خفايا.. كل ما لم يقله "المستقبل" و"حزب الله" من قبل!

خفايا.. كل ما لم يقله "المستقبل" و"حزب الله" من قبل!
لم يقتنع كثر بأن وضع جدول أعمال الحوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» الذي يفترض تدشينه في الأيام القليلة المقبلة، يتطلب أكثر من 6 أسابيع، منذ أن أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله استجابته للدعوة التي وجهها زعيم تيار «المستقبل» منذ شهر آب (أغسطس) الماضي إلى هذا الحوار، والتي كررها في بيانه الشهير في 28 تشرين الأول (أكتوبر)، ذلك لأن عناوين البحث بينهما معروفة ومفتوحة وليس منطقياً حصرها بموضوع واحد، على رغم أن الموضوع الجوهري الذي يتوق الوسط السياسي والرأي العام إلى ظهور نتائج حوله هو إنهاء الشغور الرئاسي.

فمشكلة الرئاسة في لبنان تختزل الكثير من مواضيع الخلاف الواسعة بين الطرفين، والتي يحول استمرار الخلاف عليها دون اكتمال مؤسسات السلطة في البلد الذي يتخبط بحال من الشلل والجمود. وعلى رغم أن معالجة الاحتقان السنّي - الشيعي تشكل أولوية في حوار الجانبين، فإنه يستحيل على أي فريقين أن يلتقيا من دون أن يتناولا مسألة الرئاسة، نظراً إلى إلحاح الحاجة إلى وقف عملية تعطيل اكتمال السلطة في لبنان الذي لم يعد هماً مسيحياً فقط، بل أصبح هماً وطنياً.

كثرة عناوين الخلاف

ويقول غير مصدر مراقب، ومصادر أخرى معنية مباشرة بالحوار، إن مصطلح جدول أعمال الحوار لم يكن في أي لحظة سبباً لتأخر انطلاقه، بل هو ابتداع إعلامي للتمهيدات لبدئه. فكل المواضيع هي أولوية، لا سيما حين نتحدث عن تنفيس الاحتقان السنّي - الشيعي الذي تندرج تحته كمية هائلة من العناوين، تتعلق بالتدابير والخطوات العملية لتحقيق هذا التنفيس، لأنه لا يعقل أن يقتصر الأمر على مجرد الاجتماع والتقاط الصورة إذا كان الطرفان يتوخيان الوصول إلى نتيجة على هذا الصعيد تكرس عدم تحويل العلاقة بين السنّة والشيعة فيه إلى وضعية تشبه ما يحصل في العراق أو في سورية أو أي مكان آخر.

وعليه، فإن لا شيء اسمه جدول أعمال. وكل ما في الأمر أن الطرفين احتاجا إلىت بعض الوقت، ربما كي يعتاد جمهورهما على الفكرة، خصوصاً أنهما يأتيان إلى الطاولة من مكانين بعيدين جداً، بعد سنوات من التعبئة المتبادلة. وعلى رغم اتفاقهما أخيراً على محاربة الإرهاب، فإن تحت هذا البند وحده تندرج بنود لا تحصى، فالخلاف قائم حول كيفية هذه المواجهة، بدءاً بالإجابة عن السؤال: ما هي الوسيلة: هل عبر الدولة أم عبر الميليشيات كما يحصل في العراق وسورية...؟ والفريقان متفقان علناً على حفظ الحكومة وتجنب تفجيرها لكن، كيف تستمر الحكومة فاعلة، في ظل الفراغ الرئاسي، وهل يمكن أن يصمد التعاون الجاري داخلها على القطعة ويوماً بيوم، إذا استمر هذا الفراغ؟ وما هو تأثير الفلتان الأمني الذي يتيحه ارتباط وضع لبنان مع الأزمة السورية وتدخل «حزب الله» فيها، وانعكاساته الأمنية الداخلية وعلى الحدود؟

ولا تتوقف الأوساط المراقبة والمعنية مباشرة بالحوار، عن طرح سيل من الأسئلة عن المشاكل المتراكمة التي على «المستقبل» و «حزب الله» أن يتطرقا إليها. ويشير المعنيون، لتبسيط الأمر، إلى أن الفريقين اتفقا على حوار بلا شروط، ما يعني أن البحث مفتوح في كل المواضيع، المتصلة بالخيارات المتباعدة، محلياً وإقليمياً. فعناوين الخلاف تشمل الاقتصاد والأمن والرئاسة والانتخابات النيابية ووضع الحدود التي تبقى عرضة للتجاذب في ظل محنة العسكريين المخطوفين في منطقة القلمون السورية المحاذية لبلدة عرسال. ويعطي مراقبون في هذا الصدد مثلاً، بالقول إن «حزب الله» وحلفاءه يلحون منذ مدة على إبقاء خيار قيام الجيش بعملية عسكرية في جرود عرسال لطرد «داعش» و «جبهة النصرة» منها ومحاولة تحرير العسكريين بالقوة، مهما تطلب الأمر من تضحيات وأثمان، ويلحون على التنسيق مع الجيش السوري لهذا الغرض. و «المستقبل» يرفض هذا الخيار ويعتبره خطيراً على مصير العسكريين، ويرفض جر الجيش إلى معركة تجبره على التنسيق مع الجيش السوري في أمر يتعلق بما يجري على الأرض السورية ومحاولة لتغطية دخول «حزب الله» في معارك كهذه، ولإعانة النظام السوري على معالجة أوضاع عسكرية في مواجهة الفصائل المسلحة في القلمون بينما المطلوب النأي بالنفس عن ذلك.

خيبات الأمل

إلا أن أوساطاً مراقبة تدعو إلى تجاوز «التنقيب» عن العناوين المتشعبة التي سيبحثها الفريقان، بالعودة إلى الأسباب الجوهرية لإقبال الفريقين على الحوار وخلفيات ذلك وتعدد هذه الأوساط ما تعتبره عوامل تجعل «المستقبل» و «حزب الله» محشورَين، وفي حال إحراج شكلت خلفية حماستهما لهذا الحوار. وهو ما لم يقولاه علناً. ومن هذه العوامل بالنسبة إلى «المستقبل» على سبيل المثل لا الحصر:

1 - لم يكن مصادفة إطلاق زعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري دعوته إلى الحوار في خطابه أثناء إفطار رمضاني في آب الماضي، إثر احتلال «النصرة» و «داعش» عرسال في الثاني من الشهر نفسه، مع ما تركته من مخلفات ما زال البلد يعاني منها، ومحنة العسكريين المخطوفين هي أحدها. فالتنظيمات الإرهابية دخلت مناطق سنّية وأخذت تعبث بها. وحين زار الحريري لبنان في الشهر نفسه بعث برسالة إلى الحزب عبر وسيط يدعو فيها إلى التلاقي. ولم تكن مصادفة أن الحريري أدلى ببيانه الشهير مطلع الشهر الماضي، بالتشديد على دعوته إلى الحوار، على رغم أن الحزب تجاهل دعوته الأولى، بعد انتهاء معركة طرابلس مع المجموعات التي كانت تهيئ لإيجاد نقطة ارتكاز لـ «النصرة» و «داعش» في الشمال. ويقول المراقبون في هذا المجال إن «المستقبل» الذي اتخذت قياداته المحلية وعلى المستوى اللبناني موقفاً حاسماً بدعم الجيش ضد هذه المجموعات، أحسّ بخطر تمدد المتطرفين إلى مناطق نفوذه، وبإمكان قضم الاعتدال الذي يمثله، والذي يساهم تنامي الاحتقان المذهبي في تآكله مع الوقت.

2 - أن عبء النازحين السوريين الذين حرص «المستقبل» على استقبالهم من جانب لبنان تحت عنوان حماية المعارضين والمدنيين من بطش النظام السوري، تحول في المقابل إلى عبء أمني كبير، وإلى حاضن لبؤر أمنية وخلايا نائمة قد يصعب ضبطها بالوسائل الأمنية وحدها.

3 - أن خيبات الأمل من القراءات الإقليمية السابقة لـ «المستقبل» وبعض حلفائه عن قرب سقوط نظام بشار الأسد في سورية (على رغم أن التيار لم يشارك في أية معارك في سورية مثلما فعل «حزب الله»)، فرضت على قيادته مراجعة قراءتها لمجريات الأزمة السورية والوضع الإقليمي والدولي، بحيث بات يشارك توقعات قوى أخرى بأن الحرب السورية طويلة ولا بد من معالجة آثارها اللبنانية انطلاقاً من اقتراح الحريري «تحييد المسألة اللبنانية عن المسألة السورية» و «الامتناع عن استخدام لبنان ساحة لتصفية الحسابات (وهو كلام موجه للمعارضة السورية). هذا إضافة إلى تجنبه «الجدال العقيم حول المسؤوليات والأسباب وحدود التدخل في سورية»، متجاوزاً بذلك لوم «حزب الله» على تدخله. وهو نوع من الدعوة إلى التعايش مع احتمال بقاء الأسد في السلطة إذا كانت الأزمة مرشحة للاستمرار سنتين أو ثلاثا أخريات...

