لقد كانت شريكة في كل الأزمات الدولية من الكوريتين، إلى الحرب الباردة، وصولاً إلى خلق أزمة الإسلاموفوبيا بعد الحرب الأفغانية وظهور طالبان... كما ساهمت الولايات المتحدة بتأسيس حركة المجاهدين العرب لتضرب بهم أسس الاتحاد الىسوفييتي الذي كان قد احتل افغانستان، هؤلاء المجاهدون الذين كانوا البذرة الأساس لكل التنظيمات الاسلامية المتطرفة في المنطقة... حين سمحت بهجرة ما سميَّ بـ "الأفغان العرب" إلى أفغانستان، ومن ثم عودتهم الى بلدانهم مدججين بالأفكار والنوايا التي تربوا عليها في جبال تورا بورا وغيرها.
فتأسست حركات إسلامية جديدة مع عودة الافغان العرب في بلاد مثل مصر ولبنان والأردن وسوريا والعراق وليبيا والمغرب العربي، لم تألفها المجتمعات العربية المعاصرة... ابتداء من حركات الهجرة والتكفير ووصولا الى التنظيمات السلفية في المغرب العربي والخليج ومن هؤلاء تكونت النواة لتنظيم القاعدة بقيادة عبد الله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وآخرين.
ومع تفاقم الهوّة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإسلامية بعد تولي جورج بوش الابن الادارة الأميركية، وبعد احتلال أفغانستان والعراق والمستنقع الذي وضعت أميركا نفسها به... أتت ادارة أوباما لتمد يدها نحو العالم الاسلامي في محاولة لطي صفحة الخلاف مع العالم الإسلامي عموماً، والتحالف مع الاسلام المعتدل خصوصاً، وتجلى ذلك في الخطاب التاريخي لباراك أوباما في جامعة القاهرة في العام 2009.
ولكن وفي نفس الزمان الذي كانت تجري به الأحداث في القاهرة، كان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) يؤسس البنية التحتية لدولته المفترضة بالمزج بين التسليح والتمويل؛ والأهم من ذلك هو التأسيس على الظلم الطائفي الذي يتعرض له المكون السني في العراق، من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ولم يكن أحد بعد، لا في العراق ولا في سوريا ولا حتى الولايات المتحدة، قد استشرف مدى خطورة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق.. الذي كان فرعاً لتنظيم القاعدة آنذاك حتى اعلان مقتل زعيم القاعدة اسامة بن لادن وانهيار المعنويات هناك؛ تماسك تنظيم دولة العراق الاسلامية وأعلن عن تبنيه لعدد كبير من العمليات الارهابية أدت لتنبه الولايات المتحدة له ولزعيمه أبو بكر البغدادي ووضعه على قائمة أعتى الارهابيين في العالم والاعلان عن جائزة مقدارها 10 ملايين دولار اميركي لمن يعتقله أو يقتله، وهكذا أعلنت الحكومة العراقية وقوات الاحتلال الاميركي عدة مرات عن اعتقال البغدادي أو مقتله وكان في كل مرة يظهر بخطاب يزيد من قوته ومصداقيته امام أنصاره وبالتالي ايمانهم بقدرته على استلام الدفة بعد اسامة بن لادن؛ بعدها انضم العديد من التنظيمات الى دولة العراق مثل مجلس شورى المجاهدين و تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ولكن الخطوة الأهم كانت في انطلاقة الثورة السورية التي فتحت الباب لهذا التنظيم في التبلور والتشكل والتأسيس بشكل منظم وممنهج، فتنظيم الدولة استقدم بشكل رئيسي ومفاجئ خبرات من أوروبا وأميركا وأستراليا ذات مستوى عالي جداً ومخيف ، في التخطيط العسكري والهندسة الحربية و المدنية و التصوير السينمائي والتلفزيوني و في مجال الاتصال وكل ماله علاقة في بناء شيء مختلف لم نعهده من قبل في التنظيمات ذات الشكل الجهادي و السلفي، ومن هنا لا يمكن ولا بأي شكل غض الطرف عن مرور هذه الخلايا من الغرب الى سوريا والعراق دون معرفة أجهزة الاستخبارات الغربية لسفر هؤلاء عبر المطارات و نزولهم في تركيا وعبورهم الى سوريا بسلاس.
وهكذا استمر التنظيم في النمو والعراك مع الجيش الحر في ظل تجاهل دولي للصراخ المحلي والتجاوزات المرتكبة حتى شَرَعَ التنظيم بذبح الصحافيين الأجانب بمعدل واحد كل اسبوعين في ثبات كامل وتجاهل لكل رسائل الرحمة بالصحفيين.
ومن هنا قرر باراك اوباما الانتقام من التنظيم واعتباره خطراً مفاجئ على البشرية وبدأ جون كيري جولاته العالمية لبناء التحالف الدولي الجديد الثالث في النظام العالمي الجديد بعد تحالف افغانستان وتحالف العراق ، للقضاء على داعش .
ولكن الملفت للنظر أن وسائل الاعلام الغربية والتي كانت تختصر اسم داعش بالأحرف isis"" والتي تعني (الدولة الاسلامية في العراق وسوريا) إلى"isil" والتي أطلقها باراك أوباما منفرداً في خطاب له خاص بـ"داعش"، بينما كان جون كيري لا يزال يستخدم الاختصار الأول و"isil" تعني الدولة الإسلامية في العراق والشرق (Islamic state Iraq and Levant ) فكيف غير الرئيس الأميركي اسم التنظيم الرسمي والذي اعتمد عالمياً فجأة الى الاسم الأكثر شمولية والذي يفتح الأفق واسعاً للتنظيم أكثر من العراق وسوريا، فهو اعتبر في رؤية استشرافية في تعديله للاسم ان التنظيم سينفتح أكثر على الشرق العربي كافة ولن يقتصر على الدولتين المنكوبتين، ومن هنا غيرت وسائل الاعلام جميعها التسمية حسب ما أوردها أوباما، وبدأت التحركات في لبنان فعلياً وحوصرت عين العرب \كوباني ... للسيطرة على معبر جديد نحو الأراضي التركية، فصدقت توقعات أوباما و توسع نشاط التنظيم مع التوسع اللفظي لاختصار اسمها ..وبعد هذا خرجت التصريحات تباعاً من المسؤولين الأميركيين من مثل الحرب قد تستغرق ثلاثين عاماً من وزير الدفاع السابق الى ان تكلفة الحرب قد تصل الى 550 مليار دولار ..تلك المبالغ التي لو صرفت على الشعب السوري لانتهى المجتمع الدولي من كل ارهاب العالم مجتمعاً.
وهكذا فداعش أطلقت قناة فضائية جديدة واذاعة أيضاً، وموقعها على اليوتيوب لا يزال يعمل ويبث فيديوهات للتنظيم ليلاً نهاراً دون أي اعاقة او حذف أو متابعة؛ فأين المخابرات الأميركية ومخابرات التحالف، إلا إن كان هنالك في تلك الأروقة في البينتاغون من يريد لفكرة داعش أن تتضخم وتتأسطر!
وهكذا أيضا أصبحت داعش الشغل الشاغل للإدارة الأميركية والتحالف الدولي الذي خلق ضدها.. ضمن استمرارية خلق أميركا للعدو قبل أن ينضج لوحده ويصبح قادراً على أذية الولايات المتحدة نفسها، ضاربة الحائط طبعاً بكل ما له علاقة بمصلحة شعوب المنطقة وحريتها وديمقراطيتها، فالهدف المرحلي أهم من الهدف الاستراتيجي.. ومرحلياً المعركة مع داعش واستنزاف دول الخليج الداعمة للتحالف واستنزاف ايران وروسيا الداعمة للنظام هو المهم اما الحل الجذري للمشكلة في نزع فتيل الازمة وتحجيم ايران وطموحاتها في المنطقة درءً لخطر التطرف على المقلب الطائفي المقابل.
التعليقات (12)