... وآخرون لا يرون مستقبلهم بعيداً من جبهات القتال

... وآخرون لا يرون مستقبلهم بعيداً من جبهات القتال

«أنا مستقبلي في الثورة والقتال وليس غيرهما»

قالها كريم بغضب عندما نصحته بالالتفات إلى مستقبله، ونسيان الحرب من الآن فصاعداً. قريبي الشاب الذي انخرط في الثورة والقتال، يصر على الاستمرار في ما بدأه على رغم أنه يقيم منذ عامين في جبال القلمون ببردها وثلوجها، ويشتكي غياب الإمدادات العسكرية والدعم بكل أنواعه، تاركاً زوجته وأولاده الصغار في إحدى القرى القريبة من الجبهة. وكريم ليس سوى نموذج للكثير من الشبان السوريين الذين التحقوا بالقتال مدفوعين بالرغبة في الوصول إلى أهداف عدة وحوافز بعد أن تحولت الثورة السورية من ثورة سلمية إلى مسلحة. فبعضهم كان ينوي تحقيق أهداف الثورة في الكرامة والحرية، وآخرون أرادوا الانتقام لما اقترفه نظام الأسد، وشبان رأوا في القتال وسيلة للحصول على راتب بسيط يعينهم في معيشتهم الصعبة، في حين ظهر أخيراً شبان تتلخص تطلعاتهم في الاستشهاد ليس إلا.

تحقيق أهداف الثورة.. ولكن

رائد عليوي (أبو علي) قائد فصيل «سرايا الحق 314 « والمتواجد الآن في تركيا، قال لـ «الحياة» إن «انخراط الشبان بشكل كبير في القتال جاء بعد أن تحولت الثورة من تظاهرات عفوية إلى مسلحة، وكان هدفهم تحقيق أهدافها». وأضاف: «لا يمكن أن يتوقف السوريون عن القتال بعد سقوط نصف مليون شهيد ودمار 80 في المئة من بلدهم»، موضحاً أنه «لم يتوقع الشباب في البداية أن يستمر القتال لفترة طويلة، فترك بعضهم القتال وجاؤوا إلى تركيا وعملوا في الأراضي الزراعية وغيرها.

أما الآخرون فتحولوا من القتال ضمن فصائل لا تمنح رواتب إلى فصائل تدفع مبالغ محددة كي يعتاشوا ويؤمنوا معيشة عائلاتهم». ويقول أبو علي: «فصيلي لا يعطي رواتب لكنه يعتمد الغنائم العسكرية من غرف العمليات. وعلى سبيل المثال عند اغتنام دبابة تباع إلى فصيل آخر يستطيع أن يدفع ثمنها البالغ حوالى 50 مليون ليرة سورية (25 ألف دولار)، وأنا أخصص 50 في المئة من ثمنها لعناصر الفصيل والقسم الباقي لتأمين سلاح».

وعن إمكان توقف بعض المقاتلين عن القتال أشار قائد الفصيل إلى أن» مقاتل الجيش الحر ملزم الاستمرار في القتال، فهو لا يستطيع العودة إلى حياته الطبيعية، لأنه محكوم عليه بالإعدام من قبل نظام الأسد، ومجرد تراجعه عن القتال يعني موته». وركز عليوي على سعيه للحصول على دعم لفصيله كي لا يتسرب الشباب إلى فصائل أخرى.

أنفق ثروته على القتال

المقاتل محمد حاج إبراهيم من ريف حلب، تخرج في كلية الحقوق وانتسب الى نقابة المحامين في حلب، تمرن في البداية قليلاً على مهنة المحاماة ثم عمل في التجارة. بعد انطلاق الثورة، انخرط فيها ثم انتقل للقتال مع الجيش الحر «الشرفاء»، كما يصفهم محمد. ولا يخفي خريج الحقوق أن كتيبته قاتلت أيضاً إلى جانب «أسود الله» المحسوبين على تنظيم «داعش» في مدينة السفيرة في حلب وأثنى على رغبتهم في الشهادة، متحدثاً عن تمسك الشبان السوريين بالقتال «من أجل مستقبل سورية». وقال: «وهبت كل ما أملك للثورة، فبعت سيارتين، وأنفقت كل ما أملك، لكن هذا يهون لعيون سورية الحبيبة». وكان محمد أصيب جراء سقوط قذيفة على منزله في ريف حلب، وكادت تودي بحياته وهو يعالج حالياً في إسطنبول على حسابه الخاص.

ويتهم محمد بعض الكتائب «الخائنة» بمحاولة قتله وتصفية المقاتلين النظيفي اليد. لكن الغريب أن محمد أكد لـ «الحياة» أنه «بعد فترة النقاهة سيعود للقتال وفي حال لم يستطع القتال سوف يدعم الثورة بماله المتبقي»، متمنياً أن يصبح شهيداً كما بعض أقربائه وأصدقائه.

وشكلت آلام النزوح تربة خصبة للتوجه إلى الحرب المشتعلة، اذ يتوجه بشكل مستمر شبان من المخيمات للقتال على جبهات مختلفة، ففي الوقت الذي يفضل بعض الشبان القيام بأعمال تطوعية في إدارة المخيمات وتنظيم شؤونها، يتركها آخرون ويعودون الى الجبهات المتعددة للمشاركة في القتال. وفي حين يشدد المشرفون على مخيمات النازحين في تركيا على أن نسبة الذين يذهبون الى القتال ضعيفة، على رغم انتشار البطالة وقضاء معظم الشباب ساعات النهار بلا أي عمل، إلا أن القائمين على مخيم باب السلامة في ريف حلب على سبيل المثال، يجزمون بوجود مقاتلين من «الجيش السوري الحر».

أحمد البالغ من العمر 20 عاماً أحد هؤلاء، فهو يقاتل مع حركة «فجر» الإسلامية، حيث يقضي 20 يوماً في القتال ويعود إلى العمل في المخيم عشرة أيام للحصول على دخل، لأنه لا يتقاضى شيئاً مقابل «جهاده» بحسب قوله. وهكذا يعمل أحمد على بسطة لبيع اللحوم في سوق المخيم الصغير الذي يضم محلات بيع الخضار وبعض الأطعمة. أحمد المتزوج منذ عام ونصف، عبَّر عن استيائه من تقاعس بقية الشباب عن الذهاب للقتال على الجبهات المتقدة، وهو اشتكى من سوء وضعه المعيشي واضطراره للعمل لتأمين حياة عائلته، في حين يرى أن عليه التفرغ بشكل كامل للقتال ضد نظام الأسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات