الغرب وصناعة الرأي حول قضايانا

الغرب وصناعة الرأي حول قضايانا
موضوعان على غاية من الاهمية في ما اسماه الفيلسوف الفرنسي جي ديبور "مجتمع الفرجة"،الصورة بما تعنيه على المستوى الاعلامي وصناعة الرأي العام.

ليس موضوعنا الحديث عن هذه الصنعة. بل نريد أن نتناول زاوية ربما تكون مهملة من قبل من يتناول السياسة الغربية في عالمنا المعاصر عموما وفي الشرق الاوسط خصوصا.

هناك مستويين لصناعة الرأي العام، مستوى داخلي يتعلق بهموم ومشاكل المجتمع المدني في كل دولة غربية على حدا. في هذا المستوى هنالك قوى مجتمع مدني راسخة- نقابات احزاب تجمعات مطلبية وحقوقية..الخ- من الصعب تجاوزها مهما كانت مصالح اصحاب الصورة والاعلام، تجد ان قوى المجتمع المدني تجد طريقها في كثير من الاحيان لتكوين رأي عام ضاغط من اجل مطالبها، قضايا حقوقية، اجور واسعار، ساعات عمل، مطالب بيئية..الخ. تصل إلى المواطن الغربي بسهولة ربما مقارنة مع مجتمعاتنا حيث محتكر فيها السياسة والاعلام لصالح السلطات الموجودة بقوة الجيش والمخابرات، حيث لاوجود لقوى مجتمع مدني ربما احيانا لعدم السماح بنشوء مجتمع مدني. في هذا المستوى يستطيع المرء أن يلمس المساحة التي لايستطيع اصحاب المصالح التمادي فيها من اجل السيطرة على صناعة الرأي العام.

ما يهمنا هنا هو المستوى الثاني الذي يتعلق بسياسات الغرب الخارجية والمصالح التي تقف خلفها، والتي تمثلها لوبيات راسخة، منها ما يعتبر طبعا جزء راسخا ايضا من المجتمع المدني. من أين تستقي وسائل الاعلام مصادرها التي تكون الرأي العام في الدول الغربية في القضايا الخارجية؟

المؤتمر الصحفي اليومي او الاسبوعي للادارات الغربية.. المؤتمرات والبيانات الختامية لكل اجتماع تعقده هذه الادارات. هذه النشاطات التي تقوم بها المكاتب الصحفية للادارات الغربية، هي المصدر الاساس في الموقف من أي قضية خارجية. في الثورة السورية منذ انطلاقها يلاحظ المرء أن وسائل الاعلام الامريكية مثلا لا تركز على جرائم الاسد وبالكاد تذكرها القنوات التلفزيونية الغربية المشاهدة، بل كان جل تركيزها على مواضيع من مثل أمن اسرائيل فيما لو سقط الاسد، ضمان الوضع الاقلياتي في سورية، وحدة المعارضة كمطلب وهمي، الجماعات التي يمكن ان تكون ارهابية. وبالمقابل خطاب اوباما كاذب انه لن يتدخل عسكريا في اي منطقة، مع انه تدخل قبلها باشهر في ليبيا وبعدها في مالي. الآن التحالف الدولي على داعش دون ان يعود لا للمجتمع الامريكي ولا لمجلس الامن.

كلنا يتذكر المسرحية الهزلية التي قام بها اوباما وقبله ديفيد كاميرون، بعد ان ضرب الاسد اطفال سورية بالكيماوي وقضية العودة للبرلمان ومجلس الشيوخ!!.ثمة أمر آخر في امريكا يتم تجاهله ايضا، هو قوة حضور الايباك المساند للمطالب الاسرائيلية باستمرار في وسائل الاعلام الامريكية. هذا الايباك اهم واقوى لوبي في السياسة الخارجية الامريكية بقضايا الشرق الاوسط. اسرائيل منذ البداية كان موقفها واضحا ضد اسقاط الاسد، وضد التدخل الدولي لحماية المدنيين في سورية. هذا ما اوضحته لاحقا مذكرات هيلاري كلينتون وتصريحات روبرت فورد السفير الامريكي الاسبق في سورية، حول رفض ادارة اوباما التدخل او دعم المعارضة من اجل اسقاط الاسد، كلها تندرج تحت حجج واهية تجدها تتصدر الاعلام الامريكي آنذاك.

مثال آخر عندما يقوم احد افراد من المعارضة المسلحة أو غير المسلحة بسلوك يخدم وجهة نظرهم هذه تجد وسائل الاعلام الامريكية تحتفي به، ويتصدرها لدرجة أن النيويورك تايمز بجلالة قدرها الصحفي، اوردت فيديو من المفترض انه سلوك وحشي لافراد من المعارضة السورية المسلحة!! ليتبين لها بعد أن قمنا بالمعارضة بتوضيح الامر لها، أن هذا الفيديو والسلوك الوحشي هو لعناصر الاسد وشبيحته وتم تصويره قبل عام تقريبا من نشره في النييورك تايمز. فاعتذرت على خجل ولم تورد اعتذارها حتى في نفس الصفحة!! بل في زاوية مهملة.

بالمحصلة، إن دور المجتمع المدني ومؤسساته في الدول الغربية غالبا ينصب على قضاياه الداخلية وهذا امر طبيعي. لكنه يستقي اخباره عن القضايا الخارجية بشكل اساسي من وسائل الادارات الغربية كما ذكرت اعلاه.

إن تعدد وسائل الإعلام يعني بالضرورة حرية الرأي والتعبير، لكنها تبقى المسالة نسبية. نسبيتها ليست من زاوية وجود أي قمع يمكن أن يطال هذا الاعلام، لكن احتكار صناعته وتسويق منتجاته لتصبح رأيا عاما، هي التي تجعل الحرية نسبية، الصورة الآن اضخم استثمار ربحي ربما بعد صناعة النفط والسلاح.

إن السوق الغربي يضج بالجرائد والمجلات والقنوات . بل إن صناعة الرأي العام تقتضي تنويع مصادر "الخبر" و"الرأي" من حيث تناوله من أكثر من زاوية، مثال داعش كيف يتم تناولها من قبل الاعلام الغربي كنموذج" للدولة الاسلامية"!! لكن الملاحظ أن هنالك شبه اجماع رغم هذا التعدد، على فصل الحرب على داعش عن معاناة شعبنا السوري، وما يرتكبه الاسد من جرائم تفوق الوصف ستجد صداها فيما لو وصلت للمواطن الغربي. السؤال كيف تصل؟. مراكز الدراسات والأبحاث المتخصصة، وسائل الإعلام السمعية البصرية والمكتوبة، "المرجعيات" الدينية والثقافية والمهنية، التظاهرات واستعراض القوى كلها تنشط في القضايا الخارجية، عندما يكون هنالك موقف داعم من قبل الادارات الغربية او مراكز القوى في هذه الدول في اي قضية خارجية.

المعارضة السورية رغم تقصيرها ورغم كل امراضها، إلا انها كانت على الصعيد الاعلامي أكثر نشاطا وكانت تتواصل مع كل المحافل الاعلامية بالصور والوثائق والادلة، لكنها لا تنشر في وسائل الاعلام الغربية، رغم تأكدهم من صحتها. حتى قناتي الجزيرة والعربية، لم يكونا مصدر خبر لوسائل الاعلام الغربية عندما يتعلق الخبر بجريمة اقترفها الاسد بحق شعبنا السوري رغم توثيق القناتين لهذه الجرائم بالصوت والصورة. في النهاية الرأي العام الغربي في القضايا الخارجية يتشكل بشكل رئيسي من توجهات الادارات الغربية أكثر من أي مصدر آخر، لهذا الاسد ارتكب ويرتكب جرائمه مستمرا فيها، لأنه يدرك هذه القضية أيضا. كما ادرك في السابق أن امريكا لن تتدخل لحماية المدنيين في سورية، كما صرح هو نفسه.

لهذا لا تتعلق المسألة بتقصير المعارضة في النشاط الاعلامي بل تتعلق بسياسة اوباما وكاميرون اللااخلاقية.

التعليقات (1)

    Zeriab

    ·منذ 9 سنوات 5 أشهر
    كذابين وزنادقه ويعرفون ويحرفون ... وندفع الاثمان
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات