لا بأس من التذكير ببعض الخطوط العريضة لتوجهات بعض اللاعبين.. منذ أن استتب الأمر لـ "الثورة الإيرانية"، حيث أفصحت القيادة الإيرانية علنا عن هدفها بـ "تصدير الثورة !" إلى الخارج. أول ملمح مهم، ظاهر وعلني، عن هذا التوجه، كان خلق "حركة المحرومين"، والتي أصبحت فيما بعد النواة الصلبة لحركة مسلحة، ستعرف بـاسم "حزب ألله" (المقتصر على الشيعة)، رأس حربتها في المنطقة -إن لم يكن أبعد!!
وبالتوازي، كان التوجه المهم والأبرز في تلك المرحلة أيضا، يسير صوب النظام السوري وسوريا ككل.
تشاء "الأقدار" أن يتوفر لدى هذا النظام كل مقومات التحالف والتعاون على مختلف الصعد، لتحقيق الأهداف البعيدة.. منها الموقع الجيو استراتيجي لسوريا؛ سلطة مركزية قوية تتحكم بالقرار بشكل مطلق؛ والطموح الجامح لنظامه -لبنان مثلا- للعب بعض الأدوار، تتجاوز الحدود الوطنية- ولا ننس المحاولات المستميتة للهيمنة على قرارات الثورة الفلسطينية، وكذلك اللعب بكل المعارضات الأخرى: العراقية جميعها بما فيها الكردية، واليمنية والأردنية والموريتانية، وحزب العمال الكردستاني، وماويون أتراك، الخ الخ.. وهي أوراق تأثير مهمة؛ فقر اقتصادي بيّن، ونهب بيروقراطي جشع، مما يعني الحاجة الماسة للدعم الخارجي، وأرضية خصبة للفساد؛ أن يتوفر فوق ما سبق (وهو الأساس) المدخل "المذهبي"،ل لتحالف- رغم الخلاف بينهما-،هو(هدية من السماء !) سيتم استغلالها على أكمل وجه..!
فيما كانت القيادة السعودية (بالتنسيق مع الولايات المتحدة،وحتى بإشرافها،في بعض الحالات)تشجع وتدعم توجه الشباب المسلم(السنيّ)على الذهاب إلى أفغانستان،لمساندة أخوتهم المسلمين للقتال ضد "الكفار"الروس..إن أسس الفكر القاعدي الجهادي يبدأ نموه من هنا،من هذا المكان(طبعا،دون أن ننسى أثر فكر"ابن تيمية" في الجهاد،وكذلك أثر كلٍ من،أبي الأعلى المودودي وسيد قطب)على يد "عبد الله عزام"،والملياردير "أسامة بن لادن".
تبعهم في التأثير منظرين أمثال: "أبو محمد المقدسي"، و"أبو قتادة الفلسطيني"، و"أبو مصعب السوري"، و"أيمن الظواهري".. وبعد أفغانستان، ذهب المقاتلون (العرب الأفغان) على ما باتوا يُعرفون، إلى البوسنة لنصرة أخوتهم المسلمين. وبعد البوسنة لم يعد أحد يُريدهم في دولهم (لقد كان الهدف هو التخلص منهم ومن خطرهم المحتمل في دولهم الأصلية!)، لكن تحقيق ذلك كان مستحيلا. فكمن بعضهم حتى اللحظة المناسبة، وبعضهم لم يجد حرجا في البقاء في دار "الروافض" - التي فيها الأمان باتفاق سري، كما سيظهر لاحقا في هدنة القاعدة مع نظام الملالي في طهران،ف يما آخرون يفجرون المراقد الشيعية في العراق..!؟
وبالمقابل، النظام الإيراني لا يكل ولا يمل في العمل ليل نهار، على إنشاء خلايا نائمة (وخصوم المصلحة، حتى لا نقول الدين والمذهب،نائمون) وخلايا مكشوفة للعلن، تعمل جميعها عند اللزوم بما يخدم المشروع الإيراني في التوسع والسيطرة، لتحقيق "المصالح الإيرانية العليا"، كما يراها المرشد الأعلى، وبعض رموز السلطة المتنفذين من "الحرس الثوري".
إيران تدعي قيادة "العالم الشيعي"، والسعودية تحسب أنها مسؤولة، ومعنية بـ"العالم السنّي"، موفرين فرص التعبئة، والصراعات الدموية لكلا الطرفين (السنّة والشيعة)، وقودها الناس البسطاء على كلا الجانبين. مع الإشارة إلى أنه لا يمكن التساوي بين الفعلين المباشرين، في التحريض والتعبئة الميدانيين ولكلا الطرفين. فإيران تؤمن بمشروعها، وتعمل له بجدية وشراسة تامتين، وبإصرار دموي غالبا؛ فيما السعودية لا مشروع واضحاً لديها، ولا بعيد الأمد، ولا جدياً ومقنعاً لحلفائها قبل خصومها.
إذا... الآن الأرضية، جاهزة للعمل، ولحصد النتائج المرجوة..
(أن يُعترف بإيران قوة إقليمية).
أمريكا تنسحب من المنطقة، رويدا رويدا، هذه والغرب عموما، لا يريدان التورط أكثر؛ مجتمع دولي معطل بغياب اللاعبين الأساس؛ حركة شعوب ترغب في التغيير، يجب وأدها- وهنا تلتقي جملة مصالح: إيرانية، إسرائيلية برفض التغيير، مع مصلحة عربية غربية بالخوف من التغيير- غياب معارضة جدية للمشروع الإيراني - باستثناء شعوب المنطقة، التي تدافع عن وجودها (الفيزيائي فعلاً!؟)، لكن بتفرق،وبعشوائية مدمرة-؛لذا،فليتم إشعال المنطقة (بحساب إن أمكن) والصراع الدموي (الشرس) كفيل بإنضاج شرط"الأمر الواقع "، كما أُريد له أن يكون الإرهاب (الإسلامي) والإرهابيين باتت "بضاعة" رائجة لدى الجميع. (لقد أصبحت حركات مثل "القاعدة" و"داعش" و"حزب ألله"، وشبيهاتها، حركات "استثمارية" على الصعيد العالمي، خاسرة في أماكن، ورابحة في أماكن أخرى، لكنها دائماً خطرة، على من يلعب فيها، وبها وعليها!؟).
إذاً... مكمن الخطر ومصدره هنا: مشروع إيراني يُنفذ، بطرق وأشكال مختلفة، وبسرعات متفاوتة، حسب الشرط المحلي، والإقليمي والدولي، ولا مشروع بديل يقابله، بشكل جدي، ومدروس يدافع به عن حقوق الشعوب بنيل كرامتها وحريتها في تقرير مصيرها.
التعليقات (4)