هذه ثورة شعب وليست ثورة (آيدول) و(جات تالنت)

هذه ثورة شعب وليست ثورة (آيدول) و(جات تالنت)
هي اللعبة والأجندات للدول الداعمة على ما يتضح، يحضّرون لبرنامج ضخم لإبراز المواهب الفتّاكة، مواهب تفتك بالجمهور وبنفسها، ومن يدري لربما تفتك بلجنة الحكماء والمحكِّمين، برنامج لمواهب بلا حدود، فلمن نصوّت؟

في زمن الفنون والمواهب المتعددة نحتاج إلى "ثورة آيدول"، و"ثورة جات تالنت" ليُبرز فيها النجوم مواهبهم، ولجنة التحكيم المخضرمة ستكون من كلّ قارة أغنية، ونحن سنصوّت للرابح، وآخر النهار نحن ملتزمون بدفع الفاتورة وسنحمل على أكتافنا نجمنا الموهوب يشهر سيف انتصاره ويتراقص به على رؤوسنا، وستتعطل بعض الحواس الخمس الهامة كحاسة الشمّ مثلاً، وبفعل فوضى الروائح والمكياجات ستختلط الأمور، وستنغلق الأنوف عن رائحة أنواع الطيوب الخارجية وتمييز ماهيتها، فنحن في السعادة منشغلون وعن روائح نجمنا مغيّبون، بارفان فرنسي على ويسكي أمريكي على مسك عربي على روائح كوكتيل من كلّ القارات، فالحفل الكريم للتطبيل لنجمنا الناجح سيأخذنا اعتباطياً لنتأمل شخصيته الجميلة، وهي في هذا الحفل جميلة بالضرورة، فالاعتباط هو المسيطر على الموقف ولا مكان لتمييز شيء آخر، جميل أو قبيح: بنطلون كلاسيكي أو بنطلون مخروط بمخارط الطورنو، طقم رسمي أو دشداشة وعقال، حذاء جلد أجنبي أو حذاء تم تصنيعه من بقايا أكياس البلاستيك!

لا مكان هنا لتمييز الجيد من الرديء، فكل شيء هنا في زحمة الفرحة والاعتباط هو جميل بالضرورة، وانتقال نوعي للنتيجة حسب المنطق السقراطي، فلا استنتاجات أو مقدمات صغيرة أوكبيرة، هي نتيجة اعتباطية جاهزة، وسيستغل أصحاب شركات التجارة العامة للملبوسات والمكياجات الفرصة لنشر دعاياتهم عن طريق ملصقات إعلانية على الجدران، أو على لباس النجم المنتصر أو غيرها لإبراز المنتج واسم الشركة فقط دون معلومات عن صاحبها الرسمي، فالوضع مناسب جداً في الترويج والتلفيق صحيحاً كان أو كذباً، فالجو هنا في سعادة غامرة واعتباط قسريّ تفرضه الموسيقى والأضواء والروائح المثيرة للرغبات الباطنية والخارجية، وبالتالي هو جوٌّ مناسب جداً لتأصيل المنتوجات التجارية في عقل المستهلك، وستترسخ في ذاكرته على أنها في المركز الأول كونها مرتبطة بحفلة ذات صخب عال يثير الشهوات المحرّمة والمحللة لأننا في حالة اعتباطية. لا بأس فنحن نعيد إنتاج أنفسنا ومواهبنا وأخطائنا التي من المفترض أننا مارسناها منذ زمن بعيد على سبيل الديمقراطية والحرية.

إن كلّ ما يحصل هو أمر متوقع في عملية الإنتاج وفي هذا المخاض العسير، وبالتزامن مع إبراز المواهب الفاشلة سيكون هنالك نوع من أنواع الارتداد إلى الماضي والبحث عن موهبة أكثر حنكة، وسيشارك كلّ من هبّ ودبّ (بالضم والفتح) في مهرجانات الآيدول والتالنت حتى ولو كانت موهبته تافهة ومقرفة كتلك الموهبة التي يدخل فيها أحدهم السكاكين والمسامير في أنفه وفمه على مقامات موسيقية اعتباطية هي الأخرى وغيرها من المواهب الأكثر اشمئزازاً.

يريدون أن يغرقوا المنطقة والثورة بفتن داخلية ومواهب ثورية فاشلة لتثير نفور الناس من الأداء الرديء كي يناشدون الماضي القذر لإنقاذهم من الحضر القذر أولترسيخ وتسويغ التقسيم أو الضربة الأمريكية، فالأولى جريمة دولية غير مقبولة وبشعة، والثانية جريمة مشبوهة كونها دائماً تأتي بذرائع واهية وأهداف خبيثة تزيد الدمار دماراً، ويبقى التساؤل والتحاور الداخلي والخارجي، من تحت اللثام ومن خلفه ومن بين ظهرانيه، بأسماء وهميّة أو أسماء صريحة، ما الحلُّ ؟ حضن الجزار؟، بالتأكيد لا، إذاّ ماذا بعد كلّ هذا الغموض والمجهول الذي اقتحم الثورة وجرّ أهلها وأصحابها أبناء أرضها وترابها وشرفها وكرامتها إلى لعبة قبيحة لا ناقة فيها للشعب وثورته ولا جمل؟!.

أظن أنها كغيرها من الأحداث الأخيرة على الأرض، هي نوع من البهارات السامة الجديدة لجر الفصائل إلى فتنة طاحنة، تضيع فيها البوصلة والربّان، نبحث فيها عن ذرائع في حين أنه من الأجدى سدّ الذرائع على الأطراف الدولية كلّها، فنغرق في مهاترات ثورية على سبيل الوهم الذي تطبخه لنا أمريكا ودول الجهات الأربع، وفي نهاية المطاف وبعد صبّ الوجبات للمغفلين سيعلن التاريخ والإنسان والتراب في بيان رسمي أن لا مستقبل لسوريا إلا برص الصفوف ووحدة الكلمة تحت راية جيش حر واحد لسوريا ولها ولأبنائها، تلك نهاية طبيعية للثورة، وسيبقى النظام الأسدي راعي الإرهاب والإرهابيين هو رأس الأفعى الذي يجب أن يُبتر، أفعى تنفث سمومها ثم تتوارى بعض الوقت عن المسرح السياسي، وما من مخرج للثورة إلا بوحدة الصفوف والعودة إلى المفاهيم الطيّبة النقيّة قبل أن يُغرقنا العالم والقبطان الموهوب في مفاهيم غامضة أشدّ وأدهى. نعيش واقعاً صعباً وأكثر خطورة من قبل كوننا في المراحل الأخيرة، هي مرحلة أخيرة بغض النظر عن الزمن الذي يستغرقها، إلا أنها أخطر المراحل، وحمّام من الدم يريده العالم والنظام لنا، حمام بكل النكهات، أفرنجي وعربي، بانيو ومرآة كبيرة نعاين فيها جمال وجوهنا ونتجمّل أمامها، مرآة محاطة بالمصابيح الصغيرة من كل الأطراف لنرى وجهنا أبيض مشرقاً، بلا تجاعيد أو علامات استفهام، ونبتسم ونقول: ما شاء الله، سبحان من خلق هذا الوجه الجميل..

إنها أبشع حقيقة يجب أن نعترف بها، يجرون الفصائل إلى حمام واسع من الدم، محرقة سيدفع فاتورتها جمهور المصوتين لهذا النجم الثوري أو ذاك، محرقة إن لم يتخذ العقلاء قراراً حاسماً، إن لم يتخذ الضباط المنشقون وكل الثوار قراراً بجيش واحد بعيد عن أي أيديولوجيا باستثناء أيدولوجية الفقراء والمظلومين والمشردين، أيديولوجيا صادقة لبتر البعث ورجالاته من جذورهم، أيديولوجيا لا تعطي فرصة للمشبوهين بأن يخرجوا من جحورهم تارة ويعودوا إليها تارة أخرى حيث يعبثون بدماء الناس، لا نريد طبخات سياسية بائتة وخبيثة، نحتاج إلى طبخة من أرضنا، نبتت في ترابها وتمت بأيدينا ومن إنتاج أرضنا الغنيّة بكل شيء، بالكفاءات في كلّ الميادين، طبخة نقيّة نتناولها من إنتاج أراضينا وصنع أمهاتنا، وليس طبخة غربية منتنة رائحتها قديمة مجبولة بدم الأبرياء أو كبسة عربية بمواصفات عالية الدسم ومتخمة بالبهارات المضرّة بالصحة. هي ثورة شعب مظلوم يطمح للحرية لا للخراب، شعب يريد العيش بكرامة بعيداً مع المزادات السياسية الرخيصة، يكفي مقايضات على رؤوس الناس، لا تدعوا مجالاً لأباطرة البعث أن ينفثوا سمومهم ثم يتواروا عن الأعين منتظرين أن تحين فرصة عودتهم.

إن العالم المتخاذل والساقط أخلاقياً وإنسانياً والنظام وأزلامه على كل المحاور يجرون الثورة لمهاوٍ عميقة، وعلى العقول الواعية بالثورة أن تقطع دابر الشر وتكافح كل خطأ كبير أو صغير، أن يسدّوا الذرائع بدلاً من البحث عن ذرائع ستنمو وتتطور حسب قانون المجتمع الدولي البائع لدمائنا، يجب سدّ الذرائع كلها كي لا تكون هناك أي مبررات للشعب المذبوح كي يقول: (ما أحلى الرجوع إليه)!

الشعب المطحون بآلة أصحاب الهوايات والمواهب المقزّزة، والساديين الطارئين على ثورة الشعب، وكي لا يستثمر الواقع أصحاب الوجوه الكالحة من الموتورين والموظفين في شركات الدعاية للمنتوج الأسدي بلواصق برّاقة، والمغرقة وجوههم بالجريمة والدناءة قبل الثورة وفيها، ويطمحون إلى مابعدها، نريد ثواراً لا يكونون حطباً لنار يشعلها الإرهاب الدولي والأسدي المنظم. فليذهب تجار الجريمة إلى المزابل، الثورة مستمرة على النظام الأسدي القاتل ورعاعه، ومن يحتفل اعتباطياً في حفل اعتباطي لتتويج نجماً ما من نجوم الثورة وأبطالها فهو اعتباطي وثورته مبنيّة على اعتباط من غير أسس أو ركائز، في حين أن الثورة عقل واع يستفيد من تجاربه وينمّي خبراته، أما كلّ ما يتم إبرازه عبر برنامج دول الجهات الأربع التالنتي الآيدولي فهو لواصق إعلانية برّاقة لصقوها لنا على جدران مهترئة ومكتوب عليها سابقاً بالبخاخ ( لا تتبول هنا يا فهيم – لا ترمي القمامة هنا يا محترم)، فالجدران أساسها مهتريء في بلد معطوب نهشه حزب البعث ونخر أضلعه وجدارنه، نخر العقول وخرّب المؤسسات وعلى رأسها المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية، أما اللواصق الإعلانية البرّاقة فهي ذاهبة لا محالة بفعل الرياح أو الأمطار، وحينها سيبقى الجدار مهزلة وكوميديا ساخرة ومحزنة في آن معاً، وستبقى المرآة في حمام الدم مرآة محاطة بالمصابيح الكهربائيّة تزوّر الحقائق للوجوه وتجاعيدها وتظهرها وجوهاً شابة.

نحن نحتاج أن نبني جداراً متيناً يليق بالثورة وشعبها، وننظر في وجوه بعضنا البعض بدلاً من النظر في مرآة مزوّرة، نعاين بعضنا بصدق والثورة كفيلة بمفاهيمها الصادقة أن تنشر وتأصل الحب والوفاق ضد كل قباحة هذا العالم المتناحر على نحرنا فرداً فرداً، نحتاج إلى تنمية تجربتنا خلال الفترة الماضية مستفيدين من كلّ ما أفرزته المرحلة، فالأرض لنا والثورة لنا وترابنا مبتلّ بدماء شهداء علينا احترام دماءهم وسبب جريانها، أما نظام الإرهاب الأسدي وكل ميليشياته فهم راحلون لا محالة لأن الأرض لأبنائها، ومن يهدر الدماء فيها لأجندات سياسية خبيثة أو للحفاظ على الكرسي فهو ليس منها في شيء ووجوده عليها مؤقت، فالمسألة مسألة وقت، وكلّ ما يفعلونه ويستطيعون فعله هو إثارة الضوضاء والعبث بالوقت فقط، وذلك لتمرير منتوجاتهم الرديئة، والرديء القبيح لن يستمر مهما أحاطوه بأدوات التجميل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات