ولعل قضية (داعش) التي ألغت الحدود بين سوريا والعراق وهددت الحدود الايرانية واللبنانية والأردنية واستقطبت ردود فعل ايجابية من مناصري التيار السلفي في كل بلدان المنطقة أصبحت نموذجاً لهذه التيارات ..ولكن يبدو بأن التاريخ يعيد نفسه مجدداً فالتحالف الدولي الذي أعلن الرئيس أوباما تشكيله للقضاء على هذا التنظيم وعدد الدول التي بلغت أربعين دولة مشاركة فيه تذكرنا بالتحالفين السابقين الذين شكلتهما الولايات المتحدة ، الأول في عام 2001 عقب ضربات الحادي عشر من ايلول في الولايات المتحدة والثاني في عام 2003 في التحالف الدولي الذي شكله جورج بوش الابن ضد نظام صدام حسين وهذين التحالفين كان لهما دور كبير في تأسيس وتدعيم النظام العالمي الجديد .
ولنتذكر التحالف الأهم والأخطر هو التحالف الأول ضد طالبان ..التي ارتكبت برفقة تنظيم القاعدة أسامة بن لادن غزوتي مانهاتن وواشنطن.. ولكن قبل هذه (الغزوة ) كما يسميها رعاتها ..وبالتحديد في 9 /9/ 2001 قتل رئيس تحالف الشمال أسد بانشير (أحمد شاه مسعود) قبل يومين فقط من كارثة الحادي عشر من أيلول، وهو الحليف الرئيسي للغرب وعدو طالبان الأول في أفغانستان. وكان مقتله فاتحة لسلسة من التطورات التي غيرت العالم، والتي أدت في النهاية الى احتلال أفغانستان و بدء حرب عبثية لا منتهية فيها.
وبالمثل في العراق فقد قتل في فترة سابقة قريبة للحرب، عدد من الشخصيات الجدلية في بغداد مثل (صبري البنا) أبو نضال، وعدد من المعارضين من الطائفة الشيعية كان أهمهم محمد باقر الحكيم، قتلوا قبل وبعد الغزو... والأهم اننا في المحصلة كنا أمام نظامين سقطا أمام هذا التحالف!
في سوريا وعلى حين غرة قتل جميع قادة تنظيم أحرار الشام الناشط والفاعل في الجيش الحر والذي يحسب على المعارضة الاسلامية الداعية الى اقامة دولة اسلامية ومن أعداء تنظيم داعش الرئيسيين ..ان عمليات التصفية الغامضة والتي تعقب عادة التحالفات الدولية الكبيرة ، تهدف الى اعداد الأرضية اللازمة لمرحلة ما بعد سقوط الأنظمة المسيطرة على تلك البلدان ..ومن هنا فعلى طاولة الأميركي ثلاثة سيناريوهات مقدمة من البلدان الاقليمية الأكبر التي تريد التفرد بحكم المنطقة أو تود قبولها كشرطي منتدب من الغرب في المنطقة ..وتلك الدول هي السعودية وايران وتركيا ..ولكل منها دوافعها و مصالحها في فرض وجهة نظرها على الواقع السياسي العربي المنهار بعد ثورات الربيع العربي والتخبط الذي تلاه ..
فالسيناريو الايراني الذي وصل الى مداه الأخير مع انتصاف العام الرابع من عمر ثورة سوريا وانهاك الوضع الاقتصادي الداخلي وعدم التوصل الى صفقة متعلقة بالبرنامج النووي الايراني مع الغرب تقايض النظام بالشق العسكري من المشروع ، يقترب من التفكير حل سياسي ما في سوريا على غرار العراق و التخلي عن المالكي ..ولكن بدمج الحل العراقي بالواقع اللبناني فايران لن تتخلى عن ما تسميه حلف المقاومة والممانعة بسهولة لما يقدمه لها من عصا تطال الغرب ومصالحه وبنفس الوقت هي ليست بقادرة على فرضه على شعوب المنطقة بعد الحرب الدموية العنيفة التي دعمتها في بلدان الهلال الشيعي واليمن ..ومن هنا هي تفترض تقسيم البيدر مناصفة بين ما يشبه تجمع الثامن من أذار السوري الموالي لها وبين ما يشبه الرابع عشر من اذار المعادي لها والميال الى الاعتدال وما تمثله السعودية ..وبذلك يستمر الصراع في سوريا ولكن سياسيا هذه المرة الى ما لا نهاية وذلك حسب ما يفرضه البرلمان السوري الذي يركب بناء على طائف سوري يتقاسم فيه الأفرقاء السوريون الكعكة السياسية حسب الوزن العسكري الحالي الذي تفرضه المعركة الدائرة.
اما السيناريو السعودي المتمثل بطرد ايران تماما من سوريا ووجودها كرأس حربة يواجه التطرف والارهاب و يمثل الاسلام السني المعتدل في المنطقة والعالم ، ولكنه في نفس الوقت لا يتيح للنظام السوري القادم في سوريا بأن ينجرف نحو الاخوان او نحو المحور الثالث (التركي القطري )..ومثال السعودية في هذا الحل هو نموذج حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القادم من المؤسسة العسكرية للجيش المصري والذي يمسك البلاد بيد من حديد رافعاً راية العداء للاخوان ولتركيا ..
السيناريو التركي الذي يدعو الى استعادة البلاد السورية التي تمثل امتدادا لتركيا الداخلية شعباً وأرضاً ، يفترض فيه اردوغان أن الجمهور السوري سيصوت لحزب يشبه حزب العدالة والتنمية ليمسك البلاد ويعيد لنظرية ااردوغان الحياة في أن سياساته و قبوله كنموذج عن الاسلام السني المعتدل في العالم هي الانسب وخصوصاً بعد محاولته تصدير التجربة الى تونس وليبيا ومصر وفشله في الدول الثلاثة ..ان سيناريو اردوغان يعتمد على الصبر الطويل الذي أبدته ادارته في تحمل الثقل الكبير للنازحين السوريين الذين قاربوا مليون ونصف و فتحه الحدود لدعم هائل للثورة السورية ولكن أدواته لفرض نظام مشابه في سوريا هي الاخوان المرفوضين خليجياً و مصرياً واردنيا و عراقياً ..
ومن هنا تتحول سوريا الى بيضة قبان حقيقية لهذه السيناريوهات الثلاثة التي يفكر الاميركي بهدوء فيها وبأي منها سيختار ...لأنه يعلم علم اليقين أن قبوله لأي منها سيعطيه قصبة السبق واليد العليا في التصرف في المنطقة كلها ..
التعليقات (15)