ووفق المراقبين إياهم، فإن خلفيات إقبال «المستقبل» على الحوار تتجاوز النقاط الثلاث المذكورة، وتتصل بعوامل أخرى منها الاتجاه الدولي الإقليمي إلى تقوية الجيش لمواجهة المرحلة، وإبقاء لبنان واقفاً على رجليه اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن التهيؤ لاحتمالات التفاوض الأميركي - الإيراني والإيراني - العربي... إلخ.

دوافع الحزب

أما العوامل المتعلقة بالأسباب الجوهرية لإقبال «حزب الله» على الحوار، فهي لا تقل أهمية نظراً إلى أنه هو أيضاً بات محشوراً ومحرجاً، ويذكر المراقبون منها الآتي:

1- لم يكن مصادفة أيضاً أن تأتي استجابة الحزب للدعوات إلى الحوار، من «الأصدقاء والحلفاء»، بعد معركة بريتال التي اخترقت فيها «النصرة» مواقع الحزب على الأرض اللبنانية، والتي سقطت له فيها خسائر بالأرواح، جاءت بعد خسائر لا تقل أهمية في القلمون السورية. وهي جاءت بعد احتلال المتطرفين السوريين عرسال ومعركة الجيش معهم... ويعتقد المراقبون أن تراكم ردود المقاتلين السوريين على مناطق شيعية (تفجيرات وصواريخ) فرضت، عليه رغم مكابرة قيادته، واستمرار التعبئة المرتفعة في صفوف جمهوره مع القتال داخل سورية، استجابة لدعوات الحوار من أجل خفض منسوب الاحتقان المذهبي، بعد أن أخذت ظواهر التطرف تظهر في الوسط السنّي، مقابل تيار الاعتدال الذي بقي الحزب على خصومة معه طوال السنوات الماضية غير آبه بآثار جهوده لإضعاف هذا التيار وإبعاده من السلطة، على هذا الاحتقان. ويفضل الحزب في هذا السياق الإفادة من قدرات الجيش والجهود التي يبذلها الحريري لتعزيزها، في مواجهة الاحتمالات العسكرية الناجمة عن تدخله في سورية، حتى لو تطلب الأمر تركيز أبراج مراقبة بريطانية في مناطق نفوذه، وعلى مقربة من مستودعات أسلحة ضخمة تابعة له، في مواجهة التحديات على الحدود، ما يجعل حواره مع «المستقبل» خطوة لا خسارة فيها لحصد دعمه لحماية الحدود، وبالتالي مواقع نفوذه وجمهوره.

ويجد المراقبون أنه من الطبيعي أن يحتاط الحزب لإمكان تنامي خسائره البشرية في سورية، بالتعويض عنها بحد أدنى من إراحة جمهوره الذي أصابه التعب هو أيضاً. وخسائره باتت تحسب بالمئات. ويقال إن الحزب وضع لها سقفاً يخشى من أن تؤدي إطالة الحرب إلى الاقتراب منه.

2- أن خيبات الأمل لدى بعض قيادة الحزب، من المراهنة على تسوية تبقي الأسد في السلطة لا تقل أهمية عن خيبة «المستقبل» في مراهنته على ذهاب الأسد. وعلى رغم استمرار مراهنة بعض حلفاء الحزب، في ما يخص ملف الرئاسة اللبنانية، على أن تأتي نتائج الأزمة السورية لمصلحته وتفرض رئيساً من فريق الممانعة، هو في الظروف الراهنة العماد ميشال عون، فإن المراقبين يعتقدون أنه لا بد للحزب بعد هذه السنوات من الخيبات، من أن «يحسب حساب خط الرجعة»، أو على الأقل أن يتصرف على أن الغموض يكتنف مصير سورية والأسد معها خلال المرحلة المقبلة...

3- أن عبء النازحين السوريين في لبنان، مع توقع امتداد الأزمة السورية، يجعل من مئات آلاف السوريين الموجودين على أرضه، بيئة حاضنة للعداء له. والبعض يقيس الأمر مذهبياً بالقول: «للمرة الأولى، بات السنّة في لبنان أكثر من مليونين، فلماذا استنفارهم جميعاً، في ظل اضطرار الحزب للاستمرار في الحرب داخل سورية، مهما كانت القوة العسكرية التي يتمتع بها؟ أما في الأسباب الإقليمية لاندفاع الحزب نحو الحوار، فمن الطبيعي أن تحتاط قيادته لأي من الاحتمالات المفتوحة المتعلقة بموقع إيران المقبل في أي تسوية.

* العنوان الأصلي للمادة (ما لم يقله «المستقبل» و «حزب الله» في تبرير حاجتهما للحوار)

التعليقات (1)

    المخضرم

    ·منذ 9 سنوات 4 أشهر
    عليكما اللعنة الجوز
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات