن لأن سورية الأسد قامت على غياب المواطن.

ملاحظة: لم أناقش قضية دخول جيش الأسد للبنان 1975، لأنها تمت بموافقة أمريكية سوفييتة إسرائيلية مصرية عربية، كانت لحظة تتويج للأسدية إقليمياً. تحتاج لأن نفرد لها مادة خاصة.