أورينت نت تحقق: لماذا فشل المنشقون بتشكيل (جيش وطني)؟

أربعة آلاف وخمسمئة ضابط وصف ضابط إضافة إلى عشرات الألوف من الجنود يقبعون الآن في دول الجوار السوري بحسب ما يقدر أعدادهم ناشطون، بدأت أحلامهم كبيرة لحظة انشقاقهم بتشيكل جيش وطني يحمي السوريين من بطش نظام الأسد، إلا أنها ما لبثت أن تلاشت لعدم تبلور قيادة مركزية عسكرية لهم، ولتشتت الفصائل المقاتلة بين الأطراف الداعمة لها، واضطرارهم الآن أن يعملوا تحت إمرة مدنيين لا يعترفون بالتراتبية أو قواعد الانضباط العسكري، مما أفسد الكيانات العسكرية القائمة وفككها بالتدريج.

كل تلك المعطيات جعلت الضباط يعيدون ترتيب أولوياتهم فمنهم من "كسر على أنفه بصلة" كما يقول أحد المنشقين وقبل بالعمل، ومنهم من لم يحتمل حالة الفوضى ورفض "الارتهان للخارج" فقرر التنحي عن قيادة العمليات العسكرية، وآخرون آثروا عدم الانشقاق كي لا يكون مصيرهم ومصير عائلاتهم الفقر والتشرد في دول الجوار، وفي النهاية أصحبت أوروبا ملاذاً لمن حالفه الحظ وامتلك المال، بعد أن بات الأفق مسدوداً أمامهم.

مخططات خارجية مدروسة

أمّن الرائد الطيار (ي.ح )، عائلته في إحدى المخيمات التركية بعد انشقاقه منذ عامين ليتوجه إلى الداخل السوري، ونظراً لطبيعة اختصاصه حاول التواجد قرب المطارات، وعمل لمدة عام مع إحدى الفصائل المقاتلة في حلب، ولكن ديونه أصبحت "كثيرة" بحسب قوله، فقد بلغت ألفى دولار أمريكي دون وجود معيل لعائلته، فحمل مشروعه بتشكيل نواة حقيقة يبنى عليها سلاح القوى الجوية في المعارضة المسلحة، وانضم إلى فصيل آخر، في فترة سقط فيها مطار (جب الجراح) بحلب في أيدي الثوار.

ولكن ما أدركه متأخراً، بحسب قوله، أن مواقع النظام التي تسقط بيد الثوار ما هي إلا تنفيذ لخطط مدروسة خارجياً، في التوقيت والزمان المحددين، فضلاً عن تحديد الفصيل المقاتل الذي سيقوم بذلك، ومقدار الدعم الموجه له، ولكن عندما تتم السيطرة على مكان، لا تملك تلك الفصائل حتى قرار إعادة تأهيله واستخدامه مالم يتوافق ذلك مع مخطط الخارج، مؤكداً منع تلك الفصائل المسلحة المعارضة من استخدام المطارات في الصراع السوري من قبل قوى عالمية.

انضم الرائد (ي.ح) في النهاية إلى (لواء أحفاد الرسول) الذي عمل معه لأشهر وغادره رافضاً أن يدخل في الصراع الدائر بين الجيش الحر والفصائل الإسلامية المتشددة، الذي حرف الثورة السورية عن مسارها، وما زال الآن في إحدى المخميات بتركيا ينتظر الفرصة التي قد تأتي ليعاود عمله.

سوء التنظيم والمعاملة

واعتبر الرائد أن السياسات التي مورست بحق المنشقين أوصلتهم إلى دول الجوار فيقول: "وصفونا بالجبناء الذين قبلوا حياة الذل عن مشاركه إخوانهم الجهاد، وعندما توجه الضابط منا إلى الأرض لم تسأله تلك الكتائب عن مقدار علمه العسكري وكيفية الاستفاده منه، بل سألوه عن مقدار ما يستطيع جلبه من أموال ودعم، فدفعوه ليتعامل مع الخارج والآن يتهموه بالعمالة، وأصبح بالنسبه للمهاجرين من أبناء تونس وفرنسا والجزائر مرتداً وكافراً".

الحاجة والفقر

أما تجربة العميد الطيار (منتصر جاويش) قائد الجناح العسكري في حزب العدالة والتنمية السوري، فقد كانت مختلفة، فهو ما زال يقاتل في صفوف الثوار رغم ما تعرض له من مصاعب، فبعد أن هربت عائلته وأقاربه الى لبنان والسعودية، انشق ليعمل لصالح (اتحاد صلاح الدين) براتب ضعيف لايكفي لسد الرمق حسب تعبيره، حتى أن أقاربه يرسلون له بعض المال لتدبر أموره، يقول: "نسيت أنك ضابط برتبة عميد"، هذا ما سمعه العميد (جاويش) أكثر من مرة ورغم ذلك ما زال يقاتل في صفوف الثوار محاولاً إيجاد مكان مؤثر ولو كان صغيراً، فحالة الإقصاء التي يخضع لها الضباط مدعاة للفخر بالنسبة للقادة المدنيين فيقول "يتباهى قادة مدنيون بالقول: لدي عقيد وثلاثة مقدمين يخصعون لأوامري وينفذون تعليماتي".

ويتحدث العميد (منتصر جاويش) عن محاولته مع زملائه لتشكيل نواة جيش وطني فيقول: "حاولنا جاهدين تشكيل جيش وطني من الضباط وصف الضباط المنشقين والعسكريين بتراتبية عسكرية وآلية عمل منظمة بقيادة اللواء محمد حاج علي واللواء محمد فارس، لكنا لم نجد أي دعم وحوربنا، وأنذرنا بعض الثوار من المجيء الى الداخل، وكان لذلك أثر سلبي على جسد الثورة، وأكبر مثال على ذلك توقف انشقاق الضباط زملائنا الذي وعدونا بالانشقاق، وما أكثرهم نتيجة التخبط والتهميش وعدم الاحترام من قبل مايسمى الثوار المتسلقين على الثورة".

لماذا رفض الانشقاق؟

أما الرائد (ع. خ) فهو من الضباط الذين ما زالوا يعملون لدى النظام السوري، وانتقل من مكان إلى آخر في مدينة دمشق وريفها، ورغم ما رآه بعينه من قصف وتدمير لم يقرر الانشقاق عن النظام.

يقول (ع.خ): "مرت أكثر من ثلاث سنوات والجيش الحر يتخبط في مشاكله، والمعارضة السياسية لا حول لها ولا قوة، ولكل أجنداته ودوله التي يأتمر بأمرها، ولم يكونوا على قدر المسؤولية التي توجب عليهم أن يحملوها"، ويتابع: "شاهدت ما الذي جرى لزملائي وعائلاتهم من فقر وتشرد في دول الجوار، ولست مستعداً لأن أعرض زوجتي وأولادي لنفس المعاناة، وإن كان الدور الذي أقوم به حالياً يسهم في حقن دم شخص واحد فقط، فأنا على استعداد أن أقضي عمري في العمل مع النظام، بدلاً من أن يتم تهميشي كما حصل لغيري".

فوضى (الحر)

ألمانيا كانت وجهة الملازم أول (مهند أبو سيف) من دير الزور، بعد أكثر من عامين على الانشقاق تخللهما محاولة القيام بعمل جدي إلى أنه آثر الابعتاد، يقول: "السبب الرئيس لانسحابي من العمل العكسري هو أن الدعم المقدم من الخارج 80% منه يذهب للإسلاميين و20% للمجلس العسكري الذي تعرض للتهميش، بداية لم أرغب بالانضمام للعمل لما لمسته من عشوائية وفوضى وعدم التزام لدى الجيش الحر، ويعود ذلك لقصر عمره وعدم قدرته على مواجه التحديات التي تواجهه، ومع ذلك عملت لمدة عام، ولكن ما لبثت أن عدت إلى أهلي نظراً لسوء حاتلهم المادية".

ويضيف "بدأت بالبحث عن مورد آخر للرزق يبعدني عن أن أصبح رجلاً معتاشاً على الثورة أو أن أسرقها كما فعل البعض، فبالتعاون مع شريك لي قمنا بفتح سوبرماركت لمدة عام تقريباً في إحدى قرى دير الزور، وبدخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى المنطقة الشرقية واستهدافها للنشطاء والثوار، لم يبق أمامي من خيار إلا الهجرة غير الشرعية، فوصلت إلى ألمانيا منذ أشهر".

تتفق رؤى الضباط الذين تمت مقابتلهم حول الآليات الأفضل لتكشيل الجيش الوطني، وذلك بالتركيز على العسكرين المنشقين كون القائد المدني مهما ملك من الخبرة لن يكون كالعسكري، الذي تمرس ولديه كافة المقومات للقيادة، إذ أن العمل العسكري ليس مجرد حمل سلاح واشتباك، إنما هو علم و مؤسسة وإدارة كاملة ومتجانسة، والقتال ليس الجانب الوحيد المتعلق بها، بالإضافة إلى ضرورة توحيد الجهة الداعمة للعسكريين، ولكن ذلك يتطلب إرادة وتوافق دوليين.

ويطالب هؤلاء الضباط المنشقون بضرورة إيجاد (منطقة عازلة) بقرار من الأمم المتحدة، ونقل الحكومة والائتلاف الى الداخل السوري من أجل العمل على أرض الواقع، وعندها سيصبح لدى الثوار ومعارضتهم دور في قول كلمتهم بدلاً من تنفيذ الإملاءات الخارجية، والارتهان لدول تخوض حرباً بالوكالة في سورية.