نصف قرن وسورية أشبه بـ(طنجرة الضغط): لماذا يغضب السوريون؟!

نصف قرن وسورية أشبه بـ(طنجرة الضغط): لماذا يغضب السوريون؟!
يتملكني دائماً خوف من ( طنجرة الضغط ) عند استعمالها في البيت، حيث أكون في حالة من القلق الشديد حول إحتمال إنفجارها ، وكنت أسمع من بعض الأصدقاء والجيران عن حالات كثيرة أدى فيها انفجارالطنجرة إلى حصول كوارث مؤذية لأصحاب البيت والجوار .

الفتحة الضيقة الموجودة على غطاء الطنجرة تُخرج صفيراً عالياً عندما يصل الماء داخل الطنجرة الى درجة الغليان ، ويصدر صوت من فتحة الطنجرة بمثابة الإنذار يعلن عن ذلك ، وإذا لم نرفع غطاء الطنجرة ستنفجر، وسيؤدي انفجارها الى كارثة ستؤذي أصحاب البيت!

سورية وعلى مدى أكثر من نصف قرن كانت أشبه بطنجرة ضغط محكمة الإغلاق، إلا أن الأصوات العالية التي كانت تصدر عن فئات الشعب المختلفة لم توقظ النيام مع وصول البلد الى حالة الاختناق مع تجاوز الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية درجة الغليان الذي تجاهلته الحكومات المتعاقبة للقيام بتدارك الحالة ورفع غطاء الطنجرة لمنع انفجارها ، مما أدى إلى زيادة معدلات الفساد ووصوله الى معدلات عالية على المستوى العالمي ، وهنا اشير إلى ما ورد في الملحق الاقتصادي لصحيفة (تشرين) الحكومية بتاريخ 5/4/2011 أي بعد احداث

درعا بآيام وجاء فيه ما يلي:

( صنف تقرير دولي سورية من أسوأ دول العالم في ميدان مكافحة الفساد وآليات المساءلة والمحاسبة ).

لذا يبدو تجاهل السلطة للفساد الذي أغرق البلد هو الذي تسبب في الانهيار الذي وصلت اليه الأوضاع في سورية الآن ، ورغم كل ذلك يجري الإلتفاف حول أسباب غضب الناس وتحميل جهات خارجية وأطراف معادية مسؤولية مايجري في البلاد ، ويبدو الأمر كمثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال أو كمن يختبئ خلف إصبعه!

الفساد أولاً ، والفساد آخراً ، هو سبب غضب الناس من غياب العدالة ، وتكافؤ الفرص ، وانتشار المحسوبية ، وإفساد حياة الناس وتحويلها الى جحيم ، عن طريق التدخل في التفاصيل اليومية في حياتهم ومضايقتهم في أعمالهم ، وهنا لابد من الإشارة الى اعتراف القيادة القطرية للحزب من خلال التعميم الذي نشرته صحيفة (الثورة) الحكومية بتاريخ 10/5/2005 موجها الى جميع الجهات الأمنية بعدم التدخل في الحياة الاجتماعية والثقافية للمواطنين والطلب منهم وقف طلب الموافقة الأمنية المسبقة لكل هذه النشاطات ومنها على سبيل المثال : مزاولة مهن الطب والصيدلة، والتثبيت أو النقل او الندب أو التعاقد للعمل في قطاعات الدولة، وعدد الحالات التي تم تشميلها في التعميم 67حالة ، وتبين أن هناك حالات كانت تحتاج الى موافقات أمنية مسبقة مثل ، الترخيص لجليسات أطفال وتعيين مراقب خط سير، ولمصور جوال ولمحل بقالة وكشك وصالون حلاقة، الخ.... وهذا دليل على التدخل الرسمي في حياة الناس!

لقد اصبح كل سوري يشك بأخيه وبجاره وزميله في العمل مما أدى إلى تعميم حالة الخوف من الآخر وغياب الثقة بين افراد العائلة الواحدة حتى وصل الأمربكل سوري الى الخوف من التحدث مع الآخرين خوفاً من إحتمال أن يتنصت اليه أحد ويعد عليه أنفاسه!

لقد تم افساد معظم الإدارات في الدولة لصالح المافيات الاقتصادية التي تتحكم بحياة الناس مما أدى الى زيادة معدلات الفقر والغلاء بشكل أنهك حياة السوريين مع تدنٍ كبيرٍ في مستوى دخل الأسرة السورية، مع زيادة البطالة وانعدام فرص العمل ، واقتصارها على أبناء وأقرباء الفاسدين من أصحاب القرار في السلطة .

لقد أدى غياب الإعلام الوطني المعبر عن هموم وتطلعات السوريين، وكشف مواطن الفساد، إلى دخول عدد كبير من الإعلاميين دوائر الفساد، وقام كثير منهم بإبتزاز بعض الفاسدين من المتنفذين وأصحاب القرار وعقد شراكات غير معلنة معهم مقابل الصمت وقلب الحقائق وتسويق الخسائرعلى أنها أرباح ومنجزات، والذي يراقب المستوى المعيشي لبعض الإعلاميين الآن وأوضاعهم في بدايات عملهم في الاعلام قبل سنوات قليلة سيكتشف مدى الفرق في الحالتين، وفي الجانب الآخر نجد إعلاميين من أصحاب الضمير الوطني الحي تم تجميدهم ومنعهم من الكتابة في صحفهم، مما أدى الى قيام كثير منهم الى مغادرة الوطن ليعملوا في وسائل إعلامية عربية خارج الوطن، وكانت النتيجة حرمان الإعلام من خبرات مشهود لها بالمهنية والضمير الوطني الحي.

من يراقب معدلات التوزيع في صحفنا اليومية قبل الأحداث وبعدها سيكتشف الهبوط الكبير في أرقام التوزيع التي وصلت الى ما يقارب 2000 نسخة في اليوم الواحد.

*حاشية:

جاء في التقرير السنوي الصادر عن (المجلس الوطني للإعلام) بدمشق عن عام 2012 ما يلي:

(والمشكلة أن إعلامنا لم يعترف بضعفه المهني، لأنه غير قادر على تقويم أدائه بنفسه، لغياب المعايير وأدوات التقويم المهنية في صميم تكوينه المؤسساتي , لذلك بدا منتشيا بحماسته ,مفتونا بمدح الذات , ومدح بعض الجهات الوصائية عليه، معتبرا هذا المديح تقويما نهائيا، وهذا ما يجعلنا ننبه إلى أن الوطنية والحماسة وحدهما لا تكفيان لصنع إعلام مؤثر، بل لا بد من مهنية إعلامية. ومتابعة للخبر، ومهارة في توظيف المعلومة، ومواكبة للحملات. كما أنه لا بد من سياسات مهنية واضحة كي ننجز إعلاماً وطنياً مؤثراً يشكل بالفعل سلاحاً في معركة حماية الوطن والشعب عبر تحصين وعيه وتغذيته المستمرة)

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات