السوريون طائر الحرية المغدور!

السوريون طائر الحرية المغدور!
"السيمورغ" فارسية تعني الثلاثون طائر وهي أحد الإبداعات الأدبية التي تنتمي لأدب الملاحم وترجع في أصلها لأسطورة صينية قديمة تصل في عمقها ودلالاتها الميثيولوجية لمستوى أسطورة طائر الفينيق السوري ولها انبثاقات كثيرة في آداب الشعوب الأخرى وطروح أدبية وفكرية موازية لما وشّت به من معان عميقة لوحة العطاء الإنساني وأخذت تظهر كعمل "ملحمي" رائع بعد أن تدوالها صوفيو المشرق من الرومي إلى الحلاج ثم كتبها الغزالي "رسائل الطير" ثم أعاد إنتاجها -بأدب المثنوي الفارسي- الصوفيُّ فريد الدين العطار تحت مسمى "منطق الطير أو مؤتمر الطير" لتفيض بالدلالة اللغوية والشعرية والفلسفة الصوفية التي ارتقت بالأدب في شطحات روح وفكر غاصت في أعماق النفس وتحولاتها.

تحكي الأسطورة الأم "مؤتمر الطير" عن اجتماع الطير للبدء برحلة شاقة بحثا عن الحقيقة وعن ملك لها "السيمورغ" أو الثلاثون طائر التي تعني برلمان الطير.

وما الشباب العربي الثائر نحو تحقيق إنسانيته وحريته إلا صورة عن هذه الأسطورة وهذا النحو المتوثب لكنه وبرغم كل صعوباتها لم يعتقد بأنها قد تطول في خضم ما سمي بالربيع العربي المتهالك الذي سيرسم ملامح جديدة للحياة قد يتبوأ من خلالها أكثر مما تبوأته الثورة الفرنسية من إنتاج لمفاهيم ودلالات بالنسبة لمنطقة غُيبت قدراتها و اعتُسفت ورُسم لها أن تكون بيادق حروب ومناطق نفوذ لو ووجهت بها الثورة الفرنسية لم تتمكن من تحقيق ما حققت.

و تمعن الملحمة-الأسطورة في استحضار المخبوء في النفس ومواجهته والصعاب التي تعيق ذلك وتكشف روحانيات النازعين نحو حريتهم وحقهم في تحقيق ما يصبون إليه بعيدا عمن أنهكهم الضعف وسلموا قيادهم لمفردات اليومي المتيسر من حيواتهم وبعد إثرائها بالأدب الصوفي الشاطح في عمق دلالاته ومتعتها فيوحي " بأن لكل منا أجنحة قد لا يكتشفها إلا القليل "عندما يسعى للتحليق نحو وطنه الأصل "السيمورغ" أو المعرفة أو الصفوة.

وتُظهر الطيور في الملحمة حججا ومعيقات تعبر عما يشوب النفس البشرية من أهواء ومثبطات تكون دوافع ركود وركون كالبطة والبومة والغراب وغيرهم كما تُظهر أخرى حبا وسعيا في التفاني ونزوعا نحو الرحلة وإتمامها بكل تصميم.

تروي الملحمة متاعب المجموعة الصغيرة من الطيور التي تنضّت لهذه المهمة الصعبة وتذكر الوديان السبعة التي تمر بها وكيف يمتحن الجميع بنوازع ورغبات وهِنات قد تعيق مسارها لكنها تكمل مسيرتها.

وبعيدا عما أغرقت به شطحات الصوفية الفريدة في تحميل المعان لكل واد تمر هذه الطيور بوادي الرغبة والبحث مما يحيل إلى الإرادة التي منها يبدأ الفرد بخطوته الأولى في مسيرة الألف ميل هكذا بدا السوريون ثورتهم غير آبهين بلقمة الخبز أو مغريات الحياة فانطلقوا في ثورة كرامة لا ثورة جوع.

ثم وادي الحب الذي يجد فيه النازعون نحو هدفهم حبا يكاد يكون انتماءا لا عاطفة منفعلة؛ مما يدفع لإيمان عميق بما يصبون إليه وهكذا انطلق الشباب السوري ليكون ماردا متواشجا مع أقرانه يجمعهم هدف تحابوا وتآخوا لأجله متآزرين شهيدا يسند شهيدا.

ثم تمر الطيور بوادي المعرفة كما عرف السوريون أنهم ساروا في ثورة عن العالم كله وضد عتاة العالم كله وعرفوا ما يصيب الأنفس من مرض فتنادوا لتنقية نفوسهم وبعضهم البعض

ثم يمرون بوادي الفقر والحاجة الذي جعلهم يشعرون أن ليس لهم سوى الله وأن عليهم أن يصبروا و يُرتّقوا جراحهم بأيديهم وألا يعوّلوا على أحد.

ثم تمر الطير بوادي الوحدة والانعزال وهكذا أصر السوريون على الأرض وتحت القصف وبين حدود الحصار والتجويع على ألا يكونوا مرتهنين لأحد مهما خسروا.

ثم وادي الارتباك مما يدفعهم لأن يتفكروا في دواعي تعثر ثورتهم ليعرفوا أن العالم ليس معهم وأن يشذبوا عملهم مما شابه من حضور الجميع ليمتطي ثورتهم ويقطف ثمارها جزافا

كما تمر الطيور في النهاية بوادي الإبادة والعطش الذي يمتحنون فيه حتى تنفذ قربة الصبر.

ثم تجتاز الطير وادي العطش الذي بنهايته يكون الوصول إلى الأفق الذي يصبح مرآة تعكس صورة الحقيقة والوطن الأصلي لهم ويرون وهم في أوج تعطشهم للحقيقة والنهاية يرون في الأفق المرآة في قمة جبل "قاف" انعكاسا لصورتهم وهي ثلاثون طائر"سي مورغ" تجاوزوا كل المحن ليكتشفوا الحقيقة وأنهم هم الملك الحقيقي الذي عليه أن يقود نفسه.

كذا هي الغاية التي انتضى لها الشعب السوري الثائر دمه وأرواح أبنائه بحثا عن الحقيقة والوعد بأن يحدد هو من يحكم نفسه وليكون منارة للشعوب تلوي ذراع الصعاب التي حيكت له لتخضع تلك الشعوب وتدجن.

وما الاحتيالات على الثورة السورية إلا لتشويه مرآة الأفق الذي يعكس صورة الأبطال في النهاية إن لم يستطع تحطيم الثلاثين طائر.

وما الأعداء وكثرتهم، والمخذّلون،المشككون، والمرجفون ليسوا إلا محاولات تشويه متعمدة للصورة والمرايا لأجل ألا يكون السوريون سيمورغ الشرق الذي تحتذي به شعوب الشرق النازعة نحو حريتها وكرامتها.

لا شك أن هناك طيورا ورد ذكرها في الأسطورة –الملحمة وأخرى لم يرد ذكرها بينما وردت صورة السيمورغ في اللوحات الفارسية على شكل نسر مما يحيلنا إلى التساؤل عن البومة والغراب والنعامة في ثورتنا من الذين لم يرد لهم ذكر، ومن المحق التذكير بأن الأسطورة قد صورت رحلة طير كثير ولكنها أبقت على من استمر وأغفلت من سقطوا.

لا فرق بين أسطورة السوريين و السيمورغ سوى أن من استشهدوا في الطريق إلى الحقيقة والحلم في ثورتهم لم يسقطوا كتلك الطيور التي تخاذلت منذ البداية أو خذلتهم في منتصف الطريق وأن من خذل السوريين كان من خارج ثورتهم ولا يستحق الذكر وأن الذين يفوزون بالحقيقة ليسوا من يقود بل من وقع شهيدا على مذبح الحقيقة والنور والحرية ومن التزم بما ماتوا لأجله؛ هم شعب وليسوا أفرادا.

التعليقات (1)

    داعش من إنتاج الأسد

    ·منذ 9 سنوات 8 أشهر
    معظم الدواعش الأوربيين والأمريكان خرّيجي معهد تعليم اللغة العربية للأجانب في المزة لكن إنفلتت لتطبيق الشريعة بقدرة ـ تكاتف مخابرات دولية ـ إسألوا Abu Musab Al Suri
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات