وخلال سنوات قليلة من تسلمه السلطة نجح " الأسد " بإنشاء نظام شمولي مخابراتي مغلق أشبه بسيف مسلط على رقاب السوريين يقوم على العنف والجريمة وقتل الأبرياء والتلذذ بعذابات الأطفال والشيوخ والنساء، ولم يقتصر الأمر على السوريين فحسب وإنما على كثير من العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين والعرب الذين قضوا في معتقلات الأسد الوحشية.
ولإكمال مشروعه في إقامة الدولة البوليسية كان لا بد أن يستند على أشخاص لا يقلِّون عنه إجراماً لتدجين الشعب على إيديولوجيات شمولية تقوم على شعارات وهمية كالمقاومة والممانعة وغيرها من الشعارات الزائفة، بهدف تبرير التسلط وآليات القمع، وإبقاء الشعب في حالة فقر وعوز دائمين حتى يكدح وينشغل بطلب العيش عن طلب المشاركة في الحياة السياسية، وهدم كافة القيم المجتمعية، وادخال البلاد في حالة طوارئ لعشرات السنوات، إلى جانب التدخل في نظام التربية والتعليم ووسائل الاتصال المرئية والمقروءة والمسموعة والسيطرة عليها ومراقبتها وتوجيهها ايديولوجياً، من خلال التعبئة السياسية والنفسية والتأثير في الثقافة والسلوك وكذلك في الحياة السياسية، وتفتيت الدولة السورية وإفراغها من محتواها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية تهيمن على المجتمع ومقدرات الدولة وكافة مفاصل الحياة عن طريق أجهزة قمعية يتم اسناد مهام إدارتها لجلاوزة معروفين بالإجرام ولا يمتلكون الرحمة ولديهم استعداد لعمل كل شيء مقابل الاحتفاظ بمكاسبهم أمثال " رفعت الأسد " و"علي دوبا" و" محمد الخولي" و" علي حيدر" و"غازي كنعان " و" محمد ناصيف" و"بهجت سليمان " و" جامع جامع " و"علي مملوك".
اليوم أغلب هؤلاء أصبح خارج إطار السلطة بعد أن انتهت الأدوار المرسومة لهم في حين لا يزال بعضهم يمارس سلطاته القمعية تجاه الشعب السوري أمثال اللواء " علي مملوك " الذي عمل في بلاط الأسدين (الأب والابن ) منذ العشرينيات من عمره وحتى الآن.
الصندوق الأسود الصامت!
يعتبر " علي مملوك " الصندوق الأسود الذي يحتوي على كافة أسرار المخابرات السورية حول أغلب الملفات الساخنة التي أدارتها الأجهزة الأمنية على مدار عشرات السنوات الماضية وحتى الآن، وحالياً يمسك بزمام أحد أهم أركان النظام القمعية وهو مكتب الأمن الوطني الذي يشرف على جميع العمليات العسكرية التي تستهدف الشعب السوري، ولم يأت من فراغ تعيينه بهذا المنصب خلفاً لـلواء " هشام الاختيار" الذي قضى في ما عُرف بــ" تفجير خلية الأزمة " عام 2012، بل هو نتيجة طبيعية لولائه المطلق لعائلة الأسد، فقد ساهم " مملوك" بشكل كبير في تحويل الدولة السورية إلى منظمة بوليسية سرية تطارد كل من يحاول أن يطالب بحقوقه أو يفكر بانتقاد ما تؤول إليه الأمور، فكان وراء اعتقال الآلاف من السوريين وزجهم في سجني صيدنايا وتدمر بعد إصدار أحكام عليهم من خلال محكمة أمن الدولة بدمشق بموجب محاكمات صورية تفتقر إلى أدنى ضمانات التقاضي أو المحاكمة العادلة، إلى جانب إصدار أحكام الموت بحق الكثير من معتقلي الرأي وتنفيذها بدم بارد، إضافة إلى العديد من الاجراءات القمعية الصارمة التي مارسها ضد الشعب السوري ليساهم من خلالها في التحكم بالحياة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والسياسية بما يتناسب مع مصالح عائلة الأسد، وتغييب القانون وانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير والاعتقاد، وافساد القضاء والإعلام وكافة مرافق الدولة من خلال نشر الفساد الإداري والمالي والأخلاقي.
اعتقال واغتيال الناشطين!
ومنذ بدء الثورة السورية خاض " مملوك " بدماء الشعب السوري بعد تكليفه من قبل " بشار الأسد" شخصياً بإخماد المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، فكان يصدر أوامره للتصدي للمتظاهرين واعتقالهم والتجسس عليهم، ونجح بشكل كبير في هذا المجال من خلال شبكة العملاء التي كان يديرها بالتعاون مع بعض أجهزة المخابرات الصديقة على مستويات عالية وتكللت جهوده باغتيال واعتقال العديد من الناشطين والسياسيين المناهضين للنظام وعلى رأسهم المقدم "حسين هرموش" في عمليات استخباراتية غاية في الدقة والتخطيط. إلى جانب التشويش على بعض القنوات الإعلامية التي كانت تبث المظاهرات المنددة بالنظام وتشكيل ما يسمى بــ" الجيش الإلكتروني السوري " الذي استطاع اختراق العديد من المواقع الالكترونية المعارضة لسياسة النظام القمعية تجاه المتظاهرين، ونشر العديد من الإشاعات المفبركة التي كانت تستهدف فئات معينة من الشعب السوري خاصة الأقليات وتخويفها من مخططات تعد لاستهدافهم من قبل دول ومجموعات معينة لأسباب طائفية أو عرقية ...
اختراق التنظيمات المسلحة في العراق!
وبالرغم من أن " علي مملوك " محسوب على الطائفة السنية إلا أن المعلومات تؤكد أنه ينحدر من أسرة علوية هاجرت من لواء إسكندرون إلى دمشق في ثلاثينيات القران العشرين، وكان من مؤسسي إدارة المخابرات الجوية سيئة الصيت ومديرها خلال الفترة 2003-2005 . وبعد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الذي انعقد خلال الفترة 6-9 حزيران عام 2005 عينه "بشار الأسد " مديراً لإدارة المخابرات العامة ( أمن الدولة ) حيث استطاع أن يبني شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين في أهم أجهزة الاستخبارات في العالم كالمخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والروسية والإيرانية، ومع مسؤولي أجهزة المخابرات العربية، كما تمكن من بناء علاقات وثيقة مع قادة أغلب المجاميع المسلحة في العراق ولبنان المتطرفة منها وغير المتطرفة. وقد تعززت هذه العلاقات خلال إشرافه على الملف العراقي عندما كان مديراً لإدارة المخابرات العامة حيث استطاع اختراق وتجنيد أغلب القيادات السياسية في العراق (الشيعية منها والسنية) وقادة المجموعات المسلحة التي كانت تقاتل القوات الأمريكية هناك بما فيها تنظيم القاعدة وتوفير الدعم المادي واللوجيستي والعسكري لها، إضافة إلى تقديم كافة التسهيلات اللازمة لوجودهم وتنقلهم على الأراضي السورية من جوازات سفر وإقامات وسيارات وأسلحة فردية لحمايتهم خلال تنقلاتهم وإقامة معسكرات تدريبية لهم في ريف دمشق وحلب واللاذقية ودير الزور، وكان الهدف الأساسي من هذه العلاقات هو استخدامها لمغازلة الولايات المتحدة في بعض الملفات خاصة قضية اختراقه لتنظيم القاعدة للحصول على بعض التقنيات التي كانت واشنطن تحظر على دمشق امتلاكها أو استخدامها، وأحياناً استخدامها كورقة ضغط في زعزعة الأمن في بلاد الرافدين على غرار ورقة الفصائل الفلسطينية التي كانت تتخذ من دمشق مقرات لها.
شخصية مثيرة للجدل!
من الناحية السيكولوجية يعتبر "مملوك " من الشخصيات الغامضة والمثيرة للجدل، ولديه هوس بحب السيطرة والتحكم وتوزيع الأوامر، والتعالي على الناس فلا يعترف بحاجات الآخرين ورغباتهم ولا يحترم إنسانيتهم، تتميز شخصيته بالفوقية، والغموض في جانب كبير منها، إلى جانب العصبية والقسوة وحب التسلط، والقمع، حيث يثير القلق في أي محيط يوجد فيه حتى في أوساط المقربين منه.
يعتبر " مملوك " حالياً من أقوى الشخصيات المحيطة ببشار الأسد والحائزة على ثقته واليد الضاربة له ضد الثورة السورية حيث ساهم بشكل كبير في قمع المتظاهرين منذ اليوم الأول لانطلاق الاحتجاجات وقد تعزز دوره بشكل كبير بعد تفجير خلية الأزمة أثناء انعقادها في مكتب الأمن القومي بحي الروضة بدمشق عام 2012 حيث تخلص مملوك من شخصيات كانت دائماً تزاحمه في نفوذه أمثال اللواء " آصف شوكت " واللواء " هشام اختيار" ، الأمر الذي زاد من قوته ونفوذه وسيطرته على أهم مفاصل الدولة وهي الأجهزة الأمنية، خاصة بعد توليه منصب رئيس مكتب الأمن الوطني الذي يرتبط مباشرة ببشار الأسد ويشرف على كافة العمليات العسكرية والأمنية في البلاد.
تورط فاضح وافلات من العقاب!
ورغم ثبوت تورط " علي مملوك " بالوقوف وراء آلاف الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب السوري، وقيامه عام 2012 بالتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية بعبوات ناسفة واغتيال شخصيات سياسية ودينية لبنانية على رأسها اغتيال اللواء "وسام الحسن"، المسؤول الأول عن ملاحقة أزلام بشار الأسد في لبنان، إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً واكتفت الولايات المتحدة بفرض عقوبات ضده وحملته مسؤولية التجاوزات في مجال حقوق الإنسان، وهو ما فعله الاتحاد الأوروبي في أيار/مايو2012، وأدرج اسمه ضمن قائمته للعقوبات، لدوره في قمع المظاهرات، كما أدرج اسمه أيضاً ضمن الشخصيات والمسؤولين السوريين الذين شملتهم قائمة الحظر وتجميد الأرصدة الصادرة عن "لجنة التنسيق العربية" الخاصة بالأزمة في سوريا، عقب اجتماعها بالدوحة في كانون الأول/ ديسمبر2012.
نهاية لا بد منها:
في نهاية المطاف نقول لمملوك وزمرته أن دولتكم المخابراتية المستقوية على الضعفاء من أبناء الشعب السوري والمستنعجة أمام إسرائيل, لن تدوم طويلاً بل ستعجل من تغيير صفحات التاريخ المظلم الذي أدخلتم الشعب السوري فيه, وكلما زدتم من جرعات القتل والتدمير كلما اقتربت نهايتكم البشعة كنهاية كل القتلة والفاشيين... وسينتصر الشعب السوري لامحالة، تلك هي سنة الله في الكون، عندئذ ستفرح الأمهات الثكالى، أمهات الشهداء والمعتقلين والمفقودين حين يرين رؤوسكم وقد علقت في ساحة المرجة بدمشق جزاءً بما اقترفته أيديكم بحق الآلاف من الأبرياء والمساكين.
التعليقات (11)