إن فرنسا تعتبر من البلدان النادرة التي تمنح مايُعرف بفيزا اللجوء وهي فيزا تُمنح للسوري قبل دخوله الأراضي الفرنسية وذلك يُعتبر إنجازاً جيداً ولكن بالمقابل يبقى وضع من وصلوا إلى فرنسا بطرق غير شرعية هو الأسوأ عموماً.
من ناحية أخرى الإقامة التي يحصل عليها اللاجئ السياسي في فرنسا تعتبر هي الأطول في أوربا حيث يُمنح من يحصل على وضع اللاجئ كرت إقامة صالح لمدة عشر سنوات قابل للتجديد. كما يحصل المُستفيد من وضع الحماية الإنسانية على كرت إقامة صالح لعام كامل قابل للتجديد وحتى هذا يمكن الطعن به والحصول على قرار إقامة صالح لمدة عشر سنوات. ولكن حتى يحصل السوري هنا على وضع اللاجئ لابد أن يجتاز مجموعة من العراقيل والمطبات والتي ترتبط غالباً بعضها بالبعض الآخر, وسنحاول هنا استعراض بعضها.
مدة طلب اللجوء
من ناحية المدة الزمنية اللازمة للحصول على إقامة لاجئ, تعتبر الإجراءات في فرنسا الأطول من نوعها في دول الشنغن وتستغرق وسطياً من ستة إلى تسعة أشهر. ورغم أن أصوات المطالبين بتخفيضها من العاملين في الشأن الإنساني في ارتفاع مستمر إلا أن التصريح الأخير الذي صدر عن أحد المسؤولين في محكمة اللاجئين يجعلنا لا نتوقع أي تغيير في المدى المنظور, حيث أجاب على هذه الطروحات بالقول: نحن نفعل مابوسعنا ولكن الأعداد في تزايد كبير. وهذا ما أكده وزير الداخلية الفرنسي فبحسب الأخير إن أعداد المتقدمين لطلبات اللجوء في فرنسا ازداد بمقدار أربعة أضعاف عن العام 2011, يقول: لقد استقبلنا في العام 2011 مائة طلب, وفي العام 2012 أربعمائة وخمسون طلب ومنذ نوفمبر العام 2013 ازدادت نسبة الطلبات بمعدل مائة وخمسة وستون بالمائة حيث وصلنا مع أول شهرين من العام 2014 ثلائمائة وسبعة وستون طلب.
وإذا علمنا أن هناك أعداد هائلة من متقدمي طلب اللجوء من صربيا وكوسوفو وإيران وتركيا وأفغانستان في فرنسا يمكننا أن نفهم سبب تأخير إصدار الأقامات للاجئين السوريين وسيكون من المهم هنا أن نذكر خلاصة تقرير نشرته المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فبحسب الأخيرة كل سبع دقائق هناك لاجئ سوري في مكان ما من العالم.
صعوبات اللغة
يعاني معظم اللاجئين في فرنسا من مشكلة اللغة, فسوريا ليست بلداً فرانكفونياً ولهذا فمن النادر جداً أن تلتقي بلاجئ سوري يعرف شيئاً عن الفرنسية وهذه الإشكالية لايعاني منها لاجئو السويد والدانمارك وهولندا ولا حتى ألمانيا التي يعرف عنها تمسك مواطنيها بلغتهم الأم, ففي البلدان المذكورة معرفة بسيطة باللغة الإنكليزية قد تساعد في اجتياز بعض المصاعب والتعرف إلى أولويات الحياة ولكن في فرنسا الأمر مختلف.
هنا تكمن أولى مشاكل اللاجئين فعلى خلاف الدول الأخرى يُؤخذ على الحكومة الفرنسية عدم رعايتها لبرنامج لتعليم اللغة الفرنسية مجاناً للاجئين السوريين لتمكينهم ولإدماجهم في المجتمع على غرار ماتقدمه الحكومة السويدية أو الهولندية. التقينا هنا بكثير من اللاجئين هنا يدفعون تقريباً كل مايتقاضونه من إعانات اللجوء ثمن كورسات لغة فرنسية, ويختلف هذا الواقع من مدينة لأخرى بحسب نشاط الجالية السورية وقدرتها على تبني إقناع الجهات المسؤولة في المحافظة التي تتبع لها.
وهذه المشكلة ينبثق عنها مشاكل أخرى, فمن المعروف أن من لايتقن اللغة ليس من اليسير عليه أن يجد عملاً وبالتالي سيبقى في نظر المواطن الفرنسي عالة على المجتمع كونه يعيش على الإعانات. وهنا تأتي مشكلة أخرى تعيق مسألة الاندماج فمع بوادر تضخم الأزمة الاقتصادية في فرنسا وارتفاع أصوات ترفض سياسات التقشف وأخرى تدعو إليها, تعلو أصوات المطالبين بحل المشكلة الاقتصادية بتخلي فرنسا عن مسؤولياتها إزاء المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين العاطلين عن العمل. وهنا لانلوم الفرنسيين أبداً فهم يعملون طيلة السنة ويدفعون نصف دخلهم لمصلحة الضرائب ثم يقرأوا في الصحف أن رواتب الإعانة للاجئين وأسرهم والمهاجرين وأسرهم تتجاوز العشرين مليون يورو.
لقد عشنا نحن السوريون موقفاً مشابهاً إبان الحرب على العراق واشتداد موجة النزوج إلى سوريا وبالتالي يجب على أهلنا السوريين هنا أن يتفهموا هذا الأمر ولايفهموه أنه إجراء عنصري ضدهم لكونهم عرب أو مسلمين بل عليهم أن يسعوا إلى تحسين وضعهم والبحث عن فرصة عمل أو تحصيل دراسي جامعي لكي يحظوا باحترام البلد المُضيف. وهنا مشكلة أخرى تتقاطع مع المشكلة الأم. فالدراسة في الجامعة يوجد أمامها مطب آخر وهو بعض قوانين العمل التي تمنع اللاجئ الذي يحصل على وضع طالب من الحصول على الإعانة, وبالتالي فمن يختار أن يكمل تحصيله الجامعي عليه أن يتخلى عن الإعانة لأنها لاتشمل شريحة الطلاب. وبالتالي لم يعد أمام السوري خيار سوى البقاء في المنزل والإحجام حتى عن تعلم حتى اللغة.
بعض اللاجئين السوريين اعتبروا هذا الإجراء ذي سياسة بعيدة ترمي إلى عدم تشجيع السوريين لأهلهم أو أصدقائهم المقيمين داخل سوريا بالتوجه إلى فرنسا ولكن في الحقيقة قلة فقط من يعرفون أن القانون بحد ذاته فيه شيء من الغباء. لأن توقف الأعانة لايشمل فقط اللاجئ، ولأن هذه الإعانة في أصلها تُمنح للعاملين من ذوي الدخل الزهيد جداً. وبالتالي فهذه الإعانة هي بأساسها تعويض للعاملين في الدولة وليست للاجئين وبالتالي فهي تخضع لقانون العمل والذي يمنع فيه الطلاب من الحصول عليها..
مشاكل السكن
ولاتقف مشاكل اللاجئين بسبب اللغة عند هذا الحد بل تتعداها إلى مشكلة البحث عن سكن وهذه تحتاج إلى تقرير منفصل. فعلى الراغبين بالحصول على سكن مؤقت الاتصال بالمركز المسؤول عن الإيواء والذي بدوره يخُطر اللاجئ بوجود أو عدم وجود سرير له وبالتالي عليه أن يتدبر أمره بنفسه. اتصلنا بالمركز الخاص بإحدى المدن بغاية البحث عن سرير لشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة وليس لديه سوى الشارع وأخبرنا الموظفة بوضعه الصحي فكان ردها: إن من غير الطبيعي أن يكون مقدمي اللجوء والهاربين من الحروب بدون إعاقة، لا تُعتبر الإعاقة الجسدية من الأولويات لأنها الحالة العامة لمعظم النزلاء لدينا. إن وجدنا له سريراً سنقول له كي يأتي ولكن ليس على الدوام ربما أسبوع أو اثنين لايمكننا أن نعد بذلك فلدينا ضغط... طبعاً هذا أيضاً لا ينطبق على كل المدن ففي بعض المدن الصغرى أزمة السكن تكون أقل, وكلما توجهنا نحو المدن الكبرى ازادت الصعوبات. لدى سؤالنا فيما إذا كانت المشكلة في عموم فرنسا فكان الجواب لا. هناك مدن بالفعل تشهد ضغط لجوء كبير وخاصة المدن الحدودية.
هذا جزء بسيط من مجموعة من المشاكل التي قد تواجه السوري هنا والتي تحتاج إلى جهود متضافرة من السوريين المقيمين منذ سنوات للأخذ بيد أهلنا وتعريفهم بالقانون وبضرورة الاندماج و تعلم اللغة الفرنسية.
ولكن في النهاية ينبغي لنا أن نلفت النظر إلى أن مايعاني منه اللاجئون السوريون هنا يعتبر في الحدود الدنيا لما يعاني منه اللاجئون القادمون من صربيا وكوسوفو وأفغانستان وأرمينيا. ففي فرنسا كغيرها من دول الاتحاد الأوربي يمنع ترحيل السوريين أياً كانت الطريقة التي وصلوا بها وهذا لاينطبق على باقي المهاجرين حيث أطلعنا أحد المتطوعين من العاملين في مركز الدعم النفسي للاجئين على ارقام تشير إلى أن أعداد هائلة من المتقدمين ممن يحملون جنسيات غير سورية يتم رفضهم وترحيلهم وعلق قائلاً: أعلم أن وضع السوريين في فرنسا ليس سهلاً ولا مثالياًعلى الإطلاق ولكن لدي ما يؤكد بأنهم وعلى الرغم من ذلك أفضل من نظرائهم فبحسب محكمة اللاجئين من النادر جداً أن لايحصل السوريين على قرار إيجابي في حين من النادر أن يحصل نظرائهم من المتقدمين من دول أخرى على قرار إيجابي. وأختم بقوله: علينا أن نذكر أنه ضمن الإمكانيات المتاحة في فرنسا السوريون هنا بالفعل يتم تفضيلهم على غير السوريين
التعليقات (26)