الرسائل الخفية بين الولايات المتحدة وتنظيم داعش

الرسائل الخفية بين الولايات المتحدة وتنظيم داعش
على الدوام كانت الولايات المتحدة طرفاً في كافة مشاكل وقضايا العالم، وهي على الدوام أيضاً كانت طرفاً مشاركاً في صنع الأزمة قبل أن تكون طرفاً مشاركاً في صناعة الحل ..وذلك ابتداءاً من احتلالها مكانة كبيرة كدولة عظمى بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية برفقة الاتحاد السوفييتي بعد تنحية فرنسا وبريطانيا عن التحكم المباشر بالقرار العالمي ..فالولايات المتحدة ابتدعت أسلوب خلق العدو ومن ثم ضربه قبل أن تتشكل لدى هذا العدو فكرة أن يكون عدواً للولايات المتحدة نفسها.

لقد كانت شريكة في كل الأزمات الدولية من الكوريتين، إلى الحرب الباردة، وصولاً إلى خلق أزمة الإسلاموفوبيا بعد الحرب الأفغانية وظهور طالبان... كما ساهمت الولايات المتحدة بتأسيس حركة المجاهدين العرب لتضرب بهم أسس الاتحاد الىسوفييتي الذي كان قد احتل افغانستان، هؤلاء المجاهدون الذين كانوا البذرة الأساس لكل التنظيمات الاسلامية المتطرفة في المنطقة... حين سمحت بهجرة ما سميَّ بـ "الأفغان العرب" إلى أفغانستان، ومن ثم عودتهم الى بلدانهم مدججين بالأفكار والنوايا التي تربوا عليها في جبال تورا بورا وغيرها.

فتأسست حركات إسلامية جديدة مع عودة الافغان العرب في بلاد مثل مصر ولبنان والأردن وسوريا والعراق وليبيا والمغرب العربي، لم تألفها المجتمعات العربية المعاصرة... ابتداء من حركات الهجرة والتكفير ووصولا الى التنظيمات السلفية في المغرب العربي والخليج ومن هؤلاء تكونت النواة لتنظيم القاعدة بقيادة عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وآخرين.

ومع تفاقم الهوّة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإسلامية بعد تولي جورج بوش الابن الادارة الأميركية، وبعد احتلال أفغانستان والعراق والمستنقع الذي وضعت أميركا نفسها به... أتت ادارة أوباما لتمد يدها نحو العالم الاسلامي في محاولة لطي صفحة الخلاف مع العالم الإسلامي عموماً، والتحالف مع الاسلام المعتدل خصوصاً، وتجلى ذلك في الخطاب التاريخي لباراك أوباما في جامعة القاهرة في العام 2009.

ولكن وفي نفس الزمان الذي كانت تجري به الأحداث في القاهرة، كان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) يؤسس البنية التحتية لدولته المفترضة بالمزج بين التسليح والتمويل؛ والأهم من ذلك هو التأسيس على الظلم الطائفي الذي يتعرض له المكون السني في العراق، من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

ولم يكن أحد بعد، لا في العراق ولا في سوريا ولا حتى الولايات المتحدة، قد استشرف مدى خطورة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق.. الذي كان فرعاً لتنظيم القاعدة آنذاك حتى اعلان مقتل زعيم القاعدة اسامة بن لادن وانهيار المعنويات هناك؛ تماسك تنظيم دولة العراق الاسلامية وأعلن عن تبنيه لعدد كبير من العمليات الارهابية أدت لتنبه الولايات المتحدة له ولزعيمه أبو بكر البغدادي ووضعه على قائمة أعتى الارهابيين في العالم والاعلان عن جائزة مقدارها 10 ملايين دولار اميركي لمن يعتقله أو يقتله، وهكذا أعلنت الحكومة العراقية وقوات الاحتلال الاميركي عدة مرات عن اعتقال البغدادي أو مقتله وكان في كل مرة يظهر بخطاب يزيد من قوته ومصداقيته امام أنصاره وبالتالي ايمانهم بقدرته على استلام الدفة بعد اسامة بن لادن؛ بعدها انضم العديد من التنظيمات الى دولة العراق مثل مجلس شورى المجاهدين و تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ولكن الخطوة الأهم كانت في انطلاقة الثورة السورية التي فتحت الباب لهذا التنظيم في التبلور والتشكل والتأسيس بشكل منظم وممنهج، فتنظيم الدولة استقدم بشكل رئيسي ومفاجئ خبرات من أوروبا وأميركا وأستراليا ذات مستوى عالي جداً ومخيف ، في التخطيط العسكري والهندسة الحربية و المدنية و التصوير السينمائي والتلفزيوني و في مجال الاتصال وكل ماله علاقة في بناء شيء مختلف لم نعهده من قبل في التنظيمات ذات الشكل الجهادي و السلفي، ومن هنا لا يمكن ولا بأي شكل غض الطرف عن مرور هذه الخلايا من الغرب الى سوريا والعراق دون معرفة أجهزة الاستخبارات الغربية لسفر هؤلاء عبر المطارات و نزولهم في تركيا وعبورهم الى سوريا بسلاس.

وهكذا استمر التنظيم في النمو والعراك مع الجيش الحر في ظل تجاهل دولي للصراخ المحلي والتجاوزات المرتكبة حتى شَرَعَ التنظيم بذبح الصحافيين الأجانب بمعدل واحد كل اسبوعين في ثبات كامل وتجاهل لكل رسائل الرحمة بالصحفيين.

ومن هنا قرر باراك اوباما الانتقام من التنظيم واعتباره خطراً مفاجئ على البشرية وبدأ جون كيري جولاته العالمية لبناء التحالف الدولي الجديد الثالث في النظام العالمي الجديد بعد تحالف افغانستان وتحالف العراق ، للقضاء على داعش .

ولكن الملفت للنظر أن وسائل الاعلام الغربية والتي كانت تختصر اسم داعش بالأحرف isis"" والتي تعني (الدولة الاسلامية في العراق وسوريا) إلى"isil" والتي أطلقها باراك أوباما منفرداً في خطاب له خاص بـ"داعش"، بينما كان جون كيري لا يزال يستخدم الاختصار الأول و"isil" تعني الدولة الإسلامية في العراق والشرق (Islamic state Iraq and Levant ) فكيف غير الرئيس الأميركي اسم التنظيم الرسمي والذي اعتمد عالمياً فجأة الى الاسم الأكثر شمولية والذي يفتح الأفق واسعاً للتنظيم أكثر من العراق وسوريا، فهو اعتبر في رؤية استشرافية في تعديله للاسم ان التنظيم سينفتح أكثر على الشرق العربي كافة ولن يقتصر على الدولتين المنكوبتين، ومن هنا غيرت وسائل الاعلام جميعها التسمية حسب ما أوردها أوباما، وبدأت التحركات في لبنان فعلياً وحوصرت عين العرب \كوباني ... للسيطرة على معبر جديد نحو الأراضي التركية، فصدقت توقعات أوباما و توسع نشاط التنظيم مع التوسع اللفظي لاختصار اسمها ..وبعد هذا خرجت التصريحات تباعاً من المسؤولين الأميركيين من مثل الحرب قد تستغرق ثلاثين عاماً من وزير الدفاع السابق الى ان تكلفة الحرب قد تصل الى 550 مليار دولار ..تلك المبالغ التي لو صرفت على الشعب السوري لانتهى المجتمع الدولي من كل ارهاب العالم مجتمعاً.

وهكذا فداعش أطلقت قناة فضائية جديدة واذاعة أيضاً، وموقعها على اليوتيوب لا يزال يعمل ويبث فيديوهات للتنظيم ليلاً نهاراً دون أي اعاقة او حذف أو متابعة؛ فأين المخابرات الأميركية ومخابرات التحالف، إلا إن كان هنالك في تلك الأروقة في البينتاغون من يريد لفكرة داعش أن تتضخم وتتأسطر!

وهكذا أيضا أصبحت داعش الشغل الشاغل للإدارة الأميركية والتحالف الدولي الذي خلق ضدها.. ضمن استمرارية خلق أميركا للعدو قبل أن ينضج لوحده ويصبح قادراً على أذية الولايات المتحدة نفسها، ضاربة الحائط طبعاً بكل ما له علاقة بمصلحة شعوب المنطقة وحريتها وديمقراطيتها، فالهدف المرحلي أهم من الهدف الاستراتيجي.. ومرحلياً المعركة مع داعش واستنزاف دول الخليج الداعمة للتحالف واستنزاف ايران وروسيا الداعمة للنظام هو المهم اما الحل الجذري للمشكلة في نزع فتيل الازمة وتحجيم ايران وطموحاتها في المنطقة درءً لخطر التطرف على المقلب الطائفي المقابل.

التعليقات (12)

    رنا صابوني

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    التقاطة جميلة من قبل كاتب مهم ...شكرا اورينت

    Levant تعني سورية الكبرى أي بلاد الشام وقد غفل الكاتب

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    في أول فقرة من مقاله أعلاه أن يُلمّح بأن الولايات المتحدة وإن كانت صديقة ودودة لإسرائيل لكنها تخاف منها فلذلك إستحياطاً تقوم أمريكا بمهادنتة إيران فمثلا لا تكاد تعلن حظراً على التجارة مع إيران نراها قبل مرور أسابيع على هكذا إعلان تقوم بإصدار إستثناءآت لليابان والصين وغيراها من دول الشرق الأقصى لشراء البترول الإيران وبذلك لا تنسحق إيران إقتصاديا وفي نفس الوقت تقوم أمريكا بتقليم أظافر مُصدّري البترول العرب للمنافسة بتخفيض أسعارهم مما يدخل السرور لإسرائيل التي أمريكا وروسيا يخافان قدرات غواصاتها

    william

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    the problem is that the mob, both in the US and in the rest of the world is not aware about those facts about the foundation od ISIS, especially the Arabs , this article is very analytical and hit the heart of the CIA activities

    أبو مصعب

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    في كذا ملاحظة على الكاتب من حيث دقة ما أورده من معلومات: أولاً: تنظيم القاعدة في العراق كان أحد المؤسسين للدولة، ولم ينضم إليها لاحقًا...وكذلك شورى المجاهدين، الذي كان يضم بين تنظيماته المتحالفة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين

    من دهنو سقّيلو

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    القوى العالمية بحجة لمجانين للقيام بمهام لا يستسيغها عاقل وأكثر هؤلاء حماساً المتحركون بحوافز دينية فهم قطع نادر ممكن استغلاله لتعديل الحدود وإلقاء اللوم عليهم فيما إذا حصل إحراج مثلا إسرائيل تتحجج بالمستوطنين المتديينين فهل يوجد ما يمنعها أو يمنع غيرها من التحجج بفئات من متشددين من طوائف اَخرى فالذي يُحسن الهيمنة على المجانين وتسييرهم عالسكة المرسومة هو الرابح في نهاية المطاف الأسد سيخسر لأنه غفل عن متابعة المجانين الذين كان يحركهم بالرموت كنترول في الماضي لأنه إلتهى بصبغ الإنتفاضة ضده دينيا

    عبود الصالح

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    أضيف هنا أمرا مهما التونسيون في التنظيم! لماذا منذ نشأة تنظيم داعش يتوجه التونسيون له اكثر بكثير من اي تنظيم "جهادي" آخر؟! هذا يطرح علامات استفهام عن احتمال دخول الاصابع الفرنسية والمعروفة بقوتها في تونس ورجالات بن علي السابقين. لماذا وقود داعش واكثر من نصف منفذي العمليات الانتحارية من السعودية والمخابرات الامريكية تلعب في السعودية! لماذا يأتي من الغرب الخبراء لهذا التنظيم! واسئلة كثيرة تؤكد ان هذا التنظيم هو فكرة خوارج رعتها امريكا وحلفائها باتقان.يتبع

    عبود الصالح

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    قدم النظام السوري التمويل لداعش من خلال شراء النفط واعطاء التنظيم التحكم ببعض نقاط الكهرباء ليظهر النظام كمضطر لشراء الكهرباء من داعش. وفي العراق انسحب الجيش من الموصل بشكل مسرحي هزيل تاركا السلاح لداعش. بهذا يكون الشرق تولى التمويل والتسليح والغرب تولى التجنيد والخبرات والتنظيم يبقى ما هو المشروع الذي يريدونه من ايجاد هكذا تنظيم غير ضرف الثورة السورية؟!

    الدكنور ابو يعقوب الحسيني

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    كلما قرأت لكاتب رومانسي مثل هذا وجدت أن الفطرة مشوهة والمنطلقات الفكرية مبنية على زبالات الافلام البوليسية والفلسفات الرديئة .. فلو سألنا الكاتب عن نواقض الإسلام سيقول أنه لا يعلم وهو ينظر حول جماعة من المجاهدين لهم منظومة عقدية متكاملة !! أما أن تقول له ما هو الستربتيز فسيحكي لك عنه دوايين ومجلدات ... كفاكم أيها الخشب المسندة .. مقرفون

    عبد العزيز السديري

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    حقيقة أمريكا بين الباطن والظاهر..تنظيم القاعدةمن الداخل..وتنظيم الدولة من الخارج..بين فكين اوله واخره..

    هل يمكن لداعش الاستمرار

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    بغض النظر عن تفاصيل نشوء ما يسمى بداعش مع يقيني أنها نشأت تحت نظر الأمريكان على أقل تقدير . السؤال المهم هو هل تستطيع داعش بهذا الفكر ولنقل أنه غريب على شعوبنا أن تحكم هذه المنطقة؟ أظن أن الجواب هو ببساطة ﻻ وإذا نجحت فظني أنها ستحتاج إلى أكثر من عشر سنوات . وهب مدة ﻻ يستطيع أحد في العالم الجديد أن يحتمل مظاهر هذا الحكم الجاهل المقيت .

    عبد الغفور

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    كيف يمكن أن تكون هناك علاقة بين القاتل والمقتول فصاحب العقل يرى كيف تحالف التكالب والكرد والبيشمركة وما يسمى بالحر عليهم فكفاكم تضليلا

    ماسوني

    ·منذ 9 سنوات 6 أشهر
    نحن في النادي الصهيوني لنا قواعد عمل واهمها : خلق مشكله - فرد فعل- فحل كما نريد. وشعارنا : ستصنع الحرب بالسر.
12

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات