ارتفاع الأسعار مع زيادة الرواتب واضطراب سعر الليرة أول انتكاسة

قريبا من موقف باصات داخلية وفوق رؤوس تجمعات للعشرات بانتظار الباصات التي لم تعمل كالعادة لليوم الثاني على التوالي، نصبت لوحة إعلانية ضخمة من سلسلة لوحات في إطار حملة «عيشها غير»، (ويقصد بها ليكن عام 2015 مختلفا)، انتشرت في الشهرين الأخيرين في شوارع العاصمة الرئيسية وفيها دعوات للسوريين للتحرك من أجل حياة أفضل. وبدا في اللوحة صورة كأس شاي داخله ملعقة صغيرة ومكعب سكر في قعره لم يذب بعد، وقد كتب عليها «إذا ما بتحركها ما بتحلا.. تحرك وعيشها غير».. وإلى جانبها لوحة أخرى لشخص ينفث الدخان وكتب عليها «قد ما تنفخ عليها لن تنجلي.. تحرك وعيشها غير»، ولوحة أخرى لشخص أمام تقويم مقلوب وقد كتب عليه «مقلوبة؟ صلحها وعيشها غير».

أثارت حملة «عيشها غير» استغراب السوريين، ليس لأنها مدعومة من شركات حكومية وأخرى قطاع خاص وفعاليات أخرى داعمة للنظام، بل لأن إطلاق هذه الحملة جاء في وقت تتفاقم فيه الأوضاع المعيشية وتتردى إلى حد «لم يعد يطاق».

وكانت الحكومة السورية في دمشق قد أصدرت حزمة قرارات يوم الأحد الماضي تتضمن رفع أسعار السلع والمواد الأساسية (الخبز، المازوت، الغاز)، بنسب تتراوح بين 30 و55 في المائة، فسعر لتر المازوت غير المتوفر أساسا بلغ 125 بدلا من 80 ليرة، والغاز المنزلي 1500 (سعر الجرة) بدلا من 1100 ليرة، والخبز من 25 ليصبح 35 ليرة، مع الإشارة إلى أن الذين كانوا يحصلون على هذه المواد بالأسعار الحكومية هم من الموظفين والموالين للنظام ممن يتمتعون بواسطات لدى الجهات العامة التي توفر تلك المواد، فيما تحصل عامة الناس على تلك المواد من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة.

وتخفيفا لانعكاس تلك القرارات على العاملين بالدولة، أتبعته بمرسوم رئاسي يقضي بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين بعقودٍ سنوية، تعويضا قدره 4 آلاف ليرة شهريا، باسم تعويض معيشي. وبحسب المرسوم، لا يخضع التعويض لأي حسميات، مهما كان نوعها، ويصرف مع الراتب أو الأجر أو المعاش، ويتم العمل بهذا المرسوم اعتبارا من أول الشهر الذي يلي تاريخ صدوره، وذلك وفق وكالة الأنباء الرسمية (سانا).

وتعتبر زيادة الـ4 آلاف ليرة رقما بخسا لا يغطي جزءا بسيطا من الفجوة التي أحدثها ارتفاع الأسعار بين معدلي الدخل والأنفاق، حيث لا يتجاوز معدل الدخل 50 ألف ليرة أي ما يعادل 250 دولارا، بينما معدل الإنفاق بالحد الأدنى يتجاوز قيمة الـ400 دولار لأسرة من 3 أشخاص. وتؤكد السيدة رفاه.ن الموظفة في مؤسسة حكومية، أن الحكومة «تدفع السوريين دفعا للهجرة». وتكاد هذه القناعة أن تكون شبه عامة في سوريا اليوم، التي تضيق فيها سبل العيش يوما بعد آخر، وقد ظهر هذا بوضوح في الشهر الأول من العام الذي شهد أسوأ عاصفة ثلجية، وبمجرد أن انجلت العاصفة، بادرت الحكومة إلى رفع الأسعار لتكون ضربة شديدة أخرى لكل من لم يتمكن من الهجرة.

وأثار ارتفاع الأسعار استياء السوريين في ظل ضعف الرواتب وتدني قيمة الليرة أمام الدولار، وكانت أول الانعكاسات اضطراب سعر الليرة يوم أمس الاثنين، وامتناع أغلب شركات الصرافة عن نشر الأسعار وتوقف حركة البيع والشراء، حيث سجل سعر الليرة بعد ساعات من تنفيذ القرارات الجديدة ارتفاعا ليصل إلى 218 ليرة في السوق السوداء، و185 دولارا في السوق النظامية مساء الأحد. وتجمدت بعدها حركة السوق، وسادت حالة من الفوضى والاختناقات المرورية في دمشق وريفها، بعد توقف غالبية الباصات والسرافيس والتاكسي عن العمل بسبب رفع سعر المازوت وفقدانه من محطات الوقود.

ويطالب العاملون في النقل الداخلي الحكومة بإيجاد حلول عادلة، ووضع تعرفة ركوب تتناسب مع سعر الوقود المرتفع ولا تظلم المواطن بشكل كبير، ويقول أبو حسين ويعمل على خط سرفيس بين دمشق وريفها، إنه اضطر للتوقف عن العمل، ويقول: «غالبا أشتري بسعر مضاعف من السوق السوداء كي لا أتوقف عن العمل لأنه ليس لدي عمل آخر، وكنا نقبل بالخسارة القليلة. لكن مع ارتفاع السعر الجديد باتت الخسارة لا تحتمل».

وتفيد أرقام منظمات دولية بأن نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تجاوزت في العام الأخير نسبة الـ90 في المائة بعد أن كانت قبل 6 سنوات 18 في المائة. إلا أن تلك الأرقام المرعبة لم تمنع النظام من حث مواطنيه على المبادرة والتحرك لجعل حياتهم أفضل، فالمشكلة هي مشكلة مبادرة وحركة لا مشكلة دولة تحولت خلال عقدين من سياسة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، إلى دولة فاشلة.