لماذا لا تفاوض الدولة اللبنانية من أجل إطلاق سراح جنودها؟

لماذا لا تفاوض الدولة اللبنانية من أجل إطلاق سراح جنودها؟
بعد تنفيذ أول عملية ذبح للجندي اللبناني على يد عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، كان من المفترض أن تقوم الحكومة اللبنانية بعمليات التفاوض مع الخاطفين، حتى تضمن أرواح العشرات من جنود جيشها، لكن استمرت الدولة اللبنانية في رفضها لمبدأ التفاوض مع الخاطفين... حتى ذبح الجندي الثاني!

رفض التفاوض استند إلى حجج واهيه، ألا وهي أن الخاطفين "إرهابيين"، نسيت الدولة اللبنانية أن حزب الله المشارك في الحكومة خطف جنديين إسرائيليين عام 2006 وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بست سنوات... ولكن إذا وافقنا على التسمية... فهل من المعقول أن يكون الخاطف شخصا مسالما حتى تفاوضه الدولة اللبنانية من أجل سلامة أبناء الوطن؟

والسؤال: هل الدولة اللبنانية قررت أن تقف في موقف العاجز بشأن هذه القضية أيضا... أم إنها تنتظر "مكرمة أميرية" قطرية تحرّر من سيبقى على قيد الحياة من العسكريين المخطوفين، مقابل إطلاق سراح سجناء من سجن (رومية)، على غرار ما فعلت أمريكا إثر إطلاق سراح الجندي الأمريكي الذي احتجزته حركة (طالبا)ن وقامت قطر بعملية التفاوض نيابة عن أمريكا، ونتج عن المفاوضات إطلاق سراح الجندي مقابل ثلاثة من قادة طالبان كانوا معتقلين في غوانتانامو. ثلاثة قادة" إرهابيين" لحركة طالبان مقابل جندي أمريكي واحد كان في مهمة شخصية لإحضار الحشيش، فأخطأ طريقه وألقت القبض عليه مجموعة من طالبان.

إذا ً، المفاوضات مع "الإرهابيين" مسموحة بحسب ما فعلت أمريكا، فهل ستفعل الدولة اللبنانية من أجل العشرات من أبناء الوطن أم أنها لن تكترث لهم، مقابل استجداء"مكرمة رئاسية" سورية وهي إطلاق سراح مئات المعتقلين الذين يطالب الخاطفون بتحريرهم؟ مقابل إطلاق سراح الجنود اللبنانيين؛ وخصوصا أن الحكومة اللبنانية أعلنت أن موضوع تحرير المخطوفين"لا يمكن أن يكون موضع مقايضة، بل يمكن أن يكون موضع تفاوض، عبر قنوات دولية استعملت وستُستعمل من أجل تحرير المخطوفين" وبهذا أتوقع أن تقوم قطر بدور بارز في إطلاق سراح المخطوفين اللبنانيين فهل ستنجح بذلك؟

تصريحات المسؤولين اللبنانيين لم تهدأ في هذا السياق... وأهمها تأكيد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن «زمام الأمور بيد الدولة وهي لا تتفاوض مع الإرهابيين»، مشيرا في حديث إذاعي إلى «أننا نمارس ضغطا دوليا» لتحرير الرهائن ، فما هي الضغوط الدولية على جماعات بالأصل مصنفة إرهابية؟!

في وقت سابق، نجحت الوساطة القطرية في تحرير المعتقليين أو "الزوار اللبنانيين" الذين كانوا محتجزين لدى (لواء عاصفة الشمال) في (اعزاز) بريف حلب الشمالي، كذلك نجحت وساطتها في الإفراج عن راهبات معلولا الـ13 اللاتي كن محتجزات لدى (جبهة النصرة) في القلمون بريف دمشق، ومن المفترض أن يكون لها دور في عملية التفاوض التركية بالإفراج عن الأتراك البالغ عددهم 49 شخصا كانوا من ضمن الهيئة الدبلوماسية في القنصلية التركية في الموصل، وتم احتجازهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على المدينة، نعم نجحت تركيا بالتفاوض مع المجموعة التي تعتبر الأشد تطرفا في العالم والتي تجمعت من أجلها عشرات الدول لمحاربتها وكان موقف تركيا هو عدم الدخول في الحلف وربما يكون هذا هو أبرز المطالب التي تم التفاوض عليها مع تركيا، فهل تكون تركيا بذلك فقدت هيبتها عندما تقرر أن تحافظ على حياة مواطنيها!؟

الأمثلة كثيرة لعمليات تفاوض الدول مع مجموعات تصنف إرهابية، فالدولة الإيرلندية تعتبر نموذجا في عملية التفاوض مع مجموعات تعتبر إرهابية، لن نبتعد كثيرا عن مجتمعنا العربي فحماس تصف إسرائيل بانها دولة إحتلال وهي فعلا كذلك وتقوم بالتفاوض معها لعدد من المرات ولكن الجدير بالذكر هنا أن إسرائيل تعتبر حماس إرهابية ومع ذلك لا تترك وسيلة ممكنه للتفاوض معها من أجل إطلاق سراح جنديا من جنودها الإسرائليين، لا بل أبعد من ذلك فهي تتفاوض معها من أجل وقف لإطلاق النار فهل تكون فقدت هيبتها أمام الشارع الإسرائيلي! وبالعودة لقضية لبنان في هذه الأيام تكون رسالة المجموعات التي تحتجز الجنود اللبنانيين واضحة مفادها"فاوضوا أو نقتل جندياً آخر" فبماذا ستردّ الدولة اللبنانية؟خصوصاً أن تعثر فتح قناة تفاوض مع خاطفي الجنود اللبنانيين سيزيد من المسألة تعقيدا.

وما يزيد من سوء الوضع في حال وجود قناة تفاوض، هو غياب القرار الموحد لدى الجهات الخاطفة... فعدد من الجنود لدى تنظيم الدولة الاسلامية، وآخرين في قبضة (جبهة النصرة)، فإقامة قناة تفاوض ثابتة بين الحكومة اللبنانية والتنظيمات التي تحتجز عناصر من القوى العسكرية، تعثر بسبب الهجوم الذي شنته القوات اللبنانية وحزب الله الشيعي على منطقة عرسال، علماً أنه وبحسب مصادر وزارية، فإنّ موضوع التفاوض لإطلاق العسكريين المختطفين بات معقّداً جداً، فتنظيم الدولة الإسلامية يحتفظ بعشرة عسكريين أسرى لديه كلهم من عناصر الجيش اللبناني وقام بذبح أحدهم كدليل على أنه جاد بمطالبه، في حين تحتفظ «جبهة النصرة» بـ18 عسكريا من جنود الجيش وعناصر القوى الأمنية، أعدمت أحدهم رميا بالرصاص وهو الجندي محمد حمية وهؤلاء الأسرى منذ معارك عرسال التي اندلعت إثر اعتقال الجيش اللبناني لـ(عماد جمعة) قائد لواء "فجر الإسلام" واتهمته أنه قام بأداء البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية!

مسألة الجنود اللبنانيين ليست شأناً لبنانياً فحسب، فالكل يعلم أن هذه القضية لها عواقب سيئة على اللاجئين السوريين فوزير الداخلية اللبناني (نهاد المشنوق) يدرك جيدا مدى تعقيد هذه المسألة على وضع السوريين في لبنان، لم يخجل من أن يكتب تغريدة على موقع "تويتر" مفادها: "خاطفو العسكريين يعرّضون وجود مليون ونصف مليون سوري بلبنان للخطر بسبب تصرفاتهم وتهديداتهم"، مؤكداً أن: "الوزارة لن تبقى من المتفرجين على تعرض أي عسكري أو مواطن لبناني للقتل أو الذبح" لكن الوزير لم يقل ما موقف الدولة اللبنانية في حال تعرض أحد من السوريين المقيمين في لبنان لمحاولة انتقام من قبل لبناني غاضب!

نعم إن تصرفات الخطف التي جرت بحق الجنود اللينانيين هي أفعال غير مسؤولة بحق السوريين في لبنان... ولكن يجب علينا أن لا ننسى أن (حالش) هو من جر المقاتلين إلى تصرفات كهذه... فتدخله في القتال في سوريا إلى جانب نظام الأسد هو من جعل الفصائل التي تقاتل في سوريا ضد النظام تنظر إلى الجيش والقوى اللبنانية على أنها صيد سهل، وبذلك نقلت المعركة إلى الأراضي اللبنانية وكما قال عضو كتلة المستقبل النيابية جان أوغاسبيان أن "حزب الله دخل إلى سورية بحجة محاربة الإرهاب، وإذ به ينقل الإرهاب إلى الداخل اللبناني، فوضعنا في وضعية إما أن نكون مع"حزب الله" أو أن نكون مع داعش، لكننا في تيار المستقبل لسنا مع" حزب الله" ولسنا مع داعش، نحن مع الدولة ومع لبنان التنوع والتعايش" انتهى كلام السيد أوغاسبيان ومن الواضح أن الدولة اللبنانية تحاول أن ترسم لها هيبة عن طريق رفض التفاوض مع المجموعات التي تخطف الجنود.

وهنا أتساءل هل هيبة الدولة اللبنانية كانت موجودة عندما قام (حالش) بقتال شعب عربي شقيق انتفض للخلاص من حكم دكتاتوري أين هيبة هذه الدولة من جر بلد إلى صراع ليس صراعهم ، فهل الهيبة تأتي فقط على حساب دماء الجنود ، لتعلن الدولة أنها لن تفاوض الخاطفين، ألا يحق لهؤلاء الجنود الذين كانوا يحموا البلد كل البلد بقليل من التنازل مقابل حياتهم أم أن عنجهية حزب الله هي من تسيطر على الدولة وبذلك باتت هيبتها متلونة مرة تتغاضى عن تصرفات ميليشا مسلحة وقتالها خارح حدود الدولة وكأن ما يفعله حزب الله هو أمر طبيعي لمجموعة تمتهن القتال، فيحق لها اأن تقاتل متى شاءت، وأينما شاءت... وطبعا كل ذلك في إطار هيبة الدولة اللبنانية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